العدد 4117 - السبت 14 ديسمبر 2013م الموافق 11 صفر 1435هـ

نوابنا وضجة اللاذقية

عبدالحسن بوحسين comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

مع قرب انتهاء كل فصل تشريعي يشتد حماس بعض نوابنا الأفاضل ليبهروا ناخبيهم بمداخلات ساخنة ومواقف متشددة حيال بعض الأمور، حتى يكاد المشاهد أن يحسبها أجندات معارضة، ومن ضمن هذه الأمور موضوع زيادة الرواتب.

ولربما اعتبر البعض منهم أن هذا الموضوع الذي يلامس احتياجات المواطن البسيط هو الأسهل والأقرب على استمالة عواطفه، مع قناعة أصحاب المعالي والسعادة أن الأخذ بمطلبهم هو أمرٌ شبه مستحيل، ولكن ربما اعتبر البعض ذلك «خرخشة» نتائجها مدخلٌ لزيادة مخصصاتهم، وهذا على ما يبدو هو بيت القصيد من ضجة اللاذقية هذه.

إن أي مبتدئ في علم الاقتصاد الجزئي، يعلم جيّداً الصعوبة الكامنة في زيادة الرواتب والأجور في دولة بلغ الدين العام فيها خمس مليارات دولار، أي ما يعادل 44 % من حجم الناتج المحلي الإجمالي، وهو سقف الدين الجديد المسموح به. كما يدرك نوابنا الأفاضل أن ميزانية العامين 2013 و2014 التي تفضلوا بالموافقة عليها تحمل عجزاً بلغ 833 و912 مليون دينار على التوالي. وهذا العجز ليس بالإمكان تغطيته من عوائد النفط بسبب الخلل في سعر برميل النفط مقارنةً بالسعر المطلوب لتحقيق التوازن بين المصروفات والإيرادات.

لقد كان الأجدر بنوابنا الأفاضل أن يسألوا ديوان الخدمة المدنية أولاً عن حجم الفجوة في الرواتب بين القطاعين العام والخاص، وأن يطلعوا على مستوى التضخم الصحيح الذي على ضوئه يمكن تحديد الوسائل الممكنة والبديلة لمعالجة الخلل. ففي الماضي كان الديوان يجري مسوحات سنوية للأجور بالشراكة مع المؤسسات والشركات الكبرى في البحرين، وتكون حصيلة هذه المسوحات والدراسات تقارير مفصلة عن منحنى الأجور لفئات الوظائف وحجم الفجوة بين القطاعين لكل فئة على حدة، ثم لجميع الفئات الوظيفية المتشابهة في خصائصها في مختلف القطاعات الاقتصادية، مع الأخذ في الاعتبار نسبة التضخم السنوية. وعلى ضوء هذه النتائج والتوصيات تقرّر الحكومة بأسلوب اقتصادي مدروس، طبيعة الإجراءات اللازمة لتحسين المستوى المعيشي للمواطن.

لا تتوفر لدينا معلومات الآن عن قيام الديوان بإجراء مثل هذه الدراسات والمسوحات، إلا أن توفّرها يعتبر عاملاً مهماً يساعد مجلس النواب على تفهّم حجم المشكلة، والتمعن في البدائل الممكنة لمعالجتها مع الحكومة. أما القفز على هذه الحقائق والسعي لخلق ضجة حول زيادة الأجور بنسبة عفوية مبنية على اجتهادات عامة من دون توفر الحقائق اللازمة لتحديد البدائل، فإن ذلك يعتبر ضجةً أكثر منه نية جادة.

من جهة أخرى يدرك السادة النواب أن مسألة تخفيف العبء عن المواطن يمكن أن يتحقّق بوسائل وطرق متعددة من بينها زيادة الأجور التي تعتبر أبسطها قولاً وأعقدها عملاً. فالمواطن يطمح إلى زيادة دخله بهدف تحسين مستوى معيشته. وهذا الهدف يمكن تحقيقه بوسائل أكثر فاعليةً من زيادة محدودة في الأجر ليس بإمكانها، حتى وإن تحققت، أن تساعده في شراء مسكن أو تخفّف عنه أعباء ديون ومستحقات معيشية أخرى. ومن ضمن البدائل التي يصم مجلس النواب آذانه عنها ما يلي:

أولاً: التأهيل والإحلال هو الضامن لأن يصبح المواطن الخيار المفضل لتولي الوظائف المرتفعة الأجر التي يستحوذ عليها الغرباء في بلادنا، والذين أصبحوا بفضلها يتمتعون بمستويات معيشية باتت حلماً يراود كل مواطن، في حين تقبع المؤهلات الوطنية في بطالة وفراغ قاتل وكأنما أريد لها أن تكون كذلك. فأين هي خطط وبرامج الإحلال المعمول بها في الماضي كوظائف النظراء مثلاً؟ ألم يكن الهدف من قانون إصلاح سوق العمل هو أن يكون المواطن، لا الأجنبي، هو الخيار المفضل؟ فهل تحقّق هذا الهدف؟ أم أصبحنا كعين عذاري فتراجعنا خطوات كبيرة إلى الوراء؟

ثانياً: يعتبر توفير المسكن أكبر مستنزف لدخل المواطن. فهل تحدّث نوابنا الأفاضل عن الأوضاع التي آلت إليها سياستنا الإسكانية؛ وعن الجهات التي باتت تزاحم المواطن في رقعة وطنه المحدودة؟ في الماضي وفّرت الدولة الأراضي لمشاريع وطنية كمشروع مدينة عيسى ومدينة حمد، ألم يحن الوقت لبلورة استراتيجية إسكانية واضحة وشفافة تعالج المشكلة الإسكانية المتفاقمة؟ فقوائم الانتظار وفقاً للإحصائيات الرسمية بلغت 54000 طلب إسكاني تزداد كل عام بمعدل 4000 طلب، لتشكّل فجوةً بين العرض والطلب، تبلغ 1400 طلب متراكم في العام، بالإضافة إلى قوائم الانتظار الحالية. وهذا يعني أن فترة الانتظار الحالية التي تصل إلى 15 عاماً سترتفع بوتيرة ومعدل تراكمي تصاعدي مرتفع. وتعلل الجهات الرسمية هذه المعضلة الإسكانية بالزيادة المرتفعة لنمو سكاني سريع ومستمر مازلنا نتجاهل مصدره ونسبته الحقيقية وطرق معالجته.

ثالثاً: يعتمد الاقتصاد المنتج على سياسة واضحة للتدريب الفني والمهني الذي يرتكز على منهجية عرفناها في الماضي من خلال شركة نفط البحرين، وكلية الخليج الصناعية، ومؤسسات التدريب المتخصصة في الوزارات التي أنتجت كوادر فنية وتخصصية في مجال الكهرباء والماء والتمريض والمهن الصناعية والبنكية والتجارية، وذلك وفقاً لسياسة أدركت الفرق بين التعليم والتدريب، فنظّمتهما وفقاً لهذا الإدراك... فماذا فعلنا بهذه المؤسسات التي نال المواطن من خلالها في الماضي المهارات اللازمة للوصول إلى وظائف ذات عوائد مجزية أصبحت الآن من نصيب الغرباء؟ فهل بوسع المواطن أن يكتسب المهارات التي يحقّق بها ذاته في غياب سياسة واضحة لتدريب وتطوير القوى البشرية المحلية؟

إن الإنسان هو مصدر للثروة وعامل من العوامل الرئيسية للإنتاج، كما ذكر عالم الاقتصاد البريطاني الشهير آدم سميث. وهذه النظرة التنموية للمواطن تتطلب مفهوماً بديلاً عن مفهوم الرعاية السلبية التي تعتبر المواطن مخلوقاً اتكالياً يعتمد في معيشته على صدقةٍ تُعطى له مقابل توقعات خارجة عن مفاهيم الاقتصاد والإنتاج المتعارف عليها. وحتى يتحقق ذلك سيستمر السادة النواب في اجترار مقولة رفع الأجور بنهاية كل فصل تشريعي ولكن من دون طائل، وستستمر ضجة اللاذقية مصاحبةً لمعاناة المواطنين حتى يرث الله الأرض وما عليها.

إقرأ أيضا لـ "عبدالحسن بوحسين"

العدد 4117 - السبت 14 ديسمبر 2013م الموافق 11 صفر 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 10 | 9:23 ص

      تجرى الرياح بما لا تشتهي السفن

      نعم هناك خلل في النظام البرلماني والاقتصادي والسياسي أيضاً ان احببت، الا ان كل ذلك مقصود ولم يأتي من قبيل الصدفة، ما هو المطلوب من (نواب الشعب) لم يكمل يعضهم تعليمة وليس له اي شان في هذه الحياة. فهم لا يعلمون لماذا أصبحوا نوابا!!! حتى ان البعض الاخر آثر على نفسة المساهمة بمدخلات في قضايا الجن والشعوذة والمستأجر بالله. دع الخلق للخالق وقل (يالله خير وخاتمة خير) شكراً على المقال الراقي

    • زائر 9 | 5:11 ص

      أتمنى واعتقد الكثير منا يتمنى

      أن يرزقنا الله بنائب أو نائبة في مستوى النائبة الكويتية (صفاء الهاشم) ثقافة واطلاع وحقانية وصريحة وجريئة وكل ما يتمناه المواطن، ولا تخشى الا من الذي خلقها، وبذلك نتمنى أن نعيش بظلمنا تحت رحمة الله أولاً ثم رحمة نواب من أمثال هذه النائبة الكويتية التي لا تخشى في الله لومة لائم .. وكل من شاهد مقابلتها في تلفزيون الوطن أمس أعتقد بأنه سيؤكد كلامي .. أليس هذا أفضل من نائب يطلب تبديل كلمة (مول) الى كلمة (مجمع) عندنا؟ وشكراً

    • زائر 7 | 3:56 ص

      كفنانة رمودكنترول عن بعد

      اتفق على الا يتفقوا مالذي جناه الشعب من النواب بمكانهم في الوضع الغيرالمناسب يشغلوا الناس بالميزانية فهم مجرد ضغطت زر

    • زائر 2 | 12:51 ص

      غفلة

      مقال جميل وعلمي وين عن هذا الفهم نواب وصلوا في غفلة من الزمن الرديء إلى مكان المفترض إن يكون صمام أمان الوطن صار مصدر انهيار الوطن.

    • زائر 1 | 12:20 ص

      بلد العجائب السبع

      عذاري تسقي البعيد وتخلي القريب وش فيك بو حسين تأذن في قربة مكضوضة

    • زائر 4 زائر 1 | 2:11 ص

      النية الصادقة

      في كل عمل لابد من وجود نية صادقة فما بالك بنواب غير صادقين مع انفسهم و مع الناس

اقرأ ايضاً