العدد 4080 - الخميس 07 نوفمبر 2013م الموافق 03 محرم 1435هـ

سلامة المريض بين أولويات الرعاية الصحية ومخرجات برامج الجودة

محمد حسين أمان

طبيب ومدرس إكلينكي، باحث في طب الطوارئ

من بين العلوم المستحدثة نسبيّاً في مجال الرعاية الصحية، تبرز سلامة المريض كإحدى المنطلقات والغاية الأهم في رعاية المريض، ويعرف على أنه ذلك النطاق من الرعاية الصحية الذي يتبنى تعزيز وتقرير وتحليل ومنع حدوث الخطأ الطبي المفضي إلى عوارض صحية غير محبذة.

لقد بقي الحجم الحقيقي لمعدل حدوث الآثار الصحية غير المحبذة والتي من الممكن تلافيها رقماً غير معروف وظاهرة طي الكتمان حتى السنوات الأولى من التسعينات عندما بادرت دول عديدة وكشفت عن مرضى تضرروا وفارقوا الحياة نتيجة أخطاء طبية، لذلك واستشعاراً من منظمة الصحة العالمية بأن واحداً من كل عشرة مرضى يقعون عرضة لأخطاء الرعاية الصحية، دعت تلك المنظمة إلى اعتبار مبدأ سلامة المريض وباء وهاجساً صحيّاً ينظر له بعين الحيطة وأقصى درجات الحذر والمسئولية في التعامل والوقاية.

في الحقيقة يبقى نطاق سلامة المريض من العلوم المرتبط مباشرة برعاية المريض كما أنه من العلوم الناشئة التي تبقى في طور تكوين منظومة هيكلية لبناء تخصص قائم بذاته تدعمه باكورة من البحوث العلمية تكوِّن قصب السبق لتعلمنا الكثير في سبيل رعاية وسلامة مرضانا.

إن الناتج المعرفي من كل ذلك سيبقى دوماً الرافد والمستمر في إلهام وقيادة وديمومة مبادرات ومشاريع التحسين والجودة في القطاع الصحي والجهود الأخرى كافة ذات العلاقة، من ذلك على سبيل المثال، تطبيق الدروس المستفادة من تجارب الآخرين، وتبني تقنيات إبداعية، وتعليم وتدريب أقطاب الخدمة الصحية، وتدعيم أنظمة الابلاغ عن الأخطاء الطبية، واستحداث حوافز اقتصادية عديدة.

منذ عقود مضت، توصل أبوقراط الى أن الأطباء في دورهم العلاجي من الممكن والطبيعي بمكان أن ينتج عما يقومون به ضرر محتمل قد يكون كامناً أو ظاهراً. لقد وضع المعالجون الاغريق، في القرن الرابع قبل الميلاد، قسم أبوقراط الذي ينص على أنني طبيب و معالجاً «أصف الدواء أو العلاج لشفاء مرضاي اعتماداً على مقدرتي وحكمتي وأبداً لا أؤذي أحداً» ومنذ ذلك بقيت «أولًا لاتؤذي أحداً» المفهوم الجوهرى في الممارسة الطبية والمهن العلاجية.

أنت إنسان، إذاً أنت تخطىء

في العام 1990 كشف تقرير بعنوان: «الانسان يخطىء: بناء نظام صحي أكثر أمناً» صادر عن معهد الطب التابع للأكاديمية الوطنية للعلوم في الولايات المتحدة الأميركية، كشف ذلك التقرير بمجرد صدوره عن حقائق وأرقام مخيفة عكست حجم مشكلة الأخطاء الطبية وتداعياتها على النظام الصحي، وهو ما حدا بالرئيس الأميركي آنذاك بيل كلينتون إلى دعوة حكومته لبحث جدوى وامكانية تطبيق توصيات ذلك التقرير والتي من ضمنها، تأسيس مركز لسلامة المرضى واستحداث برامج للغرض ذاته في منشآت الرعاية الصحية، وقد انتهجت دول أخرى النهج ذاته بعد توافر قدر كبير من الاحصاءات الصحية والدلائل التي تشير بما لايدع مجالاً للشك إلى ما قد يتعرض له المريض من ضرر جراء تدخلات علاجية معينة، على سبيل المثال لا الحصر نذكر ما يأتي:

- بعد مضى أكثر من عشر سنوات على الدراسة الاسترالية الرائجة والتي أظهرت أن هناك نحو ثمانية عشر ألف حالة وفاة سنوياً نتيجة لأخطاء طبية، قام البروفيسور بيل رونسىمان، وهو أحد معدي تلك الدراسة ورئيس الجمعية الأسترالية لسلامة المرضى منذ تأسيسها العام 1989، قام بالابلاغ عن خطأ طبي تعرض له شخصياً في تقدير جرعة علاج غير مناسبة.

- في شهر يونيو/ حزيران من عام 2000 قدرت مجموعة الخبراء التابعة لدائرة الصحة فى المملكة المتحدة، أن هناك ما مجموعه ثماني مائة وخمسين ألف حالة خطأ طبي سنوياً وقعت في مستشفيات تحت مظلة الخدمات الصحية الوطنية، وأنه في المتوسط حوالي أربعين حالة كانت سبباً مباشراً للوفاة سنوياً في كل مؤسسة صحية تابعة لـ «ان اش اس».

- خلال العام 2004، وجدت دراسة كندية للآثار غير المحبذة، حدوث تلك الآثار لدى أكثر من سبعة في المئة بين المرضى المدخلين في المستشفى، وبينت كذلك أن من تسعة آلاف إلى أربعة وعشرين ألف مريض كندي يموتون سنوياً نتيجة أخطاء طبية من الممكن تلافيها.

- تلك وتقارير أخرى من تيوزلاندا والدنمارك ودول نامية أخرى دعت منظمة الصحة العالمية لتقدير أن واحداً من بين كل عشرة أشخاص ممن يتلقون الخدمة الصحية سيكون عرضة لخطأ طبي كان بالمكان تلافيه في المقام الأول.

مسببات الخطأ الطبي

يعرف الخطأ الطبي في أبسط صوره على أنه أثر سيئ أو غير محبذ من الممكن وناتج عن تقديم رعاية صحية، وسواء كان ذلك الأثر ظاهراً أو مضراً للمريض أو لم يكن، وقد وجد عند تحليل وتقييم ما حدث من أخطاء طبية في السابق أن في الاجمال هناك عوامل ثلاثة تنفرد أو تجتمع معا لتنتج الخطأ وهي كالتالى:

- العامل البشري، المتمثل في التباين في مستوى الترتيب وكفاءة الخبرة وتحمل الضغط والإجهاد لدى مقدمي الخدمة الصحية.

- خليط المرضى المتشعب ومحدوية الوقت.

- عدم معرفة وسوء تقدير وجود وفداحة الأخطاء الطبية.

- طبيعة المجال الطبي المعقدة، حيث التقنيات الصحية المتطورة جدّاً و ونوعية الأدوية الفاعلة كما ونوعا.

- اخفاق المنظومة الإدارية، المتحصل من الافتقار إلى وجود نظام اتصال وتواصل فعال وعدم وضوح وتباين المهام الوظيفية والمسئولية للكادر الصحي من أطباء وممرضين وغيرهم، وكذلك من فشل البنية التحتية للكثير من مرافق الرعاية الصحية، حيث انه وبحسب منظمة الصحة العالمية ان هناك ما يقارب خمسين في المئة من الأجهزة الطبية لا تستخدم إلا جزئياً، اما بسبب نقص الكوادر المؤهلة أو لنقص قطع الغيار لدى الدول النامية مما يعود سلباً ويفضي لتقديم رعاية صحية قاصرة ودون المستوى المتوقع.

ينطوي كذلك تحت ما سبق في تسبيب وحدوث الخطأ الطبي، شيوع مبادرات خفض التكلفة لدى المستشفيات والاعتماد الشبه كلي على الأنظمة الآلية لمنع الأخطاء، وعدم الأخذ في الاعتبار مبدأ سلامة المريض عند تخطيط وتصميم مرافق الرعاية الصحية وخاصة أقسام الطوارىء والحالات الحرجة.

مبادرات لسلامة المريض ورعايته

هناك قواسم مشتركة وتقارب كبير في ثقافة السلامة بين الحقل الطبي ومجال الطيران، ذلك التشابه مرده إلى ان الطيارين والأطباء يزاولون أعمالهم في بيئة معقدة تقنياً ومهنياً وتحت ضغط نفسىي كبير لحماية أرواح الناس، وسنتناول باسهاب فى مقال قادم مبادرات تعتني بسلامة المريض وتتبنى اخراج برامج جودة تضمن رعاية صحية سليمة وأمنة.

إقرأ أيضا لـ "محمد حسين أمان"

العدد 4080 - الخميس 07 نوفمبر 2013م الموافق 03 محرم 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً