العدد 4052 - الخميس 10 أكتوبر 2013م الموافق 05 ذي الحجة 1434هـ

متطلبات الانتقال السياسي

يوسف مكي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

في الثلاثين من يونيو/حزيران من هذا العام خرج المصريون، بعشرات الملايين إلى الشارع، مطلبهم الرئيس هو إزاحة الرئيس محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين عن السلطة. ومرة أخرى انحازت المؤسسة العسكرية للشارع، لتؤكد مقولة أنه في السياسة لا توجد صداقات دائمة، بل حالات متحركة، حالها حال الزمن ليس له ثبات. فبعد ثورة 25 يناير 2011 اتهم الجيش بالانحياز للإخوان المسلمين، والمساعدة على تسلمهم للسلطة. وفي 30 يونيو، اتهم الجيش بقيادة انقلاب على جماعة الإخوان المسلمين. وجماعة الإخوان الذين عدّوا ما حدث في 25 يناير ثورة، يرون في انتفاضة 30 يونيو انقلاباً على الشرعية، وسبحان مغيّر الأحوال.

ووسط الجدل المحتدم بين الإخوان والشعب المصري، على توصيف ما جرى، ثورة أم انقلاب، تصل إلينا كل يوم أخبار جديدة. فحملة الدولة على الجماعة، مسنودة بتأييد شعبي واسع. والحملات المقابلة، في شكل إرهاب واغتيالات وعمليات تفجير مرشحة للتصاعد.

موقف الإدارة الأميركية، من عزل الرئيس مرسي وطرد الإخوان من السلطة بدا ملتبساً. فهذه الإدارة التي أعلنت

حرباً لا هوادة فيها على الإرهاب، بعد حوادث 11 سبتمبر 2001، والتي اتخذت من محاربة الإرهاب مبرراً لاحتلالها أفغانستان والعراق، تتحالف الآن مع الإخوان المسلمين، والمنظمات التكفيرية التي تسعى إلى تخريب مصر.

لوحة تختلط فيها الأوراق، وتبدو المشاهد متناقضة، لكنها تصب في محصلتها في مخطط تفتيت الوطن العربي، وتغيير خارطته السياسية، بما يتسق مع مشروع الشرق الأوسط الجديد والفوضى الخلاقة، ومخاض الولادة. ولا شك أن المستفيد الأكبر من انهيار الأمن في مصر هو الكيان الصهيوني، الذي ليس من مصلحته وجود أي جيش عربي متماسك، فكيف والحال إذا كان ذلك جيش لأكبر قوة بشرية عربية.

يضاف إلى ذلك، أن تزعزع الأمن في سيناء، نتيجة لتداعيات الأحداث، يقدّم خدمة كبرى لأجندات المشروع الصهيوني. لقد حاول الكيان الصهيوني منذ نكسة يونيو 1967، التخلص من قطاع غزة، وإعادة إدارته إلى مصر. وكان موضوع إعادة القطاع إلى الإدارة المصرية، قد طرح لأول مرة، على أنه جزء من مبادرة وزير الخارجية الأميركي وليام روجزر للسلام في الشرق الأوسط، في العام 1970، ولم يقبل به الرئيس عبدالناصر. وجرت المحاولة مرة أخرى، مع الرئيس السادات، بعد حرب أكتوبر 1973، حيث طلب كيسنجر مستشار الرئيس نيكسون للأمن القومي، أن يدرج موضوع غزة في برنامج المؤتمر الدولي للسلام في الشرق الأوسط. وعرض الموضوع مجدداً في مباحثات كامب ديفيد الرئيس الأميركي كارتر في نهاية السبعينيات. ومرة أخرى، عرض الموضوع على الرئيس مبارك، رفض الرؤساء الثلاثة مناقشة موضوع استعادة القطاع للإدارة المصرية، بشكل قاطع.

أثناء انتفاضة أطفال الحجارة، كانت غزة كابوساً للقادة الإسرائيليين، وبسببها اتصلوا بحركة فتح، وطلبوا تسليم غزة لمنظمة التحرير الفلسطينية من دون قيد أو شرط، فكان جواب الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات بأنه لا يمكنه تسلم غزة، ونسيان الضفة الغربية، وكان الحل الوسط يومها هو أن تسلم أريحا معها. وقد وجّه هذا الاتفاق السري بين رابين وعرفات اتفاقيات أوسلو التي وقعت العام 1993.

هذا التفصيل يحيلنا إلى ما يجري الآن من عمليات إرهابية في سيناء، حيث تذكر تقارير أن أجزاء من سيناء تقع تحت سيطرة المتطرفين الذين يتلقون دعمهم من حماس في قطاع غزة. بمعنى آخر، لن يضطر الإسرائيليون هذه المرة إلى الطلب من المصريين استعادة غزة، بل ستصبح استعادتها، ضرورة تمليها الأوضاع الأمنية، ورغبة المؤسسة العسكرية المصرية في سد المنافذ على الإرهاب.

وربما تستغل «إسرائيل» هذه الفرصة، لتستفرد بالضفة الغربية، وتكون أمامها فرصتان سانحتان، ترحيل الفلسطينيين إلى القطاع وسيناء، أو استعادة فكرة الوطن البديل بالأردن، في حال أصبح متعذراً التوصل إلى حل للأزمة السورية.

تأتي هذه الأحداث، وسط نشاط مكثف لإعادة كتابة الدستور، حيث تشكلت لجنة الخمسين واختارت من بين أعضائها عشرة من فقهاء القانون لكتابة مسودته. ويتوقع أن يجري الاستفتاء عليه، قبل الانتخابات الرئاسية.

ومنذ الآن بدا أن القول الفصل في مستقبل مصر السياسي، سيكون للمؤسسة العسكرية. فحسب التسريبات، عن نصوص الدستور الجديد سيجري تعيين وزير الدفاع، من قبل القيادة العامة للقوات المسلحة، ولن يكون لرئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء قول في ذلك. وذلك يعني أن رئيس الجمهورية، لن يكون بمقدوره مستقبلاً عزل وزير الدفاع، وأن الحكم على أقل تقدير، سيكون شراكة بين الجيش ورئيس الدولة. وسيبقى للمؤسسة العسكرية، بسبب القوة والحصانة التي تتمتع بها اليد العليا، في تقرير مستقبل مصر وسياستها.

وبالنسبة لانتخابات الرئاسة القادمة، فإن من المرجح أن يخلع الفريق السيسي بدلته العسكرية، ويترشح لرئاسة الدولة. وقد بدأ أنصاره في تمرد حملة واسعة، لاستقطاب حشد كبير لترشيحه، تحت شعار «كمل جمايلك»، وفي حالة ترشح أي مدني لهذا الموقع، فلن يكون له أي نصيب، إذا ترشّح الفريق السيسي، الذي سيكون وصوله لرئاسة الدولة أمراً محسوماً. أما إذا اعتذر عن عدم الترشيح، فإن من يتسلم رئاسة الجمهورية، لن يكون أفضل حظاً من الرئيس السابق. سوف يواجه الرئيس الجديد مصاعب اقتصادية كبيرة، وانهياراً أمنياً وأزمات سياسية، لأن الشعب لن يقبل بأقل من تنفيذ أجنداتها كاملة.

مخرج مصر من الأزمة، يقتضي أن توضع المؤسسة العسكرية في المقدمة، ولا يمكن الاختباء خلف رئيس لا يملك سلطة حقيقية.

إقرأ أيضا لـ "يوسف مكي "

العدد 4052 - الخميس 10 أكتوبر 2013م الموافق 05 ذي الحجة 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 4:18 ص

      إغتيال أو تفجير أو قتل كلها إعتداءات ويقال لها جريمه

      إحتياجات ومطالبات ومتطلبات بدون شروط لكن يشترط أن يكون العامل أو الموظف في دولة القانون وحكم الدستور مهما علا منصبه أو تعليمه أن يكون متواضعا صادقا وأمينا ومخلصا لعمله كما للمجتمع ككل وليس لبعض من عناصر أو أجزاء من المجتمع. وهنا عليه أن يرضى ويقبل بالمحاسبه والمسائله عند ما تكون أخطاء جسيمه كالاعتداء مثلا أو المساهمه في الإضرار بالمجتمع سوى بالبيئه أو بالطبيعه. فمن الإعتداءات ردم البحر كما قتل الزرع فما بالك بقتل الناس. هنا خطاء أوجريمه أقرب أن يقال لها؟

    • زائر 3 | 4:12 ص

      رب ارجعوني................................

      الجيش المصري العظيم هو من سيحول مصر الدولة الفاطمية إلى عهدها الأزهر ، بالرغم من أصابع الغدر الأميركية التي ستزرع الاقتتال الطائفي في مصر وحدودها الفلسطيني للأسف الشديد ، أولئك القادة الصهيوفلسطين الذين وجهوا بالأمس خناجرهم الغادرة نحو الأسد ومازالوا ، واليوم هم من سينفذون أمر فوضى مصر ، والأيام قادمة حبلى بالعجائب.

    • زائر 2 | 2:36 ص

      سياسة إقتصاد أو إقتصاد سياسي وعالم متدهور إقتصاده

      ليس بسر أنهم قال سياسة صهاينه يعني تجاره وكما يقال التجاره شطاره لكن كيف يكون من التجار فجار قال جحا غناهم فاحش. هذا يعني كل شيء مربوط بقانون الزيادة والنقصان. وكما يقال ما زاد عن حده إنقلب ضده! كم يقال الزائد كما الناقص. هنا يبدوا واضحاً وجلياً أن الغرب عدهم نقص عقول ويستخدمون عقول مهاجره من البلدان المستعمره. وكما قال الراوي أن من الناس عيونها مفتوحه لا كنها لا ترى إلا المال والأعمال وحتى لو كان ذلك على حساب الأخلاق والقيم.فهل يمكن أحد يقول أن القوم يعقلون أو لا يعقلون؟ إقتصاد وإسراف كيف

    • زائر 1 | 11:51 م

      العسكر شر لا بد منه

      لا حبا في السيسي ولا بغضا لمرسي ولكن مصر منذ استقلالها يحكمها العسكر فلا الديموقراطية تفيدهم ولا صناديق الاقتراع تحل مشاكلها فمصر بلد عوامل التفرق فيها اكثر من الانسجام ولا يجمع المتناقضين سوى القوة وحتى يخرج من بينهم شخصية كرزمية فلكل حادث حديث.

اقرأ ايضاً