العدد 4089 - السبت 16 نوفمبر 2013م الموافق 12 محرم 1435هـ

دعمًا لتعلّم مادةِ الخطّ

فاضل حبيب comments [at] alwasatnews.com

.

أُتيحت لي الفرصة في ذكرى موسم عاشوراء هذا العام أن ألتقي ببعض الخطاطين البحرينيين بمقر جمعية المرسم الحسيني للفنون الإسلامية في العاصمة المنامة.

وسرَّني كثيراً وجود طالب مجتهد أعرفه جيداً، اسمه حسين الصفار، وهو الفائز بالمركز الأول في مسابقة الخط العربي على مستوى المدارس الثانوية بالعام الدراسي الماضي 2012/2013، وقد خطّ لوحة جميلة كُتبت عليها الآية القرآنية «الله نور السماوات والأرض».

ذكَّرني الخطاط حسين الصفار بفترة صباي، حينما كان والدي رحمه الله يأخذ بيدي عصراً إلى الخطاط الخلوق عبدالله بهلول، الذي كان لديه محلٌ قرب جامع المهزع بالمنامة سابقاً (جامع المغفور له الشيخ علي بن خليفة آل خليفة حالياً)، والحق يُقال بأنني تعلّمت عنده أساسيات فن الخط العربي.

في الثمانينيات، لمّا كنّا طلاباً بالمرحلة الإعدادية كانت هناك كرّاسة مادة الخط العربي ويخصص لها حصة واحدة في الأسبوع ضمن مقررات اللغة العربية، وتُمنح علامتان أو خمس (لا أذكر تحديداً) في الامتحان لكتابة سطر واحد بخط معين، ونادراً ما كان المعلمون يولون هذه الحصة الاهتمام اللازم، هذا فضلاً عن أن من كان يقوم بتدريس هذه الكراسة لا علاقة له بهذا الفن على الإطلاق!

يعاني الكثيرون من المعلمين الأفاضل وأولياء الأمور من تدنّي مستويات خطوط الطلبة في اللغتين العربية والإنجليزية، ما يحتّم علينا كمهتمين بالشأن التعليمي لفت أنظار المسئولين في وزارة التربية والتعليم إلى إيجاد الحلول العلمية المناسبة التي تساهم في الارتقاء بهذا الفن وتدريسه على مستوى احترافي، من خلال إعداد وتأهيل معلمين من ذوي الخبرة والكفاءة في مجال تدريس أصول وقواعد الخط.

يمكن القول، أنه وعلى رغم وجود أنواع كثيرة ومتنوعة من الخطوط في برامج الكمبيوتر، إلا أن للخط العربي جماليته وأهميته في فهم المقروء وتوضيح الفكرة، والارتياح النفسي عند مشاهدة الخط الجميل، وتيسير القراءة وتوفير الوقت على القارئ خصوصاً بالنسبة للمعلمين والمعلمات عند التصحيح فترة الامتحانات، وما قد يواجهونه من صعوبات في قراءة بعض الخطوط التي هي عبارة عن طلاسم وألغاز. كما يعدّ الخط العربي بمثابة المفتاح لتنمية المثل والقيم الأخلاقية لدى المتعلمين عندما يخطون الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة أو المقولات الشعرية والمأثورات ذات العلاقة بالنظافة الشخصية ونظافة البيئة المدرسية وحقوق المعلمين واحترام الآخرين والالتزام بالأنظمة والقوانين واللوائح المدرسية وغير ذلك.

وللخط العربي علاقة وثيقة بغيره من المواد الأخرى كالرسم والإملاء والتعبير عن الأفكار، وما أروع الخطاط عندما يكون مثقفاً، وهذا ما ذكره لي أحد الخطاطين البحرينيين المثقفين بأن جرت العادة أن يبدأ الخطاط الكتابة من الأعلى إلى الأسفل، ولكن أن يلجأ إلى العكس فذاك يثير الاستغراب كما في قوله تعالى «ولا تَمْشِ في الأَرضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرضَ ولن تَبلُغَ الجبالَ طُولاً» (سورة الإسراء، 37)، ليؤكد على مفهوم التراتبية في فهم الحياة والكون، فاللوحة تبدأ من لفظ «الأرض» وتنتهي عند «الجبال طولاً»، أو عندما يكتب الخطاط كلمة (لا شرقية) جهة الشرق من اللوحة، وكلمة (لا غربية) جهة الغرب من اللوحة بنفَسِ يكون أقرب إلى المفسّر القرآني كما في قوله تعالى: «كأَنَّها كوكبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ من شجرةٍ مُّباركةٍ زَيتُونةٍ لاَّ شرقيَّةٍ ولا غربِيَّةٍ...» (سورة النور، 35).

أظهرت نتائج بعض الدراسات التي أُجريت في مجال تنمية مهارة الخط العربي بأن الضعف في مهارات الخط قد يترتب عليه ضعف في مهارات اللغة، ووجود تفاوت بين أنواع الأخطاء الرئيسية الثلاثة لدى الطلبة (الأخطاء المتعلقة بشكل الحرف والمتعلقة بشكل الكلمة والمتعلقة بمظهر الخط العام).

هذا، وقد أشارت دراسة أعدها كل من (Medwell. J & Wray,D) في بريطانيا في العام 2007 إلى أن منزلة الخط اليدوي في إنجلترا أخذت مكانة متدنية في السنوات الأخيرة وذلك في تعليم القراءة والكتابة؛ لأنها لم تنل إلا القليل من اهتمام المعلمين وصنّاع السياسة والباحثين التربويين.

ويضيف الكاتبان بأنه حان الوقت لتقييم أهمية الخط اليدوي في تعليم القراءة والكتابة؛ لأن الخط اليدوي مهم في فتح دروب جديدة للبحث والمساهمة في التقدم القرائي بشكل خاص، وله دور مهم في التكامل مع الإملاء، وربما له دور رئيسي في إعداد كتّاب المستقبل من الشباب الذين بدورهم سيؤثرون تأثيراً إيجابياً على العديد من الأولاد الذين يتعلمون الخط اليدوي.

كما كشفت نتائج المسح في دراسة (Graham, S et al) في العام 2008 التي كانت تهدف إلى التعرف على واقع تدريس المعلمين للخط اليدوي في المدارس الأميركية، عن أن 90 في المئة من كليات تعليم معلمي المدارس الابتدائية الأميركية لم تعمل على تهيئتهم بشكلٍ كافٍ لتدريس الخط اليدوي، ولم تزوّدهم بمعلومات كافية عن هذا الفن، هذا بالإضافة إلى عدم منحهم وقتاً كافياً لتعليم الطباعة، حيث يقضي المعلم 15 دقيقة في التعليم باستخدام الكتابة من أصل 45 دقيقة، والكتب المدرسية لا تعطي معلومات عن المطبوع، هذا فضلاً عن عدم اهتمام الجامعات بذلك، وكذا اعتماد المعلمين على التقييم غير القياسي المتناقض، علماً أن 100 في المئة من المعلمين الذي شاركوا في الدراسة أشاروا إلى وجوب تعليم الطباعة بشكل منفصل.

ومما يؤسف له أن مدارسنا لا تقوم حالياً بتدريس فن الخط العربي، كما لا توجد جمعيات أهلية في البحرين ولا معاهد متخصصة في تدريس هذا الفن بشكل مستقل، مثل المعاهد المنتشرة في تركيا والعراق وإيران ومصر وغيرها.

في التراث الإسلامي، نجد اهتماماً بالغاً بالخط لارتباطه بمعرفة طريق الحق، فها هو علي (ع) يقول: «الخط الحسن يزيد الحق وضوحاً». وكان للإمام (ع) دورٌ في تعليم الخط، فقد رُوي أنه قال لعبيد الله بن أبي رافع، وهو أحد الخطاطين في زمانه: «يا عبيد الله أَلِقْ دواتك، وأَطِلْ سِنَّ قلمك، وفَرِّج بين سطورك، وقرمِط حروفك، والزَم الاستواء).

ويُروى أنه (ع) مرَّ ذات يومٍ على رجل يكتب المصاحف، فقال له: «أجلِل قلمك». فقصم منه قصمة ثم كتب، فقال (ع): نعم هكذا، نوِّره كما نوَّره الله.

إقرأ أيضا لـ "فاضل حبيب"

العدد 4089 - السبت 16 نوفمبر 2013م الموافق 12 محرم 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 12:13 ص

      الخط العربي

      اتمنى عمل دورات لخط العربي مهمله الخط العربي في بلادنا

    • زائر 2 | 12:11 ص

      للاسف

      فعلا يجب المحافظه على هذا الفن العربي للاسف لم انال نصيب جيد من الخط وانا بصراحه خطي مثل الطلاسم وخطوات الدجاج هههه.

    • زائر 1 | 10:52 م

      ستيف جوبز و خطبته في جامعة هارفارد

      ذكرتني حين قال ان تعلمه فن الخط في الجامعة جعله يصر على وضع عدة خطوط للغة الانجليزية في برامجه مما جعل مايكروسوفت تضعه ايضا في برنامج الورد. اي لو انه لم يتعلم فن الخط في الجامعة لتغير التاريخ !

اقرأ ايضاً