العدد 4122 - الخميس 19 ديسمبر 2013م الموافق 16 صفر 1435هـ

«الاتحاد الخليجي» ضمانة المستقبل

يوسف مكي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

تحويل حلم الاتحاد الخليجي إلى أمر واقع، لا يتيح فقط مزيداً من فرص العمل والاستثمار، ويسهم في القضاء على البطالة، ولكنه أيضاً يعيد صياغة التركيبة الديموغرافية لمنطقة الخليج.

تأسس مجلس التعاون الخليجي في مطلع الثمانينات من القرن الماضي، في ظروف بالغة التعقيد، حيث احتدمت آنذاك الحرب العراقية- الإيرانية التي استمرت لثماني سنوات. ولاشك أن تأسيس المجلس في تلك الظروف كان له الأثر الإيجابي في صياغة موقف سياسي خليجي موحد من القتال الدائر، قريباً من حدود بلدان المجلس. وكان للمجلس أيضاً دور كبير في حماية بلدان الخليج العربي من لهيب هذه الحرب، وتجنيب البلاد ويلاتها.

البيان التأسيسي لمجلس التعاون الخليجي حمل آمالاً كبيرة بقرب التوصل إلى صيغة اتحادية لبلدان الخليج، بما يسهم في تعزيز العلاقة بين الأشقاء، ويحقق أملاً كبيراً انتظرته شعوب المنطقة طويلاً. عمت الفرحة يومها بلدان المجلس بأسرها، وساد شعور بأن هذه الخطوة ستعقبها خطوات أخرى.

وواقع الحال، ورغم أن كثيراً من الملفات المطلوب معالجتها بقيت مؤجلة؛ فإن هذا المجلس يحسب له أنه المنظمة الاتحادية العربية الوحيدة التي صمدت طويلاً، رغم ما واجهته من صعوبات ورياح وأعاصير. فخلال العقود الثلاثة الأخيرة سقطت مجالس وانتهت تحالفات، وتدفقت مياه كثيرة على المشهد السياسي العربي، لكن قادة مجلس التعاون الخليجي بقوا متمسكين بما أنجز، وأضافوا عليه، في خطوات راسخة، نأمل لها المزيد من التراكم، استلهاماً من روح البيان التأسيسي للمجلس الذي اعتبر تحقيق الوحدة الخليجية، الهدف الأساس من تشكيل المجلس.

وعلى هذا الأساس، ينظر المواطنون الخليجيون، إلى أي قرار تتخذه قمة المجلس على أنه سير في الاتجاه الصحيح نحو تحقيق الحلم الكبير. حدث ذلك بشكل خاص عند إلغاء جوازات السفر بين دول مجلس التعاون والاكتفاء بالهوية المدنية لمواطني دول المجلس، للسفر إلى دول المجلس. وعندما أعلن عن موعد انطلاق السوق الخليجية المشتركة، التي تحقق المساواة في الفرص بين أبناء الخليج العربي، عمت الفرحة الجميع، باعتبار أن تحقيق هذه الخطوة، هو خطوة كبيرة، على طريق تعميم مفهوم المواطنة الخليجية. وأنها تفتح آفاقاً أرحب وأوسع للاستثمار والتنمية، بين مواطنين ربطهم التاريخ، وعمقت الجغرافيا صلاتهم مع بعضهم، وكانت الثقافة حاضنهم الروحي والوجداني، وكان تكريمهم بحمل رسالة السماء قد جعل منهم خير أمة، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر.

الدعوات المتكررة للقيادة السعودية، وآخرها دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، حفظه الله ورعاه، لتحقيق حلم الاتحاد، هي تجسيد حقيقي لحالة الانصهار والتلاقي في الآمال والطموحات بين القائد والشعب. ففي عالم يحكمه منطق القوة، وتتزاحم فيه الصراعات، ليس هناك مكان للضعفاء. .

فهذه الدعوة تأتي في ظلّ تحولات كونية كبيرة تنهي مرحلة في السياسة الدولية، وتمهد الطريق لانبثاق أخرى. فعلى الصعيد الدولي انتهت مرحلة الأحادية القطبية، وبدأت ملامح نظام جديد يستعيد روح التعددية القطبية، حيث برز مجددا دور الاتحاد الروسي والصين الشعبية، ومنظومة البريكس. وعلى الصعيد الإقليمي، وقع اتفاق جنيف حول الملف النووي الإيراني. ورغم ما قيل عن الصيغة المؤقتة للاتفاق، التي لن تتجاوز الستة أشهر، فإن المؤكد أن إيران حصلت على حق تخصيب اليورانيوم، بنسب لا تتجاوز الـ5%، والمسألة بالنسبة لدول المنطقة، لا تكمن في نسبة التخصيب، ولكن في امتلاك إيران قدرة العمل في مجال التكنولوجيا النووية.

إن هذه التحولات الإقليمية والدولية، تفرض علينا إعادة النظر في برامجنا واستراتيجياتنا السياسية، بما يحقق لنا الأمن ويمنع عنا المخاطر. وطبيعي أن يكون حاضراً في ذاكرتنا، أن العالم يتجه نحو اندماجات أكبر، وخلق كتل كبرى من الشعوب، حيث الاقتصادات الناجحة، ترتبط بالأبعاد الكبيرة. ولاشك أن الاتحاد الخليجي، سيمكن مواطنيه من حرية التنقل، وممارسة العمل والمهن والتملك وكافة الأنشطة الاقتصادية والاستشارية والخدمات الاجتماعية.

وبالمنظور العلمي والعملي، فإن تحويل حلم الاتحاد إلى أمر واقع، لا يحقق فقط منافع مضاعفة لأبناء هذه المنطقة، ويتيح مزيداً من الفرص للعمل والاستثمار، ويسهم بالقضاء على البطالة، ولكنه أيضاً يجعلنا أكثر مناعة وقوة، ويصحح الخلل السكاني بين بلدان الخليج، ويضع الأجزاء الكليلة والمتناثرة، في مكانها الصحيح، بما يعزز فاعليتها، ويعيد صياغة التركيبة الديموغرافية لمنطقة الخليج، بما يضمن الحفاظ على هويتها العربية، ويحمي عروبة الخليج من أطماع المتربصين.

لقد صمد مجلس التعاون الخليجي، كما أشرنا، لأكثر من ثلاثة عقود، وحقق جملة من الخطوات بصيغة الفعل المتراكم، وليس بالتحول السريع، وكان عمادها التركيز على ما ينفع الناس. لكن سرعة التحولات التي تجري من حولنا تفترض استجابة متماهية مع هذه التحولات، فهناك تحديات دولية وإقليمية واضحة ومعلنة، وهناك استهدافات خارجية لأمن الخليج واستقراره، تتطلب مبادرات وسرعة في الحركة لمواجهتها. وذلك يعني أن تحقيق الاتحاد ليس مطلبا ثانويا، يمكن التغاضي عنه أو تأجيله، فهو وفقا للمعطيات الراهنة، الضرورة التاريخية والحضارية للدفاع عن المكتسبات التي حققتها دول الخليج، فرادى أو مجتمعة.

القرار الذي اتخذته القمة الخليجية في دورتها الرابعة والثلاثين، التي عقدت بالكويت بتشكيل قيادة عسكرية موحدة، تضم جيوش دول المجلس، هو خطوة بالاتجاه الصحيح. لقد أكدت قمة الخليج، على «استكمال الخطوات والجهود الهادفة لتعزيز أمن واستقرار دول المجلس، وبناء منظومة دفاعية مشتركة لتحقيق الأمن الجماعي، وإنشاء القيادة العسكرية الموحدة لدول المجلس».

والأمل معقود على أن تجد هذه الخطوة طريقها إلى النور، وأن تكون مقدمة لخطوات أعلى. لقد آن أوان العمل لتحقيق حلم الاتحاد الذي راود شعوب المنطقة لعقود طويلة، وحسبنا التمسك بقول نبي الرحمة: «المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف».

إقرأ أيضا لـ "يوسف مكي "

العدد 4122 - الخميس 19 ديسمبر 2013م الموافق 16 صفر 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 4:09 ص

      الاتحاد ضمانة !

      كيف يمكن للاتحاد ان يكون له وجود وتلك الدول الداعية له تفتقر لأساسيات مبادئ الاتحاد !
      الاتحاد الذي يدعون اليه هو اتحاد في المجال الأمني ولا غير سواه! لذلك وجوده لن يشكل خطوة للإمام لشعوب المنطقة! قد يخدم مصالح بعض القادة ولكن الشعوب هم اصفارا على الشمال!!

    • زائر 5 | 2:49 ص

      بهلول

      الإتحاد يعني تقرير مصير وطن.
      وطبيعي أن الشعوب هي التي تقرر مصيرها ومصير أوطانها. يعني مصير الوطن ...

    • زائر 4 | 12:52 ص

      @

      من قال شعوب المنطقة موافقة .. هل في استطلاع او استفتاء

    • زائر 3 | 12:44 ص

      اممممم

      للاسف الاتحاد لا يحمل هذه الاجندات التي قمت بذكرها في مقالك يا استاذ .. و الا لما رفضته عمان رفضا لادخالها في صراعات اقليمية هي في غنى عنها و لما توجست منه دول اخرى و طلبت التريث و الدراسة :)

    • زائر 2 | 12:31 ص

      هل تقصد اتحاد الحكومات ام اتحاد الشعوب

      هناك فرق شاسع بين اتحاد الحكومات واتحاد الشعوب واعتقد ان اتحاد الشعوب هو ما تقصده لان اتحاد الحكومات وبالذات في الخليج فهدفه قمع الشعوب والتنكيل بها

    • زائر 1 | 11:06 م

      صادق

      ما رأيك أن نضم العراق الشقيق للإتحاد ليزداد منعة وقوة ولتتعزز الهوية العربية للخليج أكثر وأكثر؟

اقرأ ايضاً