العدد 4201 - السبت 08 مارس 2014م الموافق 07 جمادى الأولى 1435هـ

هل يشعل التجديد لبوتفليقة ثورة الجزائر الثانية؟

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

عبدالعزيز بوتفليقة، الضابط في جيش التحرير الجزائري، هو أصغر وزير في دولة الاستقلال 15 يناير 1962 (25 عاماً) كوزير للشباب والرياضة والسياحة، ثم بعدها بسنة وزيراً للخارجية في عهد الرئيس الراحل أحمد بن بيللا، لكنه كان ضمن قيادة الانقلابيين بزعامة هواري بومدين (القيادي الغامض في جيش التحرير الجزائري ووزير الدفاع حينها).

وقد كافأه بومدين بانتخابه في اللجنة المركزية لجبهة التحرير الوطني الجزائرية، وضمه لمجلس قيادة الثورة. وقد ظلّ في مناصبه طوال عهد بومدين والذي امتد من الانقلاب في 19 يونيو 1965 حتى وفاته في 27 ديسمبر 1978، وكان يطمح لخلافة بومدين وتسنّم الرئاسة، ولكن كان للجيش قرارٌ آخر، إذ اختار رئيس كلية الأركان الشاذلي بن جديد كمرشّحٍ للرئاسة، وبالطبع فاز دون منافسة.

وبعد فترة من الاستقرار النسبي، عصفت بالجزائر رياحٌ هوجاء، ودخلت أتون الحرب الأهلية لتطيح بأكثر من رئيس، أما استقالةً أو اغتيالاً، حتى تسيّد الجيش المشهد واستدعي بوتفليقة من منفاه الاختياري في أبوظبي (1978 – 1998)، ليخوض الانتخابات مدعوماً فعلاً بالجيش، ورسمياً بجناح من حزب جبهة التحرير الوطني الجزائرية.

وفي غمار الحملة الانتخابية جرت الضغوط وانسحب معظم منافسيه الجديين، ليصل إلى الرئاسة تحت شعار عودة الوئام والمصالحة بين الجزائريين وتعزيز الديمقراطية، ولكن كغالبية «الجملكيات» العربية، تمسّك بالكرسي بقوة، وتتابعت فترات رئاسته الخماسية السنين في أبريل 1999، وفبراير 2004 وأبريل 2009، حتى أصبح رجلاً هرِماً ومحاطاً بالحاشية المتمصلحة، وخلفه المؤسسة العسكرية والأمنية التي توسّعت وتعمّقت مصالحها.

وقد تطلب الأمر إحداث انقلاب في حزب جبهة التحرير الوطني، لتصل إلى القمة قيادةٌ مستأنسة، تطرح وتتبنى ترشيح بوتفليقة للرئاسة مجدّداً في الانتخابات المقررة في 17 أبريل 2014، رغم أنه خرج للتو من أزمةٍ صحيةٍ تسببت في شلل دماغي جزئي، عُولج بسببه لأشهر في المستشفى العسكري بباريس، لكن النخبة الحاكمة مصرّةٌ على انتخابه لدورة رابعة، بعد أن تم تعديل الدستور في نهاية فترة رئاسته الثانية، والذي كان يحصر الرئاسة بحيث لا تتجاوز دورتين، وأضحت بذلك مفتوحة لبوتفليقة حتى يقضى الله أمراً كان مفعولاً.

ترشح بوتفليقة واجه منافسة محدودة في الدورات الثلاث الماضية، ونجح من خلال تكريس إمكانيات الدولة وأجهزتها، خصوصاً العسكرية والأمنية وأحزاب السلطة، لكنه يُواجَهُ هذه المرة بتحدٍ لا سابق له، ومعطيات جديدة، فهو يتقدم لدورة رابعة وهو معتل الصحة، مع التشكيك في قدراته على قيادة البلاد في هذه الحالة، ما يضع شكوكاً قويةً حول صوابية هذا الخيار، وأهداف داعمي الترشيح. كما أنه يأتي في ظل ثلاث سنوات من الربيع العربي الذي انطلق من تونس الخضراء، حيث اجتاح الوطن العربي من أقصى المغرب حتى البحرين في اقصى الخليج. وقد واجهت الجزائر إرهاصات الربيع العربي، حيث شهدت موجة تظاهرات واحتجاجات مطالبة بالإصلاح الحقيقي، ولكن الأمن الجزائري قضى عليها بفظاظة.

كما أن الجزائريين لايزالون يعانون من عقدة الحرب الأهلية، ولذلك يتجنبون المواجهة العنيفة مع قوات الدولة. ومن جانب آخر، استفادت الدولة من كون المتصدّرين للحركة هم من الأمازيغ، جبهة القوى الاشتراكية وغيرها، والمجتمع المدني، لتواجههم بالتيار القومي الإسلامي الجزائري، وهكذا أجهض الحراك في مهده.

لكن ترشيح بوتفليقة للرئاسة للمرة الرابعة، بدعمٍ من المؤسسة العسكرية والقوى النفعية، يُواجَه هذه المرة بمعارضةٍ جدية، من قبل العديد من القوى الإسلامية والديمقراطية ومنظمات المجتمع المدني. ويتصدر القيادي في جبهة القوى الاشتراكية المحامي مصطفى بوشاشي والرئيس السابق للرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان، حراك المجتمع المدني. وإذا نجح هذا الائتلاف في تشكيل جبهة متماسكة، ونزل إلى الشارع بقوة، خلال هذين الشهرين، فإن ذلك نذيرٌ بثورةٍ جديدة ولكن سلمية هذه الثورة، لتعيد للثورة الجزائرية الأولى اعتبارها، كونها ثورة شعب للتحرر من الاستعمار الفرنسي البغيض، وبناء دولة المواطن الحر. لكن ذلك الحلم لم يطل وجرى الانقلاب على حكومة الثورة بقيادة أحمد بن بيللا بعد ثلاث سنوات فقط، ليتأسس نظام تسلطي تحت يافطة «جمهورية الجزائر الديمقراطية الشعبية»، التي تتبنى الاشتراكية لتؤسس لرأسمالية الدولة، وسلطة الحزب الواحد، رغم مواقفها القومية تجاه القضايا العربية وفي مقدمتها الثورة الفلسطينية.

التجديد لبوتفليقة، أو إجباره على عدم التجديد، هو عنوان معركة الجزائر اليوم، وعليها سيترتب مستقبل الجزائر لسنوات، فإما أن يكرّس حكم النخبة المتسلّطة، أو يتم التأسيس للجمهورية الثانية، جمهورية ديمقراطية حرة وعادلة لجميع أبنائها.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 4201 - السبت 08 مارس 2014م الموافق 07 جمادى الأولى 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً