العدد 4186 - الجمعة 21 فبراير 2014م الموافق 21 ربيع الثاني 1435هـ

الكرامة الإنسانية

محمد عباس علي comments [at] alwasatnews.com

عضو سابق في مجلس بلدي المحرق

خلال عهود الرق والعبودية، كان يُؤخذ كثيرٌ من الناس قهراً وغدراً من أفريقيا، القارة السمراء، إلى أماكن كثيرة في العالم، ومن بينها خور دمبر شمال جزيرة القسيس سايمن St. Simon»s Island على الساحل الشرقي من ولاية جورجيا بالولايات المتحدة الأميركية، حيث شكلت هذه المنطقة محطة يجلب لها ويؤخذ منها العبيد.


وفي أحد المرات جلبوا ثمانية عشر رجلاً من قبيلة «إبو» Ibo tribe من القارة السمراء، وذلك بطوع إرادتهم، حيث وعدوا بأنهم سيُؤخذون إلى الولايات المتحدة الأميركية للعمل بأجور وليس كعبيد. ولكن عند وصولهم إلى جزيرة القسيس سايمن، اكتشفوا بأنهم خُدعوا وأنهم سوف يتم بيعهم كعبيد.


وعليه فقد آثروا جميعهم الموت، على العيش كعبيد، فقيّدوا أنفسهم جميعاً بسلاسل وقفزوا في المياه الغزيرة، وهم يردّدون كلمات بلغتهم الأفريقية قبل أن يغرقوا جميعاً (التي مازال يردّدها الكثير ممن يزور تلك المنطقة التي قضوا فيها ليحيوا ذكراهم! وترجمت إلى اللغة الانجليزية تحت مسمى «أغنية إبو» (Ibo Landing song)، وهم يقولون: «نعم أتوق للحرية، الحرية، الحرية... وقبل أن أصبح عبداً، سأدفن في قبري وسألاقي الربّ وأصبح حراً».


لن أخوض في هذه العجالة (وفق أي منظور سواءً عقائدياً أو سواه) فيما يخص بمدى صحة أم خطأً القرار الذي اتخذه أفراد قبيلة إبو الأفريقية بالانتحار الجماعي بدلاً من الخضوع عنوةً للرق والاستعباد، ولكنه من المؤكد قرارٌ مفصلي وحاسم، ويحمل في طيّاته الكثير من المعاني البليغة والرافضة لسحق كرامتهم وسلب إرادتهم كبشر. كما أنه يدلل وبكل وضوح بأن الشعوب بمختلف ألوانها وأعراقها وفي شتى بقاع المعمورة، ولو كانوا مغلوبين على أمرهم بالقوة، فهم يرفضون الذل والاستعباد وسحق كرامتهم، وما عمله أفراد قبيلة إبو الأفريقية، حين غدر بهم وقلت حيلتهم، ما هو إلا تعبيرٌ صارخٌ عن رفضهم للسخرة وسحق كرامتهم. فهذه الكرامة ليست هبةً أو منحةً من أنظمة أو حكام، بل عطيةٌ نفيسةٌ من الخالق سبحانه وتعالى، وعليه وجب الحفاظ عليها وصونها، حيث قال عز وجل: «ولقد كرَّمنا بني آدمَ وحملناهُمْ في البرِّ والبحرِ ورزقناهُمْ من الطيِّباتِ وفضَّلناهُمْ علَىٰ كثيرٍ مِمَّنْ خلقنا تْفضيلاً» (الإسراء، 70).


من الواضح أن البشرية قد خطت خطوات بعيدة وكبيرة في سبيل تجريم الرقّ بشتى صوره، وإعطاء فئات المجتمع، وخصوصاً المحرومة منها، فرص العيش بكرامة من خلال سنّ القوانين، وتطبيق مبادئ الديمقراطية الحقيقية على أرض الواقع، مثل المساواة والشفافية، وإتاحة الفرص أمام الجميع للإسهام في بناء أوطانهم، وذلك بتسخير طاقاتهم الكبيرة لخدمة مجتمعاتهم، بل والإسهام ما أمكن في تطوير ركب الحضارة الإنسانية، من خلال ما تتفتق عنه أذهانهم من إبداعات في مختلف مناحي الأنشطة والمعرفة الإنسانية.


بلا شك أن البشر في شتى بقاع المعمورة لهم طرقهم الخاصة في التعبير عن امتعاضهم، بل ورفضهم القاطع لجميع أشكال الحطّ من الكرامة الإنسانية التي تقرها الدساتير المحلية، فضلاً عن المواثيق والمعاهدات العالمية، كالحجر عليهم من المطالبة بأبسط حقوقهم المختلفة المشروعة.

فمن الطرق المشروعة والحضارية والمتفق عليها في جميع دول العالم، الخروج في مسيرات سلمية، تطالب بالحقوق المسلوبة وبتحقيق تطلعات الشعوب المشروعة.


وشعب البحرين المتطلع لتحقيق العدالة الاجتماعية، وتطبيق أسس الديمقراطية الحقيقية، اختار النهج السلمي للتعبير عن رفضه القاطع للنيل من كرامته.

وما المسيرات الضخمة التي تمتد لعدة كيلومترات، على مسارين كبيرين في أكبر شوارع بلدنا الحبيب، والتي قلّ نظيرها، ليس فقط في الدول العربية الأخرى بل في مختلف بلدان العالم، حيث النسبة والتناسب مع عدد السكان، هي بمثابة استفتاء شعبي واضح الدلالة على تطلعات هذا الشعب العربي المسلم المسالم المحب لوطنه.


لقد أثبت شعب البحرين المتحضر، والمتعطش للحرية وتطبيق الديمقراطية الحقيقية، وعلى مدى أعوام عديدة، أنه حدّد بوصلته، وبلور أهداف مطالبه المحقة. كما أنه يختزن في ذاكرته جميع التجارب المؤلمة التي حاولت الالتفاف على مطالبه الحقة. لذلك، فهو يقول وبصوتٍ عالٍ، من خلال وسائل التعبير السلمية، أنه يتطلع إلى العدالة والمساواة، وتطبيق أسس الديمقراطية الحقيقية: صوت لكل مواطن، ومجلس برلماني كامل الصلاحية، وقضاء مستقل، وأمن للجميع، وحكومة منتخبة، والتطبيق الحقيقي لتوصيات لجنة تقصي «بسيوني»، ومعالجة التجنيس السياسي المدمّر للوطن بأسره، إلى آخره من مطالب وُثّقت وقُدّمت مؤخراً لسمو ولي العهد.


إن شعب البحرين المخلص والحريص على رفعة وطنه، يتطلع إلى العيش بكرامة، ويرفض قطعياً حياة الذل والهوان. وفي هذا رفعةٌ للحاكم والشعب على حد سواء.

ويتطلب ذلك إرساء ثقافة مبنية على أن الإنسان مكرّمٌ، وله حقوق وعليه واجبات متفق عليها. على أن تطوى الصفحات القاتمة والتي نخرت في عضد الشعب المعطاء، وأساءت للوطن. فعلى سبيل المثال لا الحصر، خروج برامج إعلامية رسمية وشبه رسمية مسيئة لوطننا الحبيب، وللسلطة في المقام الأول، وبكل المقاييس الدولية والإنسانية، والتي وصلت ذروتها منذ فرض «السلامة الوطنية»، ضمن البرامج الممنهجة لـ «حفلة الزار» على كل من طالب ويطالب بحقوقه الأساسية، الإنسانية والسياسية والاجتماعية، في بلدنا الحبيب بمختلف صورها، المكتوبة والمسموعة والمرئية ومن خلال شبكات التواصل الاجتماعي تستنكر كل من حصل أو استفاد من بعض حقوقه الأساسية من خدمات إسكانية، كوحدة سكنية، أو بعثة دراسية، بأن تكون هذه الاستفادة، رادعاً لهم بعدم مطالبتهم بحقوقهم الأساسية.

أليس هذا هو منطق العبودية لبني البشر؟ فهل يقبل الأسوياء من البشر مثل هذا المنطق؟


بلا شك، إن إرساء أسس الديمقراطية الحقيقية وصون كرامة المواطنين، كلها عوامل ستسهم في حفظ وطننا الغالي وترفع من شأنه على جميع الأصعدة.

إقرأ أيضا لـ "محمد عباس علي"

العدد 4186 - الجمعة 21 فبراير 2014م الموافق 21 ربيع الثاني 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 4:55 ص

      صمود يا شعب البحرين

      وإنشاء الله منصورين

    • زائر 7 | 4:42 ص

      جميل

      جميل جدا دكتور -- وسام

    • زائر 5 | 11:10 م

      البشرة ليست المعيار

      من المؤكد ان لون الشرة ليس المعيار الذي يصمف على اساسه الناس بين عبيد واجرار. ان العبودية خي نوع كن الخنوع والهوان.

اقرأ ايضاً