العدد 4131 - السبت 28 ديسمبر 2013م الموافق 25 صفر 1435هـ

عندما يعتذر تنظيم القاعدة

محمود الجزيري Mahmood.Ridha [at] alwasatnews.com

.

حسناً فعل «تنظيم القاعدة» عندما اعتذر لليمنيين عن المجزرة التي ارتكبها في مستشفى بالعاصمة (صنعاء). وعلى اليمنيين عامّة، وذوي الضحايا خاصّةً أن يستبشروا بهذا الاعتذار الثمين، الذي حظوا بشرف الحصول عليه لأول مرة في التاريخ، فما سبق أن اعتذر التنظيم عن مجزرة «جهادية» ارتكبها في مكانٍ آخر!

على أهلنا في اليمن أن يقبلوا اعتذار «القاعدة»، ويداووا به حسرة الفقد والثكل واليتم؛ وأن يغفروا زلة أخيهم «المجاهد» الذي أسكن الرصاص في جماجم ذويهم؛ فلا يخفى على إخواننا اليمنيين وهم أهل دين وعلم أنّ كل بني آدم خطّاء، سواء كان هذا الخطأ لا يتعدى ما يحدث بين المرء وزوجه، أو بارتكاب إبادة جماعية كالتي حدثت للمستشفى وأهله.

علَيَّ أن أعترف بعجزي البالغ في التمييز بين قباحة الأشياء هنا، فلست أدري حتى الساعة أيهما أكثر دناءة ووضاعة؛ الإغارة على المستشفى وَرشّ رصاصات الموت على الأطباء والمرضى في مكان كانوا يبحثون فيه عن الحياة، أم هذا الاعتذار الذي جاء موسوماً بسيل دماء الأنفس البريئة؟

ما اختلف في اليمن هو أن كاميرات المستشفى استطاعت توثيق تفاصيل الجريمة، التي ارتكبها «المسلح القاعدي» ببهيمية متوحشة، وردة الفعل العنيفة التي اجتاحت الشارع اليمني والعربي والعالمي، وهو ما اضطر «القاعدة» قهراً للإقرار بإثمه. وإلا فإن عشرات بل ومئات الحوادث المماثلة وقعت ومازالت في أحياء وأسواق ومساجد العراق وأفغانستان وباكستان وسورية، وأينما حَلَّ غراب القاعدة.

إرهاب الفكر القاعدي اليوم أوضح من أي وقت مضى. وجثث الأبرياء المتناثرة في شوارع اليمن والعراق وسورية شواهد كفيلة بحسم تردد من يخامره أدنى شك في خطورة هذا النهج الذي بدأ يقضي على الاعتدال الديني والتنوع المذهبي والفكري الذي استطاع الإسلام احتضانه قروناً طويلة في ربوع حديقته الجامعة.

وداعة الإسلام وفطرية الانجذاب إليه في خطر محدق، إذا ما ظل «القاعديون» يلعبون باسمه، ومادامت أحكامه وشرائعه لا تسقي الآخر سوى السم والدم. والمأساة الكبرى هي تنامي الدور المؤسسي لتنظيم القاعدة وقدرته على النفاذ لعقول طيف كبير من النخب والسذّج والمتحمسين، بسبب انكفاء وتراجع المؤسسات الدينية الأصيلة التي كانت تقود الشارع الذي يجري وراء «القاعدة» الآن، فضلاً عن أن هذه المؤسسات لم تسلم من التأثر والانجرار إلى بعض أفكار «القاعدة».

دور ثقيل ينتظر من المرجعيات والقيادات الدينية التي تتمذهب «القاعدة» بنفس مذهبها، النهوض به، لصيانة أصالة الاعتدال في الأمة الإسلامية، يبدأ من التأصيل الديني السليم وتفكيك عقائد التنظيم، وينتهي بإقباره واستعادة الدور القيادي المنهوب منه. وإلا فعوضاً عن أن يترقب المسلمون مراسلات فكرية شريفة غنية كالتي حدثت بين السيد عبدالحسين شرف الدين وهو ابن حوزة النجف، والشيخ سليم البشري وهو ابن الأزهر الشريف قبل أكثر من 50 سنة، عليهم أن ينتظروا بيانات الاعتذار الملطخة بدماء الأبرياء.

إقرأ أيضا لـ "محمود الجزيري"

العدد 4131 - السبت 28 ديسمبر 2013م الموافق 25 صفر 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 7:31 ص

      عبود ربل

      احسنت بارك الله فيك...واصل

    • زائر 4 | 6:54 ص

      كل تفاصيل الجريمة التي شاهدها العالم من تنفيذ تنظم القتل و التدمير..

      و البعض لا يزال يضخ الأموال لدعم هذه التنظيمات التي لا يمر يوم لا ترتكب فيه جرية على مستوى العالم باسم الجهاد!؟؟

    • زائر 2 | 10:28 م

      عجبي على هذا الاعتذار

      هل يعقل بعد هذه الفعلة الشنيعة ان يقوم التنظيم بالاعتذار اقول اخر رزياهم هو قطع الرؤوس والعب بها ككرة قدم اي اسلام الذي يحتكمون اليه اي مذهب يأمرهم بذلك الفعل الشنيع وأقول مكافحة هذا الإرهاب يبدأ من بيئته الحاضنة وهي معروفة وغير ذلك سيتمدد بلاءهم للخارج العربي المحصور فيه حاليا

    • زائر 3 زائر 2 | 4:18 ص

      ويمدهم في طغيانهم يعمهون

      هؤلاء الارهابيين يدعون انتماءهم للاسلام والاسلم منهم برئ. لكن اللي يساندوهم يبشرون بعذاب الله يوم القيامة

اقرأ ايضاً