العدد 4217 - الإثنين 24 مارس 2014م الموافق 23 جمادى الأولى 1435هـ

من باب البحر إلى باب البحرين

سليم مصطفى بودبوس slim.boudabous [at] alwasatnews.com

-

مثّلت زيارة رئيس الحكومة المؤقتة في الجمهورية التونسية إلى مملكة البحرين الأربعاء الماضي مسك الختام لجولة خليجيّة سعى من خلالها المهدي جمعة والوفد المرافق له إلى التعريف بالإمكانيات والفرص الاستثمارية الواعدة المتوفرة في تونس، قصد إقناع رجال الأعمال الخليجيين بتطوير استثماراتهم في تونس خصوصاً بعد استقرار الوضع الاجتماعي وتحسن الوضع الأمني بضرب بؤر الإرهاب وتفكيك شبكاته والخروج من المأزق السياسي بالمصادقة على الدستور، وبدء الاستعداد للانتخابات التشريعية والرئاسية.

ولئن تميزت هذه الزيارة بجانبها العملي المباشر، فإنها لا تحجب مستوى العلاقات الأخوية بين الشعبين الشقيقين في كل من درة الخليج (البحرين) ودرة المتوسّط (تونس)؛ إذْ أنّ ما يجمع بين البلدين أكثر بكثير مما يباعد بينهما. ولئن قست الجغرافيا على هذين الشعبين بحكم بعد المسافة بينهما وعدم وجود خط جوي مباشر إلى حد الآن يربط بينهما، وهو أحد المطالب الملحة للمستثمرين خصوصاً وكافة أبناء البحرين وتونس عموماً، فإنّ تاريخاً عربياً إسلامياً حافلاً بالمحطات المشتركة، ولغة عربية فصحى تحكي عمق الأواصر بين الشعبين، كفيلان بأن يحفظا لأبناء العلاء بن الحضرمي وعقبة بن نافع وهج العلاقة الحميمية بينهما. غير أن ما ذكرته يجمع أيضاً بين كل الدول العربية الإسلامية، لذا فإنّ تركيزي هنا وبحكم إقامتي في البحرين واتصالي بأبنائها الطيبين، سيكون على بعض المميزات الخصوصية المشتركة، وذلك في شكل ملاحظات تقوم على المقارنة كالتي يكتبها أدباء الرحلة.

بادئ ذي بدء، لفتت انتباهي هذه الصدفة الغريبة في تسمية باب البحرين في المنامة وباب بحر في تونس العاصمة، أو بعض المدن الكبرى الأخرى في تونس؛ فكلما دخلت باب البحرين وتجوّلت في أنهج المنامة القديمة وأسواقها العامرة إلا تذكرت عبق «الأسواق» في «المدينة العربية» بتونس العاصمة. كما أنّي كلما خرجت منها وأشرفت على المباني الشاهقة في شارع الحبيب بورقيبة والمحلات التجارية والسكنية والمركبات السياحية، إلا تذكرت خروجي من باب البحرين وأنا أطلّ على المرفأ المالي والفنادق المنتشرة ومؤسسات الاتصال وغيرها.

دعك من هذه الصدفة الغريبة وانظر معي في طبيعة أهل البلدين تجدهما يشتركان في رفضهما لكل مظاهر الإرهاب والتطرف وإدانتهما لكل أعمال العنف. إنّ أهل البحرين قد وجدتهم، كما أهل تونس، أميَل إلى الحوار، يحكّمون العقل ويُعلون صوت الحكمة لتجاوز الصعوبات والخروج من الملمّات بأخفّ الأضرار، والشيء من مأتاه لا يستغرب.

أمّا في ما يتعلق بعلاقة أهل البلدين بالآخر، فإنّ الطبيعة الساحلية وإطلالة البلدين على البحر من جهات عديدة جعلتا كلاً من تونس والبحرين منفتحتين على الآخر منذ أقدم العصور؛ فلقد مرّت تونس كما البحرين، بحضارات عديدة وعرفت أدياناً شتّى أثّرت عميقاً في نحت شخصية الإنسان وتطبعه بطباع التسامح، بحيث يقبل العيش مع الآخر ويتقاسم معه الوطن الذي يغدو فوق كل اعتبار، بل تذوب فيه كل الاعتبارات الأخرى التي يمكن أن تفرق بين أبناء الشعب الواحد. إنّه لا ينقص أهل تونس سوى التعرّف عن قرب على طيبة أهل البحرين حتى تزول بعض الأحكام المسبقة التي يتناقلها هذا أو ذاك، كما لا ينقص أهل البحرين سوى الذهاب إلى تونس لاكتشاف سحر هذا البلد على امتداد الفصول الأربعة والاستمتاع بمختلف أشكال الخدمات الممكنة من سياحة واستجمام، إلى صحة ونقاهة أو رياضة وترفيه أو ثقافة وتعليم.

لاشكّ أنّ كلا البلدين في حاجة ماسّة إلى تقوية نسق التبادل التجاري وتعزيز التعاون الاقتصادي، لكنّي أزعم أنّ الشعبين، البحريني والتونسي على حدّ السواء، يأملان في مزيدٍ من أشكال التعاون والتبادل، وخصوصاً على المستويين الثقافي والعلمي والسياحي، فالبحرين كما تونس تزخر بالطاقات الإبداعية في المسرح والموسيقى والفنون التشكيلية والنحت والنقد وغيرها... وإنّي لا أنسى حرص صديقٍ لي بتونس، صاحب محل لبيع الكتب والمجلات، على أن أزوّده ببعض العيّنات من المجلات الصادرة في البحرين لعلمه بما تتوفر عليه الساحة البحرينية من نشاط ثقافي ونقديّ. كما لا أنسى حرص صديق بحرينيّ لي على متابعة مؤلفات أحد أعمدة الفكر والنقد في تونس الدكتور والمفكر هشام جعيّط، وحين استوفى قراءة كتبه التفت إلى الكاتبة الصاعد نجمها اليوم في تونس ألفة يوسف.

إنّ تاريخاً طويلاً من الاحترام المتبادل يربط تونس بدول الخليج، ولك أنْ تنظرَ إلى العلاقة بين تونس والبحرين مثلاً، لِتجد مصداق ما نقوله: خذ على سبيل المثال جولة الشيخ المصلح عبد العزيز الثعالبي الزعيم والمناضل والمفكر التونسي، في عشرينيات القرن الماضي إلى الخليج العربي، وكيف خصّ خلالها البحرين بزيارة تاريخية تحدّث عنها الأكاديمي إبراهيم عبد الله غلوم بإفاضة في كتابه «الثقافة وإنتاج الديمقراطية» (2002)؛ حيث استعرض علاقات التعاون بين الدولة الحُسينية في تونس ودول الخليج في القرن التاسع عشر، مستدلاّ بها على متانة أواصر التعاون بين مشرق العالم العربي ومغربه.

إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"

العدد 4217 - الإثنين 24 مارس 2014م الموافق 23 جمادى الأولى 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 12:19 ص

      شكرا

      جزاك الله خير مقال جيد يقرب المسافات بأسلوب لطيف يلمس الألباب
      وفقك الله
      تحياتي

    • زائر 5 | 6:38 ص

      شكرا

      مقالة رائعة، أعجبتني جدًّا،

    • زائر 4 | 3:43 ص

      صدقت نفيد ونستفيد

      لاشكّ أنّ كلا البلدين في حاجة ماسّة إلى تقوية نسق التبادل التجاري وتعزيز التعاون الاقتصادي، لكنّي أزعم أنّ الشعبين، البحريني والتونسي على حدّ السواء، يأملان في مزيدٍ من أشكال التعاون والتبادل، وخصوصاً على المستويين الثقافي والعلمي والسياحي، فالبحرين كما تونس تزخر بالطاقات الإبداعية في المسرح والموسيقى والفنون التشكيلية والنحت والنقد وغيرها

    • زائر 3 | 1:39 ص

      المقالة ليست رائعة فحسب

      المقالة ليست رائعة فحسب بل من اجل المقالات التي قراتها والله يدوم المحبة بين تونس الشقيقة والبحرين الغالية - والله انك ابدعت ثم ابدعت ثم ابدعت في مقالتك والمقارنة رائعة الى ابعد الحدود - اعبت كثيرا باختيارك المتميز لعنوان المقالة- هذه المقالة سوف تلقى صدى كبير القراء وهي نجاح من نجاحاتك - الله يوفقك لزرع المحبة بين تونس درة المتوسط ودرة الخليج - انتظر المزيد من المقالات الطيبة - تحياتي اخوك عادل

    • زائر 2 | 2:32 م

      والله رائع

      شكرا على هذه التحفة الصحفية الصباحية

    • زائر 1 | 12:14 ص

      من باب البحر إلى باب البحرين

      جميل ، موضوع يؤكد عمق الروابط الأخوية

اقرأ ايضاً