العدد 4119 - الإثنين 16 ديسمبر 2013م الموافق 13 صفر 1435هـ

بعيداً عن الضوء

مريم أبو إدريس comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

نصبح غير منصفين حين نظن أن التاريخ منصف، وأنه يقف على بعد درجة واحدة من البشر والأحداث جميعاً، لكنه ليس كذلك، ولا يمكننا أن نركن إلى عدالته في حين نجد أن صفحاته قد مرت على بصمات البعض دون أن تتوقف.

شخصياً لم أكن قد سمعت قبلاً عن خان عبدالغفار خان وبصماته في مجال المقاومة المدنية لولا أن قادني الحظ والقدر لأكون في برنامج تدريبي في مجال القيادة وتعرّفت على هذه الشخصية المذهلة أثناء تدربي في الهيئة اللبنانية للحقوق المدنية، والتي تتبنى ثقافة اللاعنف وحقوق الإنسان.

«جنود لاعنفيون محترفون يقطعون على أنفسهم عهداً بأن يقاتلوا، لا بالبنادق والمدافع، بل بحياتهم»، وكانت تلك بداية ولادة الجيش المسلم اللاعنفي»، الذي شكّل إنجازاً فريداً في العالم آنذاك وإلى اليوم. جيش من البشتون المرعبين عزلاً من السلاح، انطلقت فكرته من قناعة ثابتة لدى مؤسسه خان عبدالغفار، الذي يقول «ما قيمة الادعاء بالشجاعة إذا لم تتمثل في مواجهة العدو من أجل قضية محقة، من دون سلاح ولا تراجع ولا انتقام، ذاك هو لا عنف الأقوياء أعلى مراتب الشرف».

إن قدرة خان عبدالغفار على إفشاء ثقافة اللاعنف والمقاومة المدنية في المجتمع الهندي -الذي تشكل أفغانستان وباكستان جزءاً منه- القائم على العنف والثأر والانتقام هو أكبر تحدٍ وأهم إنجاز على حد سواء. وكانت مخيمات التدريب «إبداع خان» التي أبدعها خان بنفسه، وهي ذات المخيمات التي تدرب بها الجنود اللاعنفيون الذين أطلق عليهم اسم «خدّام الله». هؤلاء الجنود الذين تعرّضوا فيما بعد للمطاردة والتعذيب والإهانة، وفضّل بعضهم الانتحار على قبول الإهانة لبشتوني لا يريد كسر قاعدة اللاعنف. كانوا الكتلة الكبيرة المنظمة التي قاومت الاحتلال البريطاني بعد 1920 وتصدّروا الصفوف الأولى لجموع المقاومين الذين كانوا يصرون على الثبات أمام بنادق الاستعمار البريطاني، متقبلين الموت سلماً على مقاومة عدوهم بالسلاح. وكانوا يقتلون ويصابون ويتألمون محتملين ذلك في سبيل الوفاء بعهودهم.

عاش خان 98 عاماً قضى 70 منها في الكفاح وخدمة المجتمع، بينها 30 في السجن، أي ثلثها تقريباً، حيث قضى 15 عاماً من السجن على يد الاحتلال البريطاني، و15 بعدها على يد الحكم في باكستان، إضافةً إلى 7 أعوام في المنفى. ويمكن اعتبار خان الظلّ الصامت لغاندي، الرجل الذي حظي بالحضور الإعلامي الأضخم عبر التاريخ الحديث، فيما اختار خان أن يكون رجل الظل والعتمة رغم كل النور الذي أبدعه ليقود الشعب الهندي نحو الاستقلال في ثورةٍ سلميةٍ لم يعرف التاريخ مثيلاً لها أبداً.

إن خان عبدالغفار رجلٌ فريدٌ معطاء، سبق زمانه، لكنه لم يحظ بالتقدير والانتشار اللذين يستحقهما أبداً، ومثله كثيرٌ من المضحّين الذين يسير التاريخ فوق إنجازاتهم دون اكتراث، أو فوق جثثهم دون أن يكون لهم من صفحاته نصيب.

إقرأ أيضا لـ "مريم أبو إدريس"

العدد 4119 - الإثنين 16 ديسمبر 2013م الموافق 13 صفر 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 5:53 ص

      شخصي أو فردي ,ohw ,uhl ومجتمع مكوناته أفراد كما جماعات لكن

      ليس بسر لكن كن حر ولا تنتحر فيقال بالحريه كما يقال بالظلاميه لكن يقال هنا في المجتمع كثرت ولم تقل بل زادت الشخصيات الإعتباريه!

    • زائر 1 | 11:32 م

      مقاومه

      مقال جميل عن شخصيه فريده في مجال المقاومه الفكريه

اقرأ ايضاً