العدد 4059 - الخميس 17 أكتوبر 2013م الموافق 12 ذي الحجة 1434هـ

الإسلام والديمقراطية لا يتعارضان في تونس

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

(رئيس مركز دراسة الإسلام والديمقراطية. والمقال ينشر بالاتفاق مع خدمة «كومون غراوند»)

كانت انتخابات 23 أكتوبر/ تشرين الأول في تونس مهمة وتاريخية مثل الثورة نفسها. رأيت بأم عيني جماعات من الناس تبكي فرحاً وفخراً وهي تصوّت حول قرار من سيمثلها في المجلس الوطني التأسيسي، وهم يشعرون بكرامة المشاركة في انتخاباتٍ للمرة الأولى في حياتهم كمواطنين أحرار بحق. كانت هناك أمة حرة تولد من جديد.

واليوم، يعمل التونسيون على التفاوض على علاقةٍ بين الدين والسياسة، وهي قضية أصبحت أكثر إلحاحاً بعد أن استخدم المتطرفون على الجانبين، علمانيون وإسلاميون، حرياتهم الديمقراطية التي حصلوا عليها مؤخراً، للدفع باتجاه وجهات نظر أكثر تطرفاً. إلا أن الحلول الوسطى ووضع أولويات لاهتمامات الأمة هي مكونات أساسية لتحول ناجح إلى الديمقراطية، ويجب أن يأخذ هذا الأولوية على الشجار الحزبي.

ومما لا يثير الاستغراب أن حزب النهضة، وهو حزب إسلامي يركز على الديمقراطية وحقوق الإنسان، فاز بتعددية 41% من الأصوات، و89 مقعداً في المجلس الوطني التأسيسي. وحصلت أربعة أحزاب علمانية لا تنادي بدور للدين في الحكومة على نتائج جيدة، وهي، «المؤتمر من أجل الجمهورية» و»العريضة» والشعبية و»التكتل» و»الحزب الديمقراطي التقدمي».

وحصلت ثلاثة أحزاب علمانية، هي «القطب الديمقراطي الحداثي» و»أفق تونس» و»حزب العمال الشيوعي»، على نتائج ضعيفة، لأنها ظهرت بشكل رئيسي على أنها معادية للإسلاميين والدين. فمن خلال دفاعها عن فيلم عنوانه «لا إله ولا سيد» الذي يعتقد الكثيرون أنه يشجع على الإلحاد، وآخر يُظهر الله بصورة كاريكاتورية واسمه «بيرسوبوليس»، على أساس الدفاع عن حرية التعبير، ظهرت هذه الأحزاب وقادتها شاذةً عن المشاعر الدينية لغالبية التونسيين. وقد تبنى حتى الحزب الديمقراطي التقدمي هذا الموقف، وشاهد شعبيته تنخفض من حوالي 20% في فبراير/ شباط إلى مجرد 6% في أكتوبر.

ظهر حزب النهضة في النهاية على أنه الحزب السياسي الرئيسي في تونس. بعد ثلاثين سنة من إفشاله بشكل ممنهج، تم الاعتراف به أخيراً كحزب سياسي في فبراير 2011. والأهم من ذلك أنه نجح في تصوير نفسه على أنه متجذر في القيم الإسلامية ولكنه ملتزم في الوقت نفسه وبعمق بالديمقراطية وحقوق الإنسان والكرامة للجميع.

لا يرى التونسيون تناقضاً بين الإسلام والديمقراطية، أو الإسلام والحداثة، وهم لا يريدون الاختيار بين الاثنين. يريدون أن يكونوا مسلمين وعصريين في الوقت نفسه، وقد وفّر لهم حزب النهضة منبراً يعدهم بذلك بالضبط. في مقابلة مع «رويترز» نشرت يوم 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 2011، قال ، رئيس ومؤسس حزب النهضة راشد الغنوشي: «نحن ضد محاولة فرض أسلوب حياة معين. اتفقت جميع الأحزاب على الحفاظ على المادة الأولى من الدستور الحالي، التي تنص على أن لغة تونس هي العربية ودينها الإسلام. هذا مجرد وصف للواقع، وليس له أي معانٍ ضمنية قانونية. لن تكون هناك إشارات أخرى للدين في الدستور. نريد توفير الحرية للدولة كلها».

هذا بالضبط هو ما تريد غالبية التونسيين سماعه. لم يقوموا بإسقاط دكتاتورية علمانية لاستبدالها بدكتاتورية دينية أو ثيوقراطية. لا يريدون الدولة أن تتدخل في الممارسات الدينية أو تعزّزها. يجب أن يكون الدين قضيةً وخياراً شخصياً، ويتوجب على الدولة احترام وحماية الحريات الفردية وحرية جميع المواطنين. فهل يستطيع حزب النهضة إذن النجاح في قيادة تونس نحو ديمقراطية حقيقية وصادقة وعادلة ومستدامة؟ إذا استطاع الحزب محاكاة النموذج التركي في تونس كما وعد أن يفعل، أعتقد أنه سيكون ناجحاً وسوف تزداد شعبيته.

ورغم أن الدستور لن ينص على أن تونس دولة علمانية، حيث أن موضوع العلمانية خلافي بشكل عميق في تونس وفي أنحاء العالم العربي، إلا أنه من الواضح كذلك أن التونسيين يريدون دولة مدنية وديمقراطية.

سوف تستمر قضية العلاقة بين الدين والسياسة بأن تكون موضوع جدل لسنوات عديدة، بل ولقرون عديدة. وهي مازالت موضوع جدل اليوم في أوروبا والولايات المتحدة. إلا أن التحدي الرئيسي لجميع التونسيين اليوم هو البقاء مركّزين على ما يوحدّهم بدلاً من ما يفرقهم.

ما يجب على الدستور التونسي الجديد أن يفعله هو أن يقدّس مبادئ حقوق الإنسان والحريات الدينية والعدالة والمساواة أمام القانون، إضافةً إلى حقوق المرأة والأقليات. وتماماً مثلما تمكنت تركيا من دمج القيم الإسلامية والديمقراطية وبناء دولة حديثة ناجحة في العالم المسلم، تستطيع تونس كذلك قيادة العالم العربي نحو مصالحة القيم والمبادئ الإسلامية مع الحداثة والحرية والديمقراطية.

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 4059 - الخميس 17 أكتوبر 2013م الموافق 12 ذي الحجة 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً