العدد 4151 - الجمعة 17 يناير 2014م الموافق 16 ربيع الاول 1435هـ

طفلة ضد الظلام

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

«أنا أكره هتلر»، صرخة دوَت في أجواء بحيرة صغيرة بألمانيا إبان الحكم النازي، لكنها هذه المرة دوّت من حنجرة وقلب طفلين صغيرين عرفا معنى طغيان «القائد» فكرهاه، وعرفا معنى حرمانهما من ذويهما بحجة حماية عرش هذا «القائد» فتمنيا زواله. وفي حين أن مشاعر الطفولة لا تكذب ولا تعرف التصنع، فإن هذه الصرخة خرجت مدوية بكل براءة وجمالية في مشهد يتكرر في واقع كثير من الدول التي تحكمها الديكتاتورية، لكنها هذه المرة كانت في مشهد من فيلم «the book theif».

الفيلم يتحدث عن طفلة بدأت حياتها مع أبوين جديدين بالتبني عندما بلغت التاسعة من عمرها، بعد أن قُتِل أبوها واختفت أمها بسبب أفكارهما الشيوعية في عهد الحكم النازي الذي عمد إلى إحراق الكتب في احتفالية حشّد لها جيداً، لكن الطفلة التي كانت بالكاد تعرف القراءة التي علمها إياها أبوها الجديد بالتبني من خلال قراءة كتاب كان بحوزتها سرقته من أحد حفاري القبور قبل مجيئها إلى هذه الأسرة في يوم مراسم دفن أخيها، وهو بعنوان «الدليل إلى حفر القبور»، هذه الفتاة سرقت أحد الكتب مجدداً قبل أن يحترق بعدما انفض الجمع من أمام تلك المحرقة، فشاهدتها زوجة المحافظ التي كتمت السر قبل أن تتعرف عليها عن قرب وتكون مصدر الكتب التي ستقرأها لاحقاً في مكتبة ابنها المختفي حين كانت توصل الملابس بعد أن تكويها والدتها بالتبني، إلى أن يكتشفها المحافظ ويطردها ويوقف التعامل مع والدتها.

«ليزل» التي تسرق الكتب أو «تستعيرها» من مكتبة بيت المحافظ عندما اشتدت الحرب العالمية الثانية، بهدف قراءتها للشاب اليهودي «ماكس» الذي تخبئه أسرتها الجديدة خوفاً من النازيين الذين لم يبقوا على يهودي يذكر، وهو الذي تعرض لوعكة صحية أودته في فراشه لأيام، تكون سبباً في نشر الأمل في قلوب أهالي منطقتها إبان الغارات الجوية التي تجعلهم يختبئون في أحد أقبية المنازل، فتبدأ بقراءة القصص لهم ونشر المبادئ التي كانت تريد، في محاولة لتبديد الخوف من قلوبهم بانشغالهم بأحداث تلك القصص، لتكون سبباً في إحياء أرواحهم كما كانت سبباً في إحياء روح «ماكس» اليهودي قبل أن يغادر منزلهم خوفاً عليهم من الاعتقال.

لم يمنع الفقد المتكرر «ليزيل» من استمرار قراءتها وتشبثها بإنسانيتها، فبعد فقدها لوالديها الحقيقيين وشقيقها، رحل عنها «ماكس» الذي كان لصيقاً بها يعلمها أسرار الحرية وأسرار الكتابة والتعبير عن الذات، وقد أهداها دفتراً هو عبارة عن كتاب «حياتي» لأدولف هتلر بعد أن صبغ صفحاته بالأبيض ومحا ما به من كتابة لتكتب فيه «ليزيل» قلبها ومشاعرها، قائلاً لها: «لن أرحل عنك، إذ ستجديني في كل كلمة تكتبينها، فاكتبي دائماً»، وفقدت والدها بالتبني بعد أن جاء خبر تجنيده وهو الذي كان يعزف على آلة الأكورديون لأهالي منطقته، وهم ينتظرون انتهاء الغارات فتسلمت هي مكانه ولكن بالقراءة التي تعشق وتؤمن بأنها الطريق إلى التغيير، قبل أن يعود مجدداً إليهم.

كان الموت هو راوي الفيلم وهو الذي كان يؤكد حرصه على الإنسان ربما أكثر من الإنسان نفسه، ولأن الموت هو السيد في تلك الفترة فقد أجاد مؤلف الرواية اختياره راوياً لأحداثها، وخصوصاً أنه كان يتململ من دوره أيضاً ومن ملاحقة الناس له، وكان يؤكد أن على الإنسان أن يختار لنفسه موتاً أنيقاً.

لم يكن الموت هو البطل في هذا الفيلم ولا الحرب كانت البطل، لكنها القيم الجميلة كالصداقة والمحبة والاهتمام بمعاناة الآخرين والتشبث بالمبادئ حتى آخر رمق، كل هذه الأخلاقيات كانت أبطالاً في القصة التي جسدتها طفلة ذات تسعة أعوام شاهدت جميع من حولها يموت في إحدى الغارات بما فيهم والديها الجديدان وصديقها الحميم وكل جيرانها لتنتشلها زوجة المحافظ مجدداً معلنة بدء حياة جديدة تكون سبباً لها في تأليف كثير من الكتب خلال التسعين عاماً التي عاشتها بعد ذلك برفقة أسرتها وبجانب صديقها ماكس الذي عاد إليها بعد انتهاء الحكم النازي.

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 4151 - الجمعة 17 يناير 2014م الموافق 16 ربيع الاول 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 1:22 ص

      الاطفال هم اصواتنا الصادقة

      الاطفال دائما يقولون ما لا نستطيع قوله لانهم غير محكومين بالخوف

    • زائر 1 | 12:47 ص

      شكله الفيلم جميل

      الفقرة الاولى في الفيلم مادري وين شايفنها :-p

اقرأ ايضاً