العدد 4168 - الإثنين 03 فبراير 2014م الموافق 03 ربيع الثاني 1435هـ

الخلاف السياسي والفجور في الخصومة

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

في إحدى زياراتي للبرلمان البريطاني، تابعت من مقاعد المتفرجين نقاشاً محتدماً بين حزبي الحكم والمعارضة، المحافظين والعمال. هندسة مجلس العموم عبارة عن مستطيل متدرج، حيث في الأسفل طاولة كبيرة قديمة يكون في طرفها رئيس الوزراء، وفي الطرف المقابل زعيم المعارضة، وعلى يمين رئيس الوزراء وفي الصف الأول للمدرج الوزراء، وعلى يمين زعيم حزب المعارضة وزراء الظل (هكذا يسمونهم في بريطانيا) تيمناً بالمساواة في المكانة والمسئولية بين الحزب الحاكم والحزب المعارض اللذين يتبادلان الحكم.

وكل من تابع جلسات البرلمان البريطاني، وهي متاحةٌ عبر قناة خاصة، يستغرب أحياناً حين يسمع التعليقات اللاذعة سواءً من رئيس الحكومة أو زعيم المعارضة أو النواب عموماً، بل والتصفير (بوووه) كتعبير عن الاستهجان لكلام ما.

لكنه وبعد انفضاض الجلسة، أخذني مضيفي النائب، إلى طاولة في شرفة مطعم البرلمان المطلة على نهر التايمز حيث التقيت بنواب من الأحزاب الثلاثة، المحافظين والعمال والديمقراطي، وكانوا يمزحون بحب، وكانوا لتوهم في جدال حاد. وعندما استفسرت عن ذلك، قالوا هذا شيء طبيعي، فالنقاش الحاد تعبيرٌ عن اختلاف إيجابي، واجتهاد للمصلحة العامة، وتبقى الصداقة والود قائمين، أي أن الاختلاف وحتى الخلافات الودية هي من طبيعة الحياة الحزبية الصحية في النظام الديمقراطي الحقيقي، سواءً كان ملكيا أو جمهورياً.

لكننا نلاحظ أنه في البلدان المتخلفة، حيث الديمقراطية الشكلية، وحيث هيمنة نخبة صغيرة ملكية أو جمهورية أو جملكية كأنظمتنا العربية، فإن التعددية الحزبية الشكلية فرضتها الضرورة، خصوصاً الضغوط الخارجية، ومن أجل الإيهام بالديمقراطية داخلياً وخارجياً. وفي هذه الحالة فإن الساند هو الخصومة ما بين الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة.

كما كان حال الحزب الوطني الحاكم في عصر حسني مبارك، والحزب الدستوري الحاكم في تونس بن علي، وكما هو سائدٌ اليوم في السودان وإلى حدٍّ ما الجزائر. وفي هذه البلدان هناك اندماج ما بين الدولة والحزب الحاكم والنخبة الحاكمة، وموارد الدولة وأجهزتها من الأمنية حتى الإعلامية، تُسخَّر لتأبيد الحزب الحاكم والنخبة الحاكمة والرئيس الحاكم، وتهميش المعارضة وإضعافها وتمزيقها، وزرع الخلافات فيما بينها. وأحياناً وفي ظل الحوار السياسي، تنجرّ أحزاب المعارضة إلى خصومات لا لزوم لها، مثل من يختلفون على اقتسام السمك وهو في البحر.

لكن الحالة الأسوأ هي الفجور السياسي، وهي حالة متقدمة في الأنظمة الاستبدادية فعلاً، الديمقراطية ادّعاءً. وللفجور السياسي تعبيراتٌ عديدة، وتجليات سياسية منها محاصرة أحزاب المعارضة بدءًا بضرب قاعدتها من خلال سياسات محكمة بالقمع والتهميش والتمييز والتجويع، لدفعها إلى الانفضاض من حول أحزاب المعارضة والتخلّي عن قناعاتها السياسية.

كما تتجلّى في إحباط أحزاب المعارضة وشيطنتها أمام الرأي العام وأمام جمهورها بالذات، وفبركة المؤامرات والمكائد، لإظهارها بمظهر المتآمر، بل ووصمها بالخيانة والتبعية للأجنبي، وتسقيط زعمائها وتحقيرهم، بل وقد يصل الأمر إلى وضع الكمائن الجنسية وغيرها لهم، وتحويل حياتهم إلى جحيم من خلال الملاحقة، وحتى المحاكمة والسجن والإبعاد، وإسقاط الجنسية.

وهناك وجهٌ آخر للفجور السياسي، وهو الدفع بالانشقاقات داخل أحزاب المعارضة، ودسّ العملاء في أوساطها، وقد يتخذ هؤلاء طرح شعارات ثورية متطرفة من أجل الإيهام والتغطية وغير ذلك.

في موازاة ذلك، فإن الدولة وأجهزتها تعمل على دعم أحزاب الموالاة وحتى فبركة أحزاب ومنظمات إن لزم الأمر، وتمكينها بمختلف الوسائل، ومن ذلك هندسة الدوائر الانتخابية لتناسبها، وتجنيد موظفي الدولة للتصويت لصالحها، ودعمها سياسياً ومادياً وإعلامياً حتى تستحوذ على أغلبية المقاعد البرلمانية، ثم القول إن هذه هي نتيجة العملية الديمقراطية، وأنهم أغلبية بإرادة الشعب.

كما تعمد الدولة إلى إيلاء مناصب وزارية وقيادية لقيادات وكوادر أحزاب الموالاة، وحتى محاباة مناطق نفوذ أحزاب الموالاة وقاعدتها الجماهيرية من خلال امتيازات في الخدمات والتوظيف وغيرها.

وهكذا يتجلى ذلك أكثر في ممارسة التمييز ضد الأغلبية وإعطاء الامتيازات للأقلية، وتسخير إمكانيات الدولة لتكريس هذا الواقع، وسدّ الطريق أمام أية إصلاحات أو تغييرات عميقة في النظام. والتجلي الثاني للفجور في الخصومة هو أن أحزاب الموالاة المفبركة تدخل في خصومة دائمة وشرسة مع أحزاب المعارضة، ليس بسبب قناعاتها، وإنما تنفيذاً للدور المرسوم لها من قبل السلطة، ولا تتورع عن استخدام كل المحرمات للإساءة إلى المعارضين، وعرقلة أي خلاف صحي ، بل لا تتورع عن المزايدة على النظام لقطع الطريق على أي توافق وطني.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 4168 - الإثنين 03 فبراير 2014م الموافق 03 ربيع الثاني 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 13 | 8:06 ص

      هؤلاء هم داعش في الصحافه

      هؤلاء لا يستطيعون أن ينمو إلا في هذه المستنقعات
      فهم غير قادرين على البقاء في مكانتهم في ظل ظروف نظيفة.

    • زائر 12 | 8:02 ص

      اختصرها

      الأعراب أشد كفرا ونفاقا

    • زائر 10 | 5:28 ص

      سنصبر

      سنصبر حتى تحقيق عدالة الله سبحانه وتعالى هو الي راح ياخد حقنا المسلوب صبرا ياشعبى

    • زائر 9 | 4:20 ص

      مقارنته غير عادله

      لا مجال للمقارنة بين الديمقراطيه المطبقة في أوربا و الديمقراطيه المشوه و المزيفة في الدول العربيه نحتاج يا عزيزي الى ثقافة و تعليم يؤهل المجتمع لذلك حتى تصل الى ما وصلوا اليه

    • زائر 6 | 1:33 ص

      هناك لا يعتبرون المطالبين بحقوقهم خونة ومجوس وصفويين

      اما هنا ففرق كبير ما ان تنطق بكلمة حقوق ومطالب حتى تصنّف ارهابيا وخائن وصاحب اجندات مجوسية وغيرها من الكلام الذي لا يعيره العالم اهتماما الا الساقطين في البحرين يرددونه من دون ان يعقلوه

    • زائر 5 | 12:42 ص

      كما تدين تدان

      مو حتى فى جهات تدعي معارضة وهي مواليه حتى النخاع بسبب حقدها وحسدها على عنصر و طرف تكيل له نبسا سمومها واضغانها كي تعزلها ولكن تسير القافلة للحياة وهم لا ولن يصلوا مبتغاهم

    • زائر 4 | 12:04 ص

      اين نحن منهم

      فعلا عقول تصنع دول وتعمر ها هؤلاء يريدون مصالح الشعب بلا خذلان او استقصاء احد

    • زائر 3 | 11:15 م

      عمق الديموقراطية

      ما ذكره الكاتب المحترم من تحربته فى زيارة البرلمان البريطانى، ذكره الملك فيصل الأول بعد زيارته لنفس البرلمان عام 1919. الوضع لم يتغير. اللاوعى الحضارى هو الذى يقود تصرفات الأفراد. هذا الوعى لم يؤسس عندنا. كلما إختلف شخص مع آخر فى رأى معنوى ليس ملموسا يعاديه و يتمنى قص رقتبه. لا داع للقلق فالوضع سيتغير بعد مليون سنة.

    • زائر 2 | 10:58 م

      تعلموا من الامام علي ان الخلاف ليس خصومه

      الامام علي لم يلاحق خصومه ولم يرفع سيفه الا اذا بدأ خصومه برفع السلاح كلنا يعلم كيف عامل السيدة عائشة بعد انتهاء المعركة بكل اجلال و كيف تأسف ويقال بكى لمقتل الزبير و كان يعتبر العطاء من بيت المال حق لخصومه و عيالهم و حتى عندما ضربه ابن ملجم و صى ان لا يطال العقاب غيره اذا توفي و كان ينوي العفو عنه اذا شفي كما يظهر من كلامه عليه السلام و رفض ان يمثل او تهان جثة قاتله بعد القصاص

    • زائر 1 | 10:27 م

      كأني عرفت تلك الدولة المقصودة

      ان عرفت الجواب وازيدك بان هذه الدولة وضعت تقريرا سريا لكي تكسر ظهر تلك الطائفة المستهدفة عبر استهدافها في شتى المجالات واستبدال شعبها بشعب اخر ونست افضالهم وخاصة تقرير المصير بذلك التصويت ومقابلة مندوب المنظمة الدولية لكي تستقل بلدهم وتكون حرة

اقرأ ايضاً