العدد 4134 - الثلثاء 31 ديسمبر 2013م الموافق 27 صفر 1435هـ

الطائفيون والمتمصلحون وراء الطائفية الشعبية

يعقوب سيادي comments [at] alwasatnews.com

.كاتب بحريني

ذكرنا في مقالتنا السابقة أن الانتماء المذهبي والمصلحي، هو لبّ المشكلة، ونعيد تناوله لأهمية علاج موضوعه. وكما ذكرنا أن مكوني المجتمع البحريني، جانب الحكومة والحكوميين من خارجها في جانب، والمعارضة في الجانب الآخر، في داخل كلٍّ منهما هناك مساحات لمجاميع مختلفة من حيث الانتماء الأيدلوجي، الفكري والديني بشتى مذاهبه وكذلك المَصلحي.

إلا إن للعقل حكماً، في أن كلا الطرفين الشعبيين، لا يستطيع أحدهما الاستئثار بالسلطة دون الآخر، فلكليهما وجود وقوة متقاربة، ولكن المؤسف أنهما تشاطرا العدد والقوة الشعبيين، مع أن الأصل هو الشعب الواحد، سواء كان داعماً لحكومته أو معارضاً لها. والعقل يحكم هنا أيضاً، بأن التمييز، سواء كان إيجابياً لطرف أو سلبياً لآخر، فهو خارج منطق العقل، والطرف الذي يناصر ذلك، غير عقلاني.

وقس على ذلك موضوعات الفساد وسرقات المال العام، وسوء إدارة الدولة ومواردها، بما أوصل الدين العام إلى مستوى الخطر، وما انسحب ذلك على معيشة المواطن، من البطالة وضعف الرواتب للغالبية، وأزمة الإسكان، في ظل الضغوطات المادية على المواطن من رسوم حكومية وشبه ضرائب، وقس على ذلك أيضاً الواقع السياسي والدستوري والنيابي والقانوني والحقوقي المتردي، تواكباً مع تمنُّع السلطة عن العمل على حل أسباب الأزمة السياسية والدستورية والاقتصادية والاجتماعية، التي عصفت بالمجتمع البحريني منذ فبراير 2011، واستمرت إلى اليوم، وغض الطرف عن أسبابها. وبدلاً عن ذلك انتهاج الحل الأمني، المشوب بالتجاوزات الحقوقية والقانونية والدستورية.

بالعقل المحايد، لا يُستغرب من الحكومات صبغ الحراك الشعبي المعارض لها بالطائفية، وتحريضها طوائف المجتمع على التضاد والكراهية، إلا أن العقل يستنكر الغرق شبه الشعبي في الطائفية نتيجة ذلك.

فللطائفية الشعبية صورها وأسبابها الوهمية، فهي ليست قائمة في صدور أغلب الناس، بل هي محشوة بها رؤوس فئة متمصلحة جراءها، وهي التي تجعلها «أم الخَضَر والليف»، لتخيف بها البسطاء من العامة. هذه الفئة المتمصلحة معروفةٌ بأسمائها، وهي التي مكنتها السلطات من تَصَدُّر مشهد الحوار الوطني في البحرين، لتقوم ولكن بأدواتها وبرامجها بالفرقة والتضاد بالنيابة.

والدليل على ذلك، ما تم انتهاجه في موضوعة الدوائر الانتخابية، التي بتقنينها وإدارتها، رسمت الحدود المستحيل تخطيها، من تمكين جمعية الوفاق من ستة عشر إلى ثمانية عشر مقعداً نيابياً، وذلك بمعيار يَبـِين منه مظهرياً عدم التمييز الطائفي ضد طائفتها وضد المعارضة، ولكن واقعه يؤكد عكس ذلك، من خلال الترتيبات التي انتهجتها السلطات لاستحالة تبوء أي معارض من خارج الوفاق لكرسي نيابي، كما حصل لمرشحي جمعية «وعد» الأربعة من الطائفة السنية، ليس لشيء سوى أنهم معارضون، وممنوع عليهم التوافق مع الطائفة الأخرى، ودخولهم المجلس النيابي، بما يعطي المعارضة أغلبيةً ما فوق العشرين مقابل ما دونها، وبذا تكون للمعارضة اليد الطولى في التشريع، وهو ما يجعل دخول عناصر الوفاق مفيداً للقرارات التشريعية الوطنية.

ولم يكن ذلك مبتغى السلطات، إذ أن مبتغاها، جعل الوفاق في مساحة محدودة، خروجها منها خطر عليها، وأخطر من ذلك بقاؤها منفردةً داخلها، كون السلطات تبتغي بقاءها لتنحسر شعبيتها، عبر عجزها عن إيقاف التعديات على المعارضة البحرينية، أو خروجها من أجل التحامل الرسمي عليها بأنها لا تشكر ولا تحمد، أما باقي النواب فيصدق فيهم وصف سعادة الوزيرة.

ولنأتِ إلى الشق الشعبي، المتكوّن من طائفتين مذهبيتين وليستا دينيتين، الشيعة والسنة، فالأولى بطبيعة التمييز ضدها فهي مجتمعة في المعارضة، والثانية، بحكم تمييزها الإيجابي، فهي منقسمة إلى عقلانيين في أكثريتها، ومَصْلـَحِيِّين في أقليتها، فالعقلانيون لا يقبلون التمييز سواءً لهم أو ضد الآخرين، أما المتمصلحون، فلا يفرق لديهم ذلك، أو أنه مرادهم.

ومن المتمصلحين، أولئك الطائفيون، الذين يصرخون ليل نهار، أنهم أغلبية شعب البحرين، ويشتكون عدم إشراكهم في الحراك الشعبي الذي انطلق في فبراير 2011، وكأن الحراكات الشعبية تحتاج بطاقة دعوة، لذا اتخذوا موقف معارضة المعارضة، إذ أنهم يكرهون وصفهم بالحكوميين، وغاب عنهم عقلهم أو غيّبوه، فلم يجدوا في مطالب الحراك مطلباً واحداً يشملهم، فمطلب المساواة والحرية للجميع، يستثنون أنفسهم منه، فهم لا يقبلون المساواة فيخسرون التمييز، ولا يقبلون الحرية لأنها مبتغى الآخر يناصفهم فيها، والصوت الانتخابي لكل مواطن، يعرفون خسارتهم إزاءه. ومحاربة الفساد والسرقات، لا يقرونها كمطلب، كون الآخرين سبقوهم إليه، أما المطالب المعيشية التي رفعوها ومَنّوا تابعيهم بتحقيقها، فلم يفلحوا فيها، لأنه غاب عن عقلهم أنها ستشمل الآخرين، وذكرتهم بذلك الحكومة في رفضها تحقيقها لهم، فلم يجد معارضو المعارضة مطلباً ينسبونه لأنفسهم، فاتبعوا المعيار الطائفي والمصلحي، بيدي لا بيد عمرو، وإلا فلا، واستعطفوا السلطات وتباكوا على أنهم حموها من مؤامرة المعارضة، فطالبوها بتثبيت المتطوّعين منهم في أعمال لا ترتقي لها كفاءاتهم، فلم تسمع لهم الحكومة، لأن ذلك يهدم بنية المؤسسات الحكومية، فيزيد ابتلاؤها. فلم يجدوا غير مطلب الحكومة المنتخبة، الذي ناصرتهم في رفضه الحكومة، فارتضوا رفضه وتمسكوا به، وعللوه خلافاً لتوافقهم مع الحكومة، أنهم يخشون استفراد المعارضة بها، وصبغوا المطلب بالطائفي.

وعوضاً عن ذلك، حاربوا واتهموا أبناء طائفتهم، ممن ناصروا عقلاً مطالب المعارضة، بالصفوية البائدة، وبالخيانة الوطنية، وكأن المعارضة حاربت جيوش الوطن بالسلاح جنباً إلى جنبٍ مع معتدٍ غاشم، اجتاح أرض الوطن.

لا بأس، فها أنتم منفردون في الحوار إزاء الحكومة، فاتركوا عنكم كل معارض، وهاتوا ما في جعبتكم من سقف مطالب شعبية أعلى من سقف المعارضة، وستجدوننا والمعارضة من مناصريكم، وفي العام الجديد كونوا من السباقين للخير العام.

إقرأ أيضا لـ "يعقوب سيادي"

العدد 4134 - الثلثاء 31 ديسمبر 2013م الموافق 27 صفر 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 19 | 1:16 م

      بوركت

      يا لها من مقالات مفحمه يجب أن تجمع وتصان . بارك الله فيك

    • زائر 17 | 12:31 م

      محمد

      مشكلة البحرين مافي قوة معارضة تدير الحوار ولو لفترة انتقالية غير الجمعيات المعروفة ؟ وهدي الجمعيات ما يعتمد عليه في شي ؟ ولو افترضنا ان هناك قوة تستطيع ان تحدث تغيير لواجهنا المشكلة الاكبر وهي ليست في تغيير ..........انما تغيير شعب المشاكل في الدولة مو جايه من اعلى سلطة انما جاية الموظفين الصغار وهم بحق صغار وتغييرهم غير ممكن اللا بغيير فهم وثقافة شعب والقبيح عندما يعتقد موظف انه يخشى الله ويقدر ما هو اصلح ويترك النظام المتبع والتعليمات ؟
      اقول قولي هدا واستغفر الله لي ولكم ايها المواطنون

    • زائر 16 | 4:46 ص

      ااا

      سيدي ماطرحته في المقال حق عدالم توظف المتطوعين اذهب إلى المدارس ستجدبطالة مقنعة موطفون يستلمون رواتب ولا عمل لهم ااستاذ ليس في المدارس بل في كل االمؤسسات الحكومية والخاصةإضافة إلى الأجانب بعدفصل الفئة المغضوب عليها

    • زائر 15 | 4:33 ص

      اسئله للموالاة

      مطالب المعارضه هي: 1- حكومه منتخبه2- دستور عقدي متفق عليه 3- قضاء نزيه4- برلمان كامل الصلاحيات 5-توزيع عادل للثروات 6- دوائر عادله7-رفض جميع انواع التمييز ... والسؤال الموجه للموالاه اين ال80% من هذه المطالب تتفقون فيها مع المعارضه وهل عندكم استعداد بان تحملوا ال80% الى السلطه وتلزمونها بتنفيذ مطالب الشعب وهل المطالب المذكورة غير مشروعه او مستحيله ثم اين برنامجكم السياسي ليطلع عليه الشعب الذي من الممكن ان يتفق معكم في نقاطه... لماذا لا تطرحونه حالكم حال المعارضه

    • زائر 14 | 3:42 ص

      الشعب

      الشعب سينتصر قريب على الظلام والايام بيننا والله ياخد الحق

    • زائر 12 | 2:24 ص

      ليس لديهم ما يقنع

      استاذنا الكريم ليس لديهم ما يقنع. لذا تجدهم كلما زادت نقاط المعارضة شعبيا ودوليا. زادوا هم في الصراخ والعويل بافتعال الفبركات الامنية وزيادة الوتيرة الطائفية ورمي المعارضة والطائفة الاخري كلها بالطائفية. دون احترام حتى من يعمل معهم من الطائفة الاخرى وبهذا يظهرون اعلى درجات الحقد عل الاخر وعل المعارضة المحتومة مدفوعين بالحقد تارة وبالاموال اخرى. واكثرها حقد وغل لن يبرأ منهم الا بازالتهم من الخارطة السياسية.

    • زائر 11 | 2:21 ص

      أهو ده اللي مش ممكن أبداً.. ولا أتوقع يصير أبداً.. ده مستحيل.. الريموت يميل..

      ها أنتم منفردون في الحوار إزاء الحكومة، فاتركوا عنكم كل معارض، وهاتوا ما في جعبتكم من سقف مطالب شعبية أعلى من سقف المعارضة ...

    • زائر 9 | 1:04 ص

      مقال رائع ولكن

      اخوي كل كلامك على العين والراس ماعدا ان الحكومة لم تستمع لمطالب الموالين لها في توظيف المتطوعين بل فعلت وذهبت الى ابعد من ذلك فصلت مئات واحلت مكانهم الذين لا يملكون الكفاءات ولا الموهلات وكل ذلك لتنشر الطائفية والحقد بين شقي المجتمع وكنوع من العقاب لمن يعارض الحكومة ويعبر عن رأيه ويطالب بحقه وينقل اي ظلم يعانيه....المشتكى لله...الله ياخذ الحق من الظالم...كل ظالم له يوم

    • زائر 8 | 11:55 م

      نعم .. أتفق معك ولكن.....

      نحتاج أن نقدم وأن نؤخر بمراجعة الأولويات...
      جميعنا نتفق على أن بيع الخمر حرام في ديننا الاسلامي ونحن بلد اسلامي.. أليس كذلك!!
      كما تعلم، مطلب الأغلبية العظمى من الشعب هو وقف بيع الخمور ...
      ألن يصلخ حالنا لو تحقق هذا المطلب؟
      1) ترابطنا سيقوى نحن السنة والشيعة..
      2) سنبعد الشيطان وأتباعه عنا.
      تكون بعدها الأجواء مؤاتية وبالتدرج يتم تحقيق المطالب الدنيوية.

    • زائر 7 | 11:47 م

      شكرا لك اخي العزيز

      توصيف موفق الى حد كبير..

    • زائر 6 | 11:19 م

      اصيل

      كل عام وانت بخير أستاذي الجليل تحليل رائع الله حفظكم الله خلف عمري

    • زائر 5 | 10:33 م

      معارضة المعارضه

      الموالاة ليس عندها برنامج سياسي الا معارضة المعارضة للتشويش والتمديد في الازمه لانها المستفيد الوحيد ونواب الفرصه الذهبيه بعد انسحاب الوفاق خير دليل على ذلك. يقولون انهم يتفقون على 80% من المطالب اذا كان كذلك هاتوا ال 80% المتفق عليها وشاركونا في الضغط على الحكومه لتنفيذها و نتحاور في ال 20% ويعني هذا اننا قطعنا 80% من الطريق

    • زائر 4 | 10:16 م

      الكاسر

      احسنت اخ سيادي
      بس تصحيح معلومة ذكرتها
      حيث ان جميع المتطوعين تم تثبيتهم في وظائف ليس اهلا لها

    • زائر 3 | 10:00 م

      سيدي الكاتب الشريف المسار هو الإيغال في الحل الأمني المتجاوز لحقوق الانسان

      العالم مشغول عنهم بسوريا وهنا استفراد باتهامات لا اساس لها من الصحة تجمع للصلاة هو تجمع غير مرخص اقتحام للبيوت دون مذكرات تفتيش تحقيق دون وجود المحامي اعترافات تحت التعذيب وهذا ما يقوله المتهمون تكون دليل إدانة وقسها على التصريحات الرسمية الكبير منها والصغير ونقول الألم كبير وفظيع ونحن مستمرين مع توقعنا إكمال حلقة اعتقال المتبقي من القادة السلميين وحل الجمعيات السياسية ووصفها بالإرهاب كما حصل مع جماعة الاخوان المسلمين ونعلنها لن يقف الحراك استاذنا

    • زائر 2 | 9:52 م

      ألقيت عليهم الحجة بعرض مطالب اعلى من مطالب المعارضة

      ولهم واقصد معارضة المعارضة السمع والطاعة ان استطاعوا تقديم مطالب ارفع سقفا من مطالب المعارضة الوطنية واستطاعوا تحقيقها وأقول ان حدث ذلك فسيكون في عيد البش

    • زائر 1 | 9:33 م

      كلامك عين الصواب

      المتمصلحون ينفذون المهام المنوطه بهم علي وزن نعم سيدي فلا غرابه ان يستخدمو كل الوسائل المتاحه لهم لتغذيه وشحن المكون الآخر وحتي لو تطلب لأمر دخول المشاحنات الطائفيه ،، سلمت بلادي منكم

اقرأ ايضاً