العدد 4168 - الإثنين 03 فبراير 2014م الموافق 03 ربيع الثاني 1435هـ

الثعالب ودغدغة التاريخ

محمد حميد السلمان comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

قال جبران، بأن الثعلب خرج من مكمنه ذات يوم عند شروق الشمس، فتطلع إلى ظله منذهلاً، وقال: سأتغذى اليوم جملاً، ثم مضى في سبيله يبحث طوال الصباح عن جمل، وعند الظهيرة تفرس الثعلب في ظله مجدداً وقال: إن فأرة واحدة تكفيني!

وهكذا يفعل بعض الثعالب اليوم، ولكن من باب التاريخ، وهم يحلمون بإسقاط الجمل صباحاً عندما يبدأون في شحذ أقلامهم وإسباغ نظرتهم الطائفية المقيتة على كافة حوادث التاريخ البعيد قبل القريب؛ فإن لم يستطيعوا ذلك في بداية الصباح فهم يكتفون في المساء بفأرةٍ واحدةٍ ولو كانت ميتةً، فهي تحرّك المياه في بركة التاريخ وإن كان بتموج مياهها أمام ناظر البعض المغيب عقله بسبب خضوعه لعملية كي الوعي لمدة ليست بالقليلة.

وقد برز مؤخراً، في خضم الأحداث، بعض هؤلاء، وإن كانوا قلة، فهم يحاولون دغدغة التاريخ من جوانب وخواصر عدة، أهمها الخاصرة الطائفية اتساقاً مع مرض الساحة السياسية اليوم في كل مكان، وهو «مرض جرثومة الطائفية». ولكننا لا نعني بكلمة «الدَّغدغةُ» فقط تلك المتعارف عليها بيننا بأنها حركة في الإبط أَو البطن أَو أخمص القدم تحدثُ انفعالاً معيناً من ضحك أو رعشة مفاجئة؛ بل القصد هنا في جانبها اللغوي الآخر وهو الأهم، فدغدغَ فلاناً بكلمة أي دغدغ عرضَه أو طعن بها في عرضه، وعابه وطعن في حسبه وأصله، أي تاريخه.

وهذا ما يحاول البعض مؤخراً فعله حين التصدي للكتابة في التاريخ، وهو فعل كتابي لا يخرج عن إطار «الدَّغدغة». وينسى أمثال هؤلاء أن من يتصدّى لهذا العلم الخطير، من أية فئة وفرقة أو ملة كان، لابد أن يتذكر قول المؤرخ العربي صاحب «تاريخ مروج الذهب»، أبو الحسن علي بن الحسين المسعودي، في إشارته لجنود العقل والجهل في الإنسان. وبما أننا في مجال استخدام التاريخ، ولو من باب الدَّغدغة، بمعنى «الطعن على الآخرين وفي حسبهم ونسبهم»، فلنذكر بعض جنود الجهل حين تتحكم فيمن يكتب، وهم خمسٌ وسبعون من الجند، نذكر منها فقط أخفها وهي: الخرق، المماكرة، التطاول، الباطل، الغباوة، الرياء، السفه، الإنكار، البغض، الإذاعة، الكذب، الحسد، الغدر، الحرص لغير الله، الحقد، الهوى، العداوة، الانتقام، الاغترار، العصبية.

فحين يُبتلى أي إنسان بمثل هذه الصفات من جنود الجهل، ويبدأ يكتب التاريخ، فلابد أن يسير في الطريق الذي رسمه لنفسه في حياته وفيما يكتب، مطيعاً لمن يُعينه على ذلك بدعم ما، أو أعطية دسمة، أو توفير مكانة بارزة له في المجتمع، وإن كانت مكانة الزبد على سطح المياه.

ومما يلفت النظر فيمن يتصدّى للكتابة في تاريخنا أنه دائماً ما يضع نصب عينيه قبل البدء بالكتابة، الموجهة، التنوع المذهبي في البلاد، لا ليرسخه ويدافع عنه من أجل تقوية اللحمة الوطنية التي ينشدها الوطنيون؛ بل للأسف، ليستخدم هذا التنوع في أغراض مشبوهة بعيداً عن الوقائع التاريخية والوثائق المتوافرة تحت الأرض، أو بين طيات المخطوطات والكتب، وقاعات المتاحف، وأهمها متحف البحرين الوطني.

نقول لأمثال هؤلاء، أنتم لا تكتبون عن «فرقة المكابيين اليهود»، ولا أنتم كتبة الدولة العثمانية في تطبيقها لقرارات تحريم سماع وجهة نظر الآخر المخالف لهم، أو حتى تدوينها في كتبهم بوثائق دامغة لا تقبل الجدل. بل تكتبون عن أحداث متجذّرة في التراب والطين بشواهد و»ساجات» القبور والأبنية الدينية في طبقات الأرض السحيقة لمئات القرون، أو على سطح التراب من شواهد لعشرات السنين. أدلة في مواقع جبّانة أبي عنبرة، ومسجد الخميس، وجزيرة سترة، وموقع سار، ومقبرة توبلي، وعالي، ودمستان، ودار كليب، وسماهيج، والمنامة، وغيرها. وليس الأمر في التاريخ يقف عند وجود مزرعة، أو صرمة، أو برمة، أو بركة، لشخص ما في منطقة، مما يعني أن عشيرته قد ملكتها أو تواجدت بها طوال التاريخ السحيق؟ وإلا لكانت عشائر أثرياء العرب اليوم في إمكانهم الإدعاء بملكية الأراضي البريطانية، أو الفرنسية، أو غيرها، لأنهم يملكون صرمات بها، وليس صرمة واحدة فقط، بل ويؤثرون على الاقتصاد الرأسمالي في هذه الدول وغيرها... فهل يصمد مثل هذا التفسير وإدعاء الرؤية النقدية التاريخية للأحداث؟

والمضحك المبكي فيما يكتبه البعض في التاريخ، أنهم عادةً ما يبدأون كلامهم بأن ما يُكتب يأتي لعرض «الحقائق من منطلق تاريخي بحت»! وعندما تقرأ ما كتبوا وتعرضه على الوثائق التاريخية تجده أبعد ما يكون عن المنطلق الذي تحدثوا عنه بعشرات الأميال. ثم، ليتهم يتمسكون بما يُعلن بأن الحقيقة التاريخية تعكس جميع الآراء والمذاهب مهما اختلفت، ويتركون نفس المساحة، ولا نقول أكبر، للرأي الآخر في كتبهم التي تخرج من المطابع برائحة حبر غريب على أنوف كل الطوائف على هذه الأرض التي استضافت الجميع بحبٍّ ومودة.

فالتاريخ لا يُكتب أحبتي بهذه العبارة الإنشائية التالية فقط دون دليل مادي ووثائقي على الأرض «وقد عاش جميع الناس وجميع الديانات على هذه الأرض في تآلف وتآخي ومحبة». فكيف يعلم أي كاتب بهذا الإجمال الكلي دون استثناء؟ وهل يلتزم هؤلاء بما يتحدثون عنه من تآخٍ ومحبةٍ وتآلفٍ في استخدام كافة المصادر والمراجع من كلا الفريقين لإثبات أي حقيقة أو قضية مختلف عليها في تاريخنا؟ وإلا لماذا يحاول البعض منهم جرف التربة الراسخة في القدم وتحت طين وصخور هذه الأرض من تحت أقدام إخوته في الدين والوطن لمجرد أنه مختلفٌ معهم آنياً سياسياً؟ سؤال لابد أن يوجهه لنفسه بعض من يسترزق بكتابة التاريخ بظلّ الثعلب في آخر النهار، حين يلج في غياهب بحر التاريخ بسفائن عاجزة وبمجاديف وصواري متآكلة... وللحكاية بقية.

إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"

العدد 4168 - الإثنين 03 فبراير 2014م الموافق 03 ربيع الثاني 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 6:58 ص

      من هو الثعلب الحقيقي

      من هو في نظرك يا استاذنا العزيز؟؟

    • زائر 6 | 6:33 ص

      حكاية الف ليلة وليلة

      نبي نعرف من الي شوه التاريخ وحرفه ولعب فيه؟؟ مو الي حاول تناسي عظمة تاريخ المساجد في البحرين عبر هدمهم؟؟

    • زائر 4 | 5:45 ص

      تعودو

      تعودو على الشر لان بطونهم متغدية من اموال الحرام فمستحيل ينطقون بالخير وبطونهم مليانه حرام المشتكى لله

    • زائر 3 | 5:28 ص

      يا غريب كن أديب

      الواحد ميرده الا اصله فينطبق عليهم يا غريب كن أديب

    • زائر 1 | 10:37 م

      انهم مرضى والمضحك جذورهم وأصولهم تمت لدولة يشتمونها ليل نهار

      الشواهد كثيرة لإصالة هذا الوطن لكنه الحقد المعشش فكيف تحترم شخص يتنكر لأصوله ويهاجم دولته الام بشتمها والتبراء منها فهل يجب ان احترامه

اقرأ ايضاً