العدد 2463 - الخميس 04 يونيو 2009م الموافق 10 جمادى الآخرة 1430هـ

الستراوي يهيمُ «على راحةِ قلبهِ»

في ثالث اصداراته الشعرية

«على راحة قلبي» هو الإصدار الشعري الثالث للشاعر علي الستراوي . وهو ينتمي إلى إصدارات العام 2008 ضمن مشروع الكتاب البحريني بالتعاون مع مؤسسة الانتشار العربي في بيروت... الستراوي: شاعر عشق الكلمة رغم همومه وأوجاعه، عشقها صورة ترهقه ليداعب آلامها... لذلك جاء شعره مليئا بالوجدانيات الذاتية تجاه ذلك المتخيل في كلّ شيء حوله. الوطن... الحبيبة... البعد... الفراق... الطفلة في مرآة عينيه... الطبيعة بفضائها الواسع، هكذا غاص في هذه الأجواء.

وقد أضاف هذا الشاعر إلى لغته الشعرية والتي تميزت بالتنوع في سلاستها وجزالتها الموضوعية في وضوح الصورة المتباينة والمتدفقة خيالا متدفقا بالبلاغة الجميلة.

لهذا ظل شعره نتاجا رائعا يتغنى به في حب وطنه وحبيبته بخيال واسع وفاء للذات بنقاء ذلك الحب في شاعريته. برزت تلك الدلالات متدفقة في عطائها واسعة في خيالها، متباينة في صورها لأبعد المسافات اللغوية والفنية.

كان لتلك الدلالات المنفردة في عفويتها خيال خصب في عطاء نهوضه المتنامي وظل نتفيأهُ ونستنشق شذى وعبير أريجه الفواح حيث عشقنا الموجوع المتلهف.

من هذه الظلال:

«انشغالات الصمت»

لا أعرف ما لحكايتي من سر...

مشغول بالمدينة الفاضلة

يوجع الأمهات...

يكدح الرجال...

وبطفولة مشردة

مشغول بالنهار الموحش

وبالصباحات المنتمية للشجر

وببيت أكبر من ذاكرتي

لصبية يمرحون

ولفتيات يغزلن جفونهن بالتأمل

لك يا سيدتي:

ينام الحدس على نبض قلبي

وينشغل الليل بقراءة النجوم...

... لو تأملنا هذا النص الشعري الوجداني المتدفق شاعرية وخيالا ندرك من الوهلة الأولى أن هناك انشغالات في وهج ذاك الليل في ظلمته العاتمة... رغم عشقه وأسراره المستودعة داخله بذلك الوجدان. ليهيم بنا بعيدا عن عالمنا الحاضر ليروي لنا قصة ذلك السكون في خلوته وعذاباته... لأنها حاضر الأمس وخفقانه.

«ولفتيات يغزلن جفونهن بالتأمل»

من هنا يبرز روعة التأمل في صورة رائعة وإحساس رائع في صدقه لدى الشاعر... نابعة من ذلك القلب الرهيف رقيق المشاعر تجاه تلك الصبايا في غزلهن وتأملهن.

يأخذنا بعيدا لنقرأ تلك الأحاسيس حيث وجع الأمهات بتلك المدينة... حكاياتها وانشغال صمتها المشرد في النهار وانتظار الليل لقراءة ذلك الوجع في فلسفة متباينة في فضائها وخيالاتها.

نقرأ الصمت في عين الشاعر ليداعب تلك الكلمات في حسها ورقتها ومعاني صمتها في طفولة مشردة ونهار موحش مؤلم تعانقه تلك الوجدانيات بعنفوانها ليسرح بعيدا... بعيدا عن حاضر الزمن، الذي يحاول الهرب منه.

ظل آخر يداعب مشاعرنا تأملاته:

«للمرأة لعبة العنكبوت»

(1)

أعرف أن للوطن حينما يسكن الشوق تفيض المقل

وأعرف أن الدار حينما تضيق بأهلها يتوحش القلب

وأعرف ما لبيت العنكبوت من خيوط أوهنتها صعب

أعرف أنك لم تهادني الخوف، ولم تتركني باحة الدار

أعرف كل هذا الحب...

لكنني أصمت لحظة العشق

(2)

المدائن آخر المدن المحاصرة بالجند

والقلب آخر الطيور العائدة للوطن

بين هذا وذاك... تقع الفتنة

ويتوحش الكفن في الصبر

تتجانس وتناغم الألفاظ في معانيها هنا في هذا النص فالشاعر وفق في اختيار هذه الألفاظ حينما ربط همه بهم الوطن حينما يشكو الهجر والنوى عن هذا الوطن... حينما يشكو البعد وهجر ذلك الحبيب... حينما تضيق الدار بمرارة بأهلها يتهادى الخوف أمام الستار بداخل وجدان الكلمة لتتراقص حروفها بنغمات حزينة.

صورة نداء رائعة تجسدت فيها نبرات شاعرنا علي الستراوي في ذاته وحسه تجاه ذلك الوطن. مشحونة برؤى المفردات اللغوية المتباينة المتقاسمة في نهماتها وزفرات ألمها المتلاحق... لم يأبَ شاعرنا في تعريف ذلك الوجع ليستكين في روعة ذلك التعبير وذلك الإحساس الصادق. وهو يعري الموجودات التي يهجسها.

نعم الهم الذي أتعب شاعرنا... كان له لون فني بزرقة السماء عندما تمطر غيثا في تألق صورته .. عندما تتحلى الأغصان بالزهور ليبدأ الربيع في عودته للوطن بثوب جديد ولهوه مع الجمال والطبيعة والصبابة.

هكذا تمحور ذلك النص بقوة وسلاسة في التعبير... متكافئ في أبعاده التي تمثل عنفوانها ونشوتها لدى الشاعر الستراوي... نعم بين هذا وذاك تتشظى الفتنة لترسو قوافل الضياع... ضياع الوطن والأحبةز.. ضياع الأمل لعودة الطيور التي هاجرت بعيدا عن معالمها.

نعود لهذه الظلال فتأسرنا مرة أخرى في نص يمتد خلف الصواري البعيدة.

«على راحة قلبي»

(1)

لم أكن...

ولم تكوني...

لكنها النهار يشتعل بك

يحملني على راحة قلبي

وفي مسامات حلمي...

يطرحني في مدينة عينيك

عبر انشغالات لا تهدأ

(2)

أتفق معك...

هو الغيم وجع الصمت

ألق الخوف في النبض...

لأنكِ هنا...

قلبي الذي لا يغادر بوحه

(3)

الشعر يا سيدتي نافذتنا الباقية

والحديث عن قضية الشعر...

بكارة الخوف في الذاكرة العربية

هل تخرجنا أوجاعنا

على راحة القلب هنا يمتزج البوح بالصورة في واقعها لتعبر عن تلك المعاني الدقيقة في رؤاها البعيدة الخيال التي لا تغادر تلك المشاعر... هو في وجع الصمت... القلق الخوف في نبضي أنا... وأعني بذلك هو شاعرنا.

لأنك هنا فقلبي لا يغادر البوح...

نعم تبقى لبكارة هذا الخوف وجع في تلك الذاكرة بين حنايا الكلمة في قلب تشتت فيه الصمت على راحت ذلك القلب... دندنت ليس لها سوى الوجع المثقل في لحنه الحزين... وهم يضاعف ذلك المستحيل ليبقى الأمل في همهمات الشاعر.

@ كاتب ومخرج مسرحي

العدد 2463 - الخميس 04 يونيو 2009م الموافق 10 جمادى الآخرة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً