العدد 4072 - الأربعاء 30 أكتوبر 2013م الموافق 25 ذي الحجة 1434هـ

التجسس ممارسة مذمومة خلقياً

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

تسبب المحلل السابق المتعاقد مع وكالة الأمن القومي الأميركية سنودن اللاجئ حالياً في موسكو، في عاصفة كونية انطلقت وتتوسع دوائرها كل يوم وذلك عندما كشف عن برنامج مشترك لوكالة الأمن القومي الأميركية ووكالة المخابرات المركزية الأميركية، بالحصول على معلومات بدءاً من الشخصيات القيادية في عشرات الدول ومنها الحليفة لأميركا ولغاية ملايين المواطنين، وتتضمن الدوائر الحكومية والشركات والأفراد، وذلك عبر التجسس على هواتفهم وكمبيوتراتهم.

وإلى جانب عملاء الوكالتين المخابراتيين، فقد تم توظيف وزارة الخارجية وغيرها من الوزارات الأميركية للحصول على أرقام هواتف كبار الشخصيات، واستخدام مزودي خدمات الكمبيوتر مثل غوغل وياهو وهوتميل وغيرها للنفاذ إلى زبائنهم بالملايين. واستخدمت السفارات الأميركية في هذه البلدان لاعتراض المكالمات الهاتفية والفضاء الإلكتروني.

وأجرت الدول الغربية وفي مقدمتها ألمانيا والتي ثبت التجسس على المكالمات الهاتفية لمستشارتها أنجيلا ميركل، للتحقق من ذلك وحصلت على وقائع كافية تؤكد ذلك. كما أن كبريات الصحف الغربية مثل «لوموند» و«واشنطن بوست» و«الغارديان» و«ديرشبيغل»، نشرت تفاصيل عما كشف عنه سنودن، بحيث أضحت القضية خارج سراديب الدبلوماسية، مفتوحةً أمام الرأي العام.

الاتحاد الأوروبي بدوله المستهدفة، تحرك وأدان هذه الممارسات، مطالباً واشنطن بتفسيرات مقنعة. وبالفعل عمد الرئيس أوباما للاتصال بالمستشارة ميركل وطمأنها بعدم التجسس عليها لكن ذلك لم يكن مقنعاً. وتكرّر الأمر مع رئيس وزراء فرنسا (هولاند). لذلك عقد أعضاء الاتحاد الأوروبي قمةً خصصت لبحث التجسس الأميركي عليهم، وقرّروا إرسال وفد برلماني من شعبة الحقوق المدنية للذهاب إلى واشنطن للقاء كبار المسئولين في البيت الأبيض والخارجية ووكالة الأمن القومي وغيرها، والرجوع بتقرير إلى البرلمان الأوروبي ليتخذ ما يراه في جلسة طارئة. وهكذا تحرك الاتحاد الأوروبي، باعتبار ذلك إضراراً بمصالح الشعوب وليس الحكومات فقط. أما ألمانيا فترسل وفداً رفيع المستوى إلى واشنطن لإجراء تحقيق في تجسس أميركا على حليفتها ألمانيا. وفي البرازيل والتي كانت من بين المستهدفين بالتجسس بمن في ذلك رئيسة الجمهورية رسييف، فقد ألغت زيارة رسمية إلى واشنطن، وبدلاً من ذلك شكّلت وفداً رفيع المستوى للتحقيق.

أما المحير فهو سكوت كلٍّ من روسيا والصين المستهدفتين أيضاً. والأمر الغامض هو ما لمحت إليه صحيفة الـ «واشنطن بوست» من تعاون الموساد مع الوكالتين الاستخباريتيين الأميركيتين في هذه العملية الدولية التي لا سابق لها في عمليات التجسس. فأميركا دولة ديمقراطية، لكن ذلك لا يعني أنها دولة أخلاقية، لذلك شنت حروباً مدمرة، ودبّرت انقلابات دموية ضد حكومات ديمقراطية منتخبة شعبياً كما حكومة محمد مصدق في إيران، وحكومة اللندى في تشيلي... والقائمة تطول.

كما أن سطوة وكالة المخابرات المركزية وأكثر من عشر وكالات استخباراتية أميركية في صنع السياسة الأميركية لا يحتاج إلى إثبات. وقد جاء حدث الحادي عشر من سبتمبر 2001 بالهجوم الإرهابي المزدوج ضد نيويورك وواشنطن، ليطلق التجسس الأميركي من عقاله داخل أميركا وخارجها، وشرع ذلك بموجب «باتريوتك أكت» والذي لم يلغَ حتى الآن، رغم مرور اثنتي عشرة سنة على الحدث وانتفاء الحاجة الموضوعية له.

نعم، أميركا تتجسس على أعدائها وحلفائها وما بين بين، وكبار المسئولين الأميركيين في المخابرات، لا يترددون في الكشف عن ذلك بعد تقاعدهم، بل إن ملايين البرقيات التي كشف عنها آسانج، المحاصر في سفارة الإكوادور في لندن، من خلال موقع «ويكيليكس» وما كشف عنه سنودن مؤخراً يؤكد ذلك. بل إن الثقافة الأميركية، كما يعبّر عنها في أفلام هوليوود، تمجّد أبطال التجسس وعمليات وكالة المخابرات المركزية، وتلقى إقبالاً شديداً. ويطلق الأميركيون اختصاراً عليها «الوكالة»، ويعبّر العاملون فيها عن فخرهم بالانتماء إلى الوكالة التي تحمي أميركا.

هذا أمرٌ مفهوم، كما أن ردة فعل حلفاء أميركا خصوصاً الاتحاد الأوروبي وأميركا اللاتينية مفهوم أيضاً، حيث هم مصممون على مواجهة ذلك ووضع حد له، وإن كان ذلك مستحيلاً لكنهم عبّروا عن إرادة سياسية لمواجهة أميركا. وتعكف ألمانيا والبرازيل على التقدم إلى الأمم المتحدة بمشروع قرار يدين ويجرّم التجسّس من قبل دولةٍ ضد مواطني الدولة الأخرى، وقد يتطور الأمر إلى اتفاقية دولية للأمم المتحدة.

هذا شيء، وتبجح الدول الاستبدادية بذلك وتصويرها أن أميركا ليست دولة ديمقراطية، وأن ذلك يدلل على تآمر أميركا الشريرة ضد بقية العالم الخّير شيء آخر. نعم، فمن كان بيته من زجاج فلا يرمي الآخرين بالحجارة. والدول العربية، بما فيها بلادنا، تخرق كل يوم خصوصية المواطن، خصوصاً المعارض أو الناشط الحقوقي منذ عقود وخلافاً لقوانينها. والأنكى أنها تستخدم المعلومات التي تحصل عليها بالتجسس اللاشرعي، كأدلة لإدانة الخصوم السياسيين والنشطاء الحقوقيين أمام المحاكم. وقد وصل الأمر إلى تصوير أحد القياديين الحقوقيين خلسةً في غرفة نومه، وابتزازه بنشر ذلك، إن لم يتراجع عن مواقفه ودوره المشرّف. لذلك على أبواق الفتنة أن تصمت، ولا تحاضرنا في الفضيلة.

نعم، نستنكر التجسّس الأميركي حتماً، ولكن لنبدأ بأنفسنا، بتفكيك شبكات التجسّس على المواطنين وقوى المعارضة والنشطاء الحقوقيين ومنظماتهم. ولنُعِد للدستور وللقانون احترامهما، حيث ينصّ الدستور في الباب الثالث، الحقوق والواجبات، في المادة (25) على حرمة المنازل، والمادة (26) على حرمة المراسلات والاتصالات، والتي تُنتهك كل يوم.

لقد كشفت منظمة مراقبة البحرين (Bahrain Watch) عن عمليات التجسس على مكالمات المواطنين وكمبيوتراتهم، بالاستعانة بشركات بريطانية وألمانية. وبالفعل فقد نوقش دور شركة «سايمنز» الألمانية في ذلك في البرلمان الأوروبي، ويخضع فرع الشركة في سويسرا لتحقيق قضائي. لهذا قرّرت منظمة الشفافية الدولية عدم قبول أية رعاية من شركة سايمنز، وحرمت على أعضائها ومنهم «الجمعية البحرينية للشفافية»، التعامل معها، وهو ما أفهمناه لوفد من الشركة التقيناه في البحرين في 2010.

قال تعالى «ولا تجسّسوا»، وقضية المرأة التي حاججت الخليفة الثاني عمر بن الخطاب (رض) عندما خرق خصوصية منزلها رغم ما كانت تمارسه من فعل شائن معروفة، وقال قولته المشهورة «أصابت امرأة وأخطأ عمر».

نحن لا نطالبكم بالاعتذار عمّا تمارسونه من انتهاكات فاضحة لحقوقنا، ومنها عمليات التجسّس التي نقع جميعاً ضحاياها، ولكن نطالبكم بما تطالبون به أميركا: أوقفوا التجسس على البشر!

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 4072 - الأربعاء 30 أكتوبر 2013م الموافق 25 ذي الحجة 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 11:52 ص

      المشكلة في العالم هي مشكلة أخلاقية.... الكل يتحرك وفق مصالح خاصة

      فالدول الغربية تحركها المصالح ... والاخلاق لا وجود لها.
      اما الدول عدنا ليس فقط لا أخلاق لها وانما هي دول شياطين بل أسوأ من شياطين لماذا؟؟ لا نهم يماسون الاجرام باسم الدين باسم العداله باسم الديمقراطية باسم حقوق الانسان. فأهم اسوأ من مفايا ومن عصابات أجرامية. الله يعينا عليهم.

    • زائر 4 | 8:09 ص

      المصيبة !!

      صدقت ولكن المصيبة الاكبر هي خيانة مواطنيين لبلدهم .

    • زائر 3 | 6:14 ص

      التجسس والتجنيس قد لا يقال إستيطان فيها!

      قد لا يقال من الأمراض لكن حمى الإرهاب أو إرتفاع درجة حرارة جسم الكره الأرضيه بسبب جنون رأسمال أو رأسماليه فاشيه أو إخوانيه! أسباب فساد الأخلاق المكتسبات والكسب غير الحلال، وهذا أو هذه من الحقائق البارزه في الإقتصاديات التبذيريه والمبنيه على الرفاهيه. يعني إثنان أو جماعه مرفهه بينما الشعب يعيش رجعيه إستهلاكيه لا تقدم للناس العلم بينما تستورد العيش للناس لكي يأكلوا ويشروا ويتمتعون حتى حين. قال قرعويه أما حان موعد رحيل الأمريكان؟

    • زائر 2 | 3:56 ص

      الاسلام وين واحنا والقيم وين واحنا وين

      ما نراه على ارض الواقع يدلّل على ان القيم الدينية والاخلاقية والانسانية لا وجود لها بل احدهم كان يحقق مع احد المتهمين فبلغ به الحال ان كتب لفظ الجلالة ووضعه داخل الدرج يقصد من ذلك (ان هذا ربّك وضعناه داخل الدرج) استغفر الله من هكذا حال بلغ بالناس التطاول على ربّ العباد

اقرأ ايضاً