العدد 4091 - الإثنين 18 نوفمبر 2013م الموافق 14 محرم 1435هـ

القوى الصاعدة

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

تتحدّث وسائل الإعلام العالمي منذ سنوات عن القوى الصاعدة، متمثلةً في دول «البريكس»، ويتحدّث الإعلام الخليجي عن «المد الشيعي»، كنايةً عن القوى الإقليمية الصاعدة في المنطقة.

في الطرف الأول هناك تحليل وقراءة موضوعية للساحة السياسية وما طرأ عليها من تحولات كبيرة؛ وفي الطرف الثاني هناك تشويشٌ وتحريضٌ، دون محاولةٍ لمعرفة ما يجري، كالخائف الذي يحاول خداع نفسه ليهدّئ من روعه.

دول «البريكس» ظلّت تبني نفسها وتطوّر قدراتها الاقتصادية، بينما انشغلت الولايات المتحدة في حروبها ضد الإرهاب، حتى خرجت من المنطقة منهكة. أما إقليمياً، فظللنا نشتم الجيران، ونشكّك في إسلامهم، ونصفهم بالصفويين، بينما انشغلوا ببناء بلادهم اقتصادياً، وتطوير قدراتهم عسكرياً، حتى أقرّ المجتمع الدولي بضرورة الجلوس معهم على طاولة مفاوضات تعترف بحقوقهم ووجودهم.

في مقدمته، يشبّه مؤسس علم الاجتماع العلامة ابن خلدون الدول بالكائن البشري، الذي يمرّ بأطوار الولادة والصبا والشباب والعنفوان انتهاءً بالشيخوخة. كان قد عاصر عدداً من الدول، وخدم بعضها، وتولّى مناصب عليا، وخرج بنظريته الرائدة. ومن آرائه أن الدول تدركها الشيخوخة حين يستبد بها الفساد فتتآكل من الداخل، فتبرز قوى جديدة تحمل حماساً وعنفواناً و«عصبية» وتقشفاً لتصعد وتتسيّد.

حين تفجرت أحداث الربيع العربي، كان ذلك إيذاناً بوصول النظام العربي برمته إلى مرحلة الشيخوخة، وبروز قوى شبابية جديدة تطالب بالتغيير. كانت الأنظمة أعلنت استسلامها وقبولها بشروط «إسرائيل»، التي ما عادت تقبل بمبادرة السلام والاعتراف الجماعي، وأخذت تتنمر أكثر. كان النظام العربي قد وصل مرحلة الإفلاس الحضاري والثقافي الشامل، ولم يعد لديه أي جديد يقدّمه للشعوب. كانت القوى الجديدة تهتم بعلوم الذرة وتخصيب اليورانيوم وأبحاث الطب، وكنا نهتم ببرامج الـ «وناسة» و»عرب آيدول» لاكتشاف المواهب الغنائية لإبرازها دليلاً على تطوّرنا ونهضتنا الكبرى.

كان لدى النظام العربي أكثر من ألف قناة فضائية، أغلبها يهتم بالأغاني والأفلام، وكان مخرجونا يشاهدون برامج الواقع فيعيدون محاكاتها حرفياً، في تقليد أراجوزي ساذج، وكان أكبر «إبداعاتنا» دبلجة الأفلام المكسيكية، وحين فرغنا منها توجّهنا إلى الأفلام التركية، في منحى يدلّل على عمق الفراغ الذي نعيشه. أما الطرف الآخر فلديه 40 قناة، أكثرها ذات برامج سياسية وتعليمية وثقافية هادفة، ليس فيها أغاني «زمان أول»، ولا «أماني وأغاني». أخذوا ينتجون أفلاماً جادة عن التاريخ، بينما توقفنا حتى عن إنتاج أفلام عبلة وعنتر.

اهتموا بتنمية العقل واهتممنا ببرامج الرقص ومسابقات الإبل، ثم نأتي لنحتج: لماذا تحاورونهم؟ ولماذا لا تعلنون الحرب عليهم؟ كأن السياسة الدولية تتحكّم فيها الأحقاد والثارات القبلية التي ورثناها من أيام داحس والغبراء، وليس المصالح وموازين القوى التي تتقلّب مع الليالي والأيام. نسينا أكبر قضايانا، تحرير فلسطين المحتلة منذ خمسة وستين عاماً، وأخذت دولنا تتآمر ضد بعضها بعضاً، كل نظامٍ يكيد لجاره، ويخفي له تحت ثيابه الخنجر! وأصبح بعضهم يقود الثورات في البلدان المجاورة ويمد الحركات الجهادية بالمال والسلاح، ليفرض على غيره «الديمقراطية» و«حرية التعبير» التي لا يؤمن بها من الأساس، ويلقي بشاعرٍ في السجن المؤبد بسبب قصيدة!

حتى شعوبنا قسّمناها، ولحمة مجتمعاتنا مزّقناها، من أجل استمرار حالات الاستبداد والتفرد بالقرار والاستئثار بالمال. ومن لم تفلح معه فتنة «السنة» و«الشيعة»، استخدموا معه لعبة «مسلمين» و«أقباط»، ومن لم تنجح معه حوّلوها إلى شمال وجنوب، وقبائل وميليشيات، كما في مصر واليمن وليبيا والسودان.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 4091 - الإثنين 18 نوفمبر 2013م الموافق 14 محرم 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 24 | 8:09 م

      بلادي

      احسنت سيدنا..ليت قومي يعقلون

    • زائر 22 | 2:43 م

      محرقية

      وانا معك في الراي الدولة الصفوية على حد زعمهم منتجاتها غزة اسواق دول الخليج بينما نحن كدول خليجية لم تغزو منتجاتنا اى دولة عربية او خليجية او اسلامية ... كل اهتمامنا ب..

    • زائر 21 | 11:30 ص

      احترم عقل القارئ !!

      بالرغم من الحصار الاقتصادي ومعاناة الشعب بحسب الواقع فإن العيش بكرامة أجدى من العيش ببحبوحة بذل.....الكرامة كلمة لا يعرفها من يعشق العيش بذل.

    • زائر 20 | 7:26 ص

      القوى الصاعدة والقطب القوي ونظام عالمي جدي وخل البعض يفكر فقط في ...

    • زائر 16 | 2:51 ص

      تسلم اناملك

      موضوع اكثر من رائع ولكن الى من يتعظ سيدنا فآذانهم اذن من طين والاخرى من عجين

    • زائر 15 | 2:46 ص

      ماعتقد

      لا أعتقد بأنه يوجد ذره مقارنه بين دوله تعداد سكانها بالملايين وبدوله يادوب النص مليون ،، والكاتب الكريم سرد لك المقال في أفضل تفصيل لما هو واقعنا الحالي ،، الدوله الصفويه مثلما تحب أن تسميها ويروق لك تسميتها قد وصلت القمر بفضل عقول أبنائها وليس لديها ......ينخرون ويلهثون خيراتها ،، اللهم أحفظنا من كل سوء يارب

    • زائر 14 | 2:18 ص

      رائع

      خوش مقال يعطيك العافية سيدنا

    • زائر 13 | 1:56 ص

      .....

      يقال بالحكومه الإلكترونيه كما يقال بالحكومه الخفيه للعالم أو نادي باريس وهي مجموعه من العوائل التي تعيش في الدول الغنيه على حساب الدول الفقيره – يعني المستعمره. علة أزمة العالم الماليه أو نظام العالم الرأسمالي المؤسس على إستغلال بعض الناس وإستعبادهم بينما أسياد المال ليسوا الا مجموعه كما عصابة علي بابا. فقد كشف العديد من الباحثين الروس ان جماعات الإرهاب ما هي إلا سلاح الإمبرياليه الجديد. أي أنه لنهب البلد كل ما عليهم فعله التعاون مع المخابرات الأمريكيه والمحليه في البلد وزعزعت الأمن فيها.

    • زائر 12 | 1:46 ص

      كل تفكير ينضح بالذى فية

      العقل البشري ذوا طاقة جبارة فيما لو استغل او استخدم بالطريق الصحيحة . نحن ليس عقولنا بقريه او قرديه مقلدة , العقل مخترع ويختزل التجارب ليستفيد منها و يفيد الاخر لتنميه المجتمعات البشريه . النتاج العقلى تتلاقفة الدول التى نظرتها بعيد , اما الدول قصيرة النظر نظرتها لاتتعدى انفها فستقضى عليه انلم يتوائم مع تفكيرها و رغباتها , وتخلق اعذار و مسوغات كما ذكر فى المقال لى النيل من الفكر المبدع و الخلاق . انا اعتقد ان الدول المنتجة و المتحضرة ستحترم انتاج و ختراعات الفكريه التى تنضح بها الدول الاخرى

    • زائر 11 | 1:17 ص

      توصيف دقيق يا سيد

      لم حصل للأمة ما حصل ؟ إنه اتباغ الغي والهوى . لقد حصل للأمة لأنها عبدت شهواتها واتبعت غفلتها .
      وأنى للسائمة أن تفقه لم خلقت ، ولم هي هاهنا في هذا الوجود الرحب . هي تقول بأنه وجدت لتتنعم لتتأمر لتتآمر ، بينما ذلك الطرف الآخر جاء ليعمر الدنيا ، لينير دروب الآخرين فضلا عن دربه ، جاء من وراء رسالة هادفة من ورائها سعادة البشر ليحيوا حياة العدل .

    • زائر 9 | 12:45 ص

      في الصميم

      مقال رائع ومن أفضلها. شكرا

    • زائر 8 | 12:43 ص

      عبد علي البصري

      ان ثورة الحسين بنيت وكبرت وترعرعت ومازالت تحافظ على عنفوانها وعطائها ما بقي الدهر ؟ عكس باقي الثورات والدول كما يدعي ابن خلدون .

    • زائر 5 | 11:09 م

      احترم عقل القارئ

      "ما إقليمياً، فظللنا نشتم الجيران، ونشكّك في إسلامهم، ونصفهم بالصفويين، بينما انشغلوا ببناء بلادهم اقتصادياً، وتطوير قدراتهم عسكرياً، حتى أقرّ المجتمع الدولي بضرورة الجلوس معهم على طاولة مفاوضات تعترف بحقوقهم ووجودهم". عسكرياً صح بس اقتصاديا فانصحك ترجع للمؤشرات الاقتصاديه وتشوف الفرق بين المواطن الخليجي والمواطن الايراني على الرغم من كل الثروات اللي في ايران. مااعتقد في وجه مقارنه لا في الاقتصاد ولا الحريات الدينيه في بلد يدعي الاسلام

    • زائر 18 زائر 5 | 6:08 ص

      على الاقل عندهم

      اكتفاء ذاتي في كل شي من الابره الى الطائره انته جماعتك خبرة في الطائفيه والتفريق بين الناس خبرة في التعذيب والتنكيل والقتل وهدم المساجد انتو اخر من يتكلم عن ايران او غيرها مواطنينكم الشيعه وهم اصل البلد لا تحترمونهم ويتم التمييز ضدهم وتجنيس من هب ودب لتغيير ديمغرافية البلد وهذا مذكور في التقرير المثير

    • زائر 19 زائر 5 | 6:45 ص

      اتفق معاك!!!!!!!!!

      طبعاً أنا اتفق معك وليس مع الكاتب فلا مجال للمقارنة، فدولة تستورد كل شيء من الخارج ولو اغلق المضيق لمات شعبها من الجوع وبين دولة تأكل مما تزرع وتلبس مما تخيط. خلنا على ربعنا وشتايمنا للصفوين اللي يعتمدون على روحهم في كل شيء ونحن نعتمد على الأسيوين حتى في جلب الخبز والبيبسي من البرادة

    • زائر 2 | 9:24 م

      دول البريكس قرارها القادم انشاء صندوق للنقد خاص بها

      كما ذكرت سيدنا كما فعلت أمريكا بالاتحاد السوفيتي وفككته بالحرب الباردة وحرب أفغانستان هاني روسيا تنتقم وتعملها مع أمريكا والموضوع وقت لتحدث انهيارات ستفلس فيها دول مرتبطة بالدولار الذي يطبع دون وجود قيمة احتياطيا له بالذهب ونبشر الجميع عن قرب إنشاء صندوق للنقد خاص بدول البريكس وخل الباقي وسيحدث أن تعلن الإفلاس

    • زائر 1 | 9:17 م

      مقال عجبيب يا سيد

      بارك الله في مقالك
      فعلا لا زال اعلاننا يشير لأي حدث ولو بسيط (تاير بنجر) بأصابع الاتهام لأيران
      محمد ص كان يدعو سلمان الفارسي ب سلمان المحمدي
      ونحن امة مسلمة بالصفوية ! بل حتى رجال الدين ممن يحملون المؤهلات العملية يتنابزون بالألقاب !
      تلك جاهلية عمياء

اقرأ ايضاً