العدد 4105 - الإثنين 02 ديسمبر 2013م الموافق 28 محرم 1435هـ

أفكار ما بعد الحصاد فائدة للعباد

محمد حميد السلمان comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

«ممارسة النقد والمحاسبة هي حماية للشعائر وتنقية لها من كل الشوائب والمشوهات»، هذه الكلمات الأصيلة وردت على لسان السيد عبدالله الغريفي في حديث الجمعة مؤخراً. وهي تؤكّد أن ما يدور من نقاش بين العباد داخل البيت الواحد هو حالة صحية شرط إلا يشوبها إقصاء أو تهميش أو استهزاء بأي مكوّن أو قول لأي فرد أو جماعة تروم للإصلاح الذي ننشده في أنفسنا قبل أن نطالب به الساسة من حولنا.

ولذا فلنعتبر أن كل أهداف الدعوات التصحيحية ساميةٌ ونبيلةٌ، سواءً صدرت من جانب العلماء، أو من ذوي الرأي، أو جاءت من الأقلام الحريصة على دعم مسيرة الملة وتنقية الشوائب من جوانبها لتصبح على الدوام قويةً منيعةً لا يتسرب الوهن ولا الضعف إلي مفاصل حركتها التاريخية. وهذا لعمري هو الذي يساهم في بيان مسيرة آل البيت الكرام كما أوضحها الأئمة الأطهار.

ومتابعة لما بدأنا ونحن في محطته الأخيرة، نحاول أن نبين أصول ما حدث تاريخياً بدل الركون فقط للغو والقيل والقال. ولنعيد إلى الأذهان تتبع مسيرة التاريخ البعيد والقريب لمعظم الحركات الدينية، المذهبية منها بالخصوص، والقادمة من أواسط صحاري آسيا أو تخوم جبالها، وقد حملت في أحشائها جنين إلغاء الآخر وتكفيره، ليس لصراع ثقافي، بل لترسبات طوطمية، ولجهل عند أقوام الجبال والصحاري تلك الذين لم يتم تحضّرهم وسط نفس البيئة في ظل السلطتين الأموية والعباسية. وبالتالي فقد زحفت إلينا، من بلاد «الآريين»، الكثير من الممارسات التي أندست بين المسلمين بشكل عام، من تشويهات وتحريفات، وعادات وطقوس هندوسية من الهند، أو طقوس مغولية، أو سلجوقية، أو تركمانية، وغيرها. ومنها ما تسرب تدريجياً إلى عقيدتنا، سواءً ما أُعتبر منها إيجابياً أم سلبياً، وبرز في مناسبة ذكرى استشهاد الإمام الحسين (ع) السنوية.

ولكم أن تدققوا النظر في أسباب نجاح دعوة «القاعدة» التكفيرية هناك أولاً، ثم كيف صُدرت للعرب ثانياً؛ كما لكم أن تنظروا اليوم من يقاتل في الشام باسم الإسلام ويمثل بالجثث ضمن طقوس دموية، أليس جُلهم من بلاد الشيشان، والباك، ومنغوليا، والترك، والخزر، وغيرها؟

ثم ارجعوا للتاريخ وانظروا من أين خرجت حركة «حسن الصباح» الحشيشية الإرهابية التي عاثت قتلاً وتكفيراً لكل من يقف في طريقها؟ أليست من منطقة «الري» التاريخية وسط آسيا، ثم نجحت في بلاد «الديلم»، حتى كان سُمّي بشيخ الجبل؟ فتلك البيئة، بين قسوتها وجفافها ووحشيتها، تحرّف التفكير إلى تكفير، ولا يستطيع أفرادها أن يمارسوا الدين إلا بمكون محسوس أمامهم.

فبعض هذه الشعوب من كان يمرّغ نفسه في برك الطين ليمارس طقساً معيناً، وهناك منهم من يمارس طقس النوم على لوح من المسامير في ديانته الوثنية، وهناك من يشبّه نفسه بالكلاب، ويمارس لعبة النار وإحراق الجسد بالمشي فوقه لمعرفة قوة التحمل، فما علاقة الحسين ببركة الطين، ولوح المسامير، وإحراق الجسد بالجمر، وغيرها؟ وهل كل عادات وتقاليد الأمم السابقة التي دخلت الإسلام بعد انتشاره في مناطقها؛ تصلح لتكون شعائر سواء كانت أفريقية، أم من وسط آسيا، أم الهند، أم من مناطق العالم المسيحي أو اليهودي!

فيا حبذا لو ندعو لوضع مشروع إصلاحي حقيقي متفق عليه في الحد الأدنى على الأقل، تشارك فيه عدة جهات علمائية، وأكاديمية، واجتماعية، وإعلامية، ونفسية، لوضع مشروع استراتيجي بعيد المدى لتصحيح بعض المسارات وتقويم الاعوجاج وضخّ الدماء من جديد في الرسالة العالمية التي خرج الإمام الحسين (ع) ليثبتها في تاريخ الإسلام والحضارة الإنسانية. ليس من أجل كسب ود طائفة أو جماعة أو جهات هنا وهناك، بل لأن رسالة أبي الأئمة الأطهار ما رُسمت حروفها وأسطرها في كربلاء من أجل هذا؛ بل من أجل تطهير المجتمع الإسلامي من جميع الانحرافات التي انتشرت في جسده، وبين ثناياه النفسية، والأخلاقية، والعقيدية. ولنؤكد جميعاً، أن الحسين (ع) ثار من أجل زيادة الوعي وكشف الزيف، وضد تحريف شعائر الدين، ومن أجل بثّ مبادئ الحرية والثقافة الإسلامية الحقّة بعيداً عن أية بدعة سلطوية أو عامية، أليست هذه هي عناوين مسيرة النهضة الحسينية في كربلاء وما بعدها؟

فدعونا بهدوء ومحبة قبل كل شيء، ننشد الإصلاح بالحسنى وبالاستدلالات العلمية الموثقة سنداً، بعيداً عن قالوا، أو سمعنا فقط من أرباب المقاتل، أو السير، أو المؤرخين، أو الناسخين، وغيرهم، لا من أجل كما يتصور البعض، حذف أو التقليل من الشعائر وأهميتها، بل للدخول في مرحلة التحقيق والتدقيق في كل قول للوصول إلى الحقيقة، أو موقع قريب منها بقدر الإمكان. وبذلك سوف لا ننشغل، في بداية ونهاية كل موسم عاشوراء، بما يحدث بين مؤيدين ورافضين لأية ممارسة غريبة جاءت من قول موثق أو غير موثق. وحتى ينتشر بيننا منطق المفكرين لا منطق التكفيريين الذين لا يعرفون رداً على منتقديهم سوى المزيد من العناد والإقصاء لكل رأي يخالفهم.

دعونا نقترح على أنفسنا: لماذا لا تتكوّن في بداية كل موسم عاشوراء لجان تعبئة وتأسيس لجيل واعٍ من الشباب يسلح نفسه علماً ومنطقاً وعملاً ودعماً لمسيرة الحسين (ع)؟ كلجانٍ للتاريخ، للبحث في التفاسير القرآنية والتركيز على الصحيح والجيد منها، وللأدب والفنون في خدمة قضايا الإسلام والعقيدة، وللحفاظ على التراث المحلي والحسيني الأصيل، ولتعليم اللغات حتى نخاطب العالم إسلامياً باسم الحسين (ع) وننشر التراث الحسيني الأصيل، لنشرح للعالم ما هو الإسلام النبوي الأصيل الذي تمثل في ثورة الحسين (ع) ضد التحريفات، في ذاك الزمان وهذا الزمان، على يد السلطة السياسية لطمس الإسلام الحقيقي الذي يرفض الظلم والظلمة على مر العصور.

لماذا لا يتم تسيير موكب ثقافي ديني مهيب باسم القرآن الكريم، كما فعلت جمعية «اقرأ» القرآنية ليلة التاسع من محرم وفي عزاء عالي المركزي؟ أليست ثورة الحسين (ع) مستمدةً من القرآن وليس من الدماء؟ ولماذا لا نستحسن فكرة المضيف الثقافي الذي ابتدعه بعض الشباب المسلم في بلدة أم الحمام بمحافظة القطيف، والذي توسّع ليصل إلى جدة، والعوامية، بالإضافة إلى الفرع الأم في أم الحمام في ظرف خمسة أيام فقط! لماذا لا نستنسخ مثل هذه التجارب التي ترفع قضية الحسين (ع) إلى أعلى مراتب الإنسانية الراقية؟ والأفكار كثيرة، بشرط توافر النية الصادقة والعقول الحكيمة، لدراستها وتنفيذها... ومأجورين.

إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"

العدد 4105 - الإثنين 02 ديسمبر 2013م الموافق 28 محرم 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 3:59 ص

      شكر ا لك

      بارك الله فيك يا استاذي وسلمت يداك على المقال الرائع ...ونتمنى من الشباب الطموح تعزيز هذه الافكار من اجل استفاده الاجيال القادمة عن ثوره الامام الحسين ضد الظلم والاستبداد... لبيك يا حسين

    • زائر 3 | 3:16 ص

      شكرا د. محمد لاهتمامك لتصحيح بعض المسارات وتقويم الاعوجاج

      قال الحسين (ع) خرجت لطلب الاصلاح وكفانا اختراعات كالمضايف التي انتشرت بسرعة البرق مما ترتب عليها زيادة في التيذير والبذخ وكثرة المخلفات وحبذا لو يحذو خطبائنا الشباب بالشيخ الوائلي الذي لا ينتهج اسلوب الصراخ خاصة في المصارع ومع ذلك يبكيك ببيتين من الشعر

    • زائر 2 | 2:44 ص

      هذا لايكون...

      ومشروعك هذا متواصل حتى تحاول ان تقضى على اخر دمعه حضاريه هادئه وبكاء خفيف كحفيف الشجر لا يضاهى مصاب السبط الذى امطرت له السماء دما عبيطا(افتعجبون...)كما امطرت رؤوس العاشقين والموالين وهطلت عيونهم وازداد جزعهم فليس يوسف بأفضل من الحسين ولاقميصه عندما ارجع بصر يعقوب بأفضل من تربة الحسين.اللهم ارزقنا زيارة الحسين والتمرغ بغبار زوار الحسين ودع عنك ايها الاخ هذه الاسترجاعات والشواهد التى لاصله لشعائر الحسين بها ولم يدعى احدا اخذه منها فكل الشعائر هى من قلب الحدث ومن صميم ما حدث فى الطف.

    • زائر 1 | 1:36 ص

      الاصلاح هو هدف الحسين علية السلام

      بجب على العلماء والخطباء والمثقفين والمفكرين ان يقفوا كرجل واحد ضد الممارساتوالخزعبلات التى تشوة مذهب اهل البيت علبهم السلام وجعلوها من الشعائرالحسبنية مثل المشى على الجمر .......وكفانا تخلف الشعوب الاخرى تنظر البنا كشعب متخلف ودموين وارهابين هل هذة اهداف ثورة الحسين ؟؟ وشكر الاستاذ الفاضل عل المقال الرائع واجوا من يهمة الامر ان يبحث حقيقة هذة الممارساتوالخزعبلات من اين ومتى وكيف وكفانا تخلف وتشوية

اقرأ ايضاً