العدد 4127 - الثلثاء 24 ديسمبر 2013م الموافق 21 صفر 1435هـ

الإمارة في الدولة المدنية

يعقوب سيادي comments [at] alwasatnews.com

.كاتب بحريني

يتحدث الإخوة من الدينيين كثيراً عن الإمارة الشرعية أو الإسلامية، ولكنهم لم يسبق لهم أن تحدّثوا عن الإمارة المدنية، إلا ربطاً بالأولى، وعلى أساس أنها ذات مرتبة أدنى، ما بين الديني والدنيوي. ليس المقصود هنا إبخاسهم حقهم في الإمارة الدينية، ولكن للمدنية حقوقاً أيضاً، ليست في وارد أفكارهم ومعاييرهم الدينية.

لذا سنبسط الحديث عن الإمارة المدنية، بحيث تجمع ما بين الدنيا والدين، على قدر المساواة، لأن المدنية تعني الإنسانية، بغض النظر عن الدين أو الفرع المذهبي، وأن الإمارة الدينية سواءً كانت إسلاميةً أو مسيحيةً أو يهودية، فهي تختص بإمارة أتباع الدين، وتتفرع منها إلى إمارات المذاهب والجماعات الدينية المختلفة. فهناك على مستوى الدين الإسلامي، إمارات للمذهب السني ومثلها للمذهب الشيعي، نقول إمارات وليست إمارة، لأننا نرى إمارة للجماعة الوهابية، وأخرى للقاعدة، وغيرها لـ «داعش»، وغيرها للإخوان المسلمين والسلفيين... إلخ، وكذلك تعدّد الإمارات لأتباع المذهب الشيعي، جميع هؤلاء يختلفون في الأمور الدينية الفرعية من التفسيرية والروائية، ويجتمعون في النص القرآني وفي الأحاديث النبوية، كما يجتمعون في الصفة الإنسانية، إلا أنهم يغيبون الجوانب الإنسانية، على حساب الجوانب الدينية الفرعية. فترى غالب خطباء المنابر، يدعون على كل من هو غير مسلم، ونرى اللغط والسباب والتجريح، لدرجة مسّ العرض والشرف، من كل صاحب مذهب، حين الحديث عن أتباع المذهب الآخر، بما يقنّن ويحوِّر، حسب هوى النفس، لبعض الرؤى الدينية للآخر، وينسحب ذلك أيضاً على أتباع المذاهب المختلفة للأديان الأخرى.

فما بالك بهم جميعاً، إزاء أولئك المدنيين العلمانيين، وإزاء جوانب الحياة المدنية المتطورة، وخصوصاً في جانب الحكم السياسي، فهم موالون له، ما مَيَّزهم على أتباع غير مذهبهم، وليس مهماً لديهم، إتباعه لأصول الدين ومبادئه في الجوانب الإنسانية، وليس مهماً إن جاءت إمارته السياسية، عبر مبايعة الأمة أو غالبيتها، أو كانت جبرية.

ولنأتِ بحسب المنطق الديني، إلى الإمارة المدنية، التي هي في حقيقتها القيادة أو الزعامة المدنية، تلك الصفة أي المدنية، التي تحوي كل ما هو إنساني، ففيها للجميع حقوق متساوية، وكذلك عليهم نفس الواجبات، وهي ليست ذات عناية بلقب ذاك المواطن، ولا بلقب ذاك الأمير، سواءً الشرفي المدني أو الإمارة الدينية، للتمييز بينهما، بل هو المعيار الإنساني العام، يتم تطبيقه على من كان، بحيث لا يستثنيه واقعه الاجتماعي أو المالي أو السياسي. فالقانون له مفهومٌ واحد، لا يتلوّن حسب الجاه أو الصعلكة، فالجميع لهم الصفة الإنسانية والمواطنية، فلا ينجو من عقوباته، إلا متحاشيها بالسلوك القويم، فمن أثـَمَ نالته، ومن أحسَنَ تخطته.

والصفة القيادية والزعامة المدنية، سواء للجماعات كالأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني، أو للدول في الأنظمة السياسية، لا تتأتى إلا بقبول غالبية الجماعة، عبر الانتخاب أو التزكية أو القبول العام، وهذه تسمّى بالشرعية الشعبية، وما عداها فهي جبرية، لا تتصف بالمدنية أو الإنسانية، كتولي السلطة بالانقلابات أو الغزوات العسكرية، أو بالخديعة حين الانتخاب، ومن بعد التمكن، التمسك بها على غير رغبة الجماعات والشعوب.

والسلطة المدنية، ما هي إلا تكليف جماعي أو شعبي، لا ينتهي دور الأمة أو الجماعة، بالتولية، بل يستمر بالمراقبة والمحاسبة، والتقويم ما أمكن ذلك، وإلا فالعزل، من حيث المبدأ المدني، أن الشعب أو أعضاء الجماعة، هم مصدر السلطات، تتخلق من بين ثناياهم، وتبقى وتستمر برضاهم، طالما أنها خدمتهم بأحسنها، ومكّنت وسمعت ولبت لمطالباتهم بأسهلها، وحكمت وقررت لهم وفيهم بأعدلها، وحفظت ثرواتهم ومالهم العام بأمنها، وذادت عن كراماتهم الإنسانية بجل جهدها، وصانت لهم حقوقهم بأجودها، وتَبَسَّطت فيهم، بأنها منهم ولهم، وخفضت لهم جناح الذل من الرحمة، فلا سلاح ولا عسكر للتعامل مع مصدر السلطات، من الشعوب أو الجماعات.

وعلى صعيد الوطن، تصون استقلاله ومكانته بين الأمم، وتحافظ على تركيبة هويته الوطنية، لا يأخذها الهوى إلى حيث التفكير في علي وعليكم، ما لم ترتضوني حاكماً بأمره، وكذلك تصون وتبرز تراثه وتاريخه، بالفعل والقول، وتصون حقوق الأقليات بمساواتهم في الحقوق والواجبات، أسوةً بغيرهم، لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، بمعيار المواطنة المتساوية، ليتواصل الجميع في خدمة الوطن، كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه طرفٌ تقصيراً في حق، أو تضنيكاً في عيش، أو تمييزاً لغيره عليه، تداعت لنصرته جميع الأطراف.

فأين نحن من تلك الإمارة، أو الزعامة المدنية والإنسانية؟

إقرأ أيضا لـ "يعقوب سيادي"

العدد 4127 - الثلثاء 24 ديسمبر 2013م الموافق 21 صفر 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 9 | 10:05 ص

      فكر الامام علي هو الحل

      انا اقول آن الاوآن ان يدرس في مدارسنا ومناهجنا فكر الامام علي واهل بيته عليهم السلام حتى يتعلم هؤلاء الدخلاء على الاسلام كيف كان يحكم الامام علي . لان فكر الاما وحده يبني مجتمعا ناضجا عاقلا يحترم الاخرين

    • زائر 8 | 5:22 ص

      نصيحه

      أحبذ للكاتب المقتدر قراءة عهد امير المؤمنين على بن ابى طالب (ع) لمالك الأشتر عندما ولاه مصر أو رسالته(ع) لابن حنيف واليه على البصره, وانصح جماعة داعش والتكفيريون أن ينظروا فى هذا التراث العظيم لهذا الامام لا أن يغلقوا كل الابواب والمنافد ويمارسوا عقيدة القتل والدمار اين ما حلوا وارتحلوا , حتى لفظتهم شعوب العالم واصبح اسمهم الثقوب السوداء فى عقيدة الاسلام وفوق ذلك يبرأون يزيد من قتل سيد شباب اهل الجنه(ع) وسبى بنات الرسول(ص) الى مجلسه وامام حشده.

    • زائر 7 | 4:52 ص

      الخرافة

      كل المحاولات للزج بالدين في الخدع والمسرحيات السياسية والمتاجرة به يعتبر خرافة وموضوع أثبتت الاحداث والتجارب عبر التاريخ فشل مثل هذه الخزعبلات للضحك على الناس واسعبادهم ..الدلموني

    • زائر 4 | 1:57 ص

      لاللاماره الاسلاميه

      للاسف الشديد صار الدين الاسلامي رديف للقتل وقص الروس حتى المسلمين صارو يخافون ممن يجاهر بالاسلام ويدعو للحكم به فمابالك بغير المسلمين مع ان الدين لله

    • زائر 2 | 12:07 ص

      اصيل

      صبحكم بالخيراستاذي الجليل متي سنشهد هذه الدولة الم يكن الرسول الكريم هو المؤسس الاول للدولة المدنية تجتمع فيها كل الاديان والاطياف (لا اكراه في الدين قدتبين الرشد من الغي) . .الاشتراكيون انت امامهم لو دعاوي القوم والغلواء .الم يرفض الخليفة الثاني ان يصلي المسلمون خوفا من ان تتحول الكنيسة رلي مسجد.وهاهي الكنائس تحرق بمن فيها وتهدم المساجدلقد شوه المغالون الصورة السمحة للاسلام بغلوهم

    • زائر 1 | 10:35 م

      اناكفرت باسلامهم

      تفخيخ قطع رقاب قتل على الهوية أي دين سماوي يجيز ذلك هل الإسلام يحل ذلك من لحظتها كفرت وانسحبت...لكنني اقول بأن الإسلام دين رحمة القائمين عليه من جميع الطوائف لديهم الخلل

اقرأ ايضاً