العدد 4219 - الأربعاء 26 مارس 2014م الموافق 25 جمادى الأولى 1435هـ

ما كان مُحرَّماً بالأمس صار من الأولويات

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

لم يعد بالإمكان اللعب على عواطف الناس والكذب عليهم لسبب بسيط: أن مصادر الوعي والمعرفة اليوم لم تعد كما كانت بالأمس، يُضاف إلى ذلك أن العالم من حولنا متحرك وإن بقينا كالخشب المسنّدة والتماثيل؛ لكن أثر ذلك التحرك والحراك من حولنا لابد أن يعمل عمله في تحريك ما نظنّ أنه ثابتٌ وراسخٌ ولا يمكن زحزحته.

ما مناسبة هذا الكلام؟ لا نحتاج إلى مناسبة لأن الخزي والجمود والموت المؤجّل في هذا الواقع الرديء يتجاوز المناسبة بمراحل. فهل ثمة مناسبة مأساة كالتي نعايش ونشهد؟

قبل سنوات كان تصوّر حقوق مُصادرة يتم إقرارها نوعاً من الوهم والمرض والتخيّل. وبعض الذين نبحوا ونعقوا لمجرد المطالبة بتلك الحقوق، صاروا اليوم أول المدافعين عنها والمتكالبين على الحصول عليها؛ مستفيدين من قدرتهم على التلوّن وموهبتهم في الفساد والتقلّب في المواقف، وهم أنفسهم من وصفوا أصحاب المطالب في فترةٍ لا تخفى تفاصيلها على الجميع، بالإرهاب والغدر والخيانة. التهم هي هي، وترصّدها لم يتغيّر تبعاً للتحوّلات والمصالح التي يمكن أن تتمخّض عنها.

الحقوق والمطالبات لا تتوقف في أي مجتمع بشري من المفترض أنه يتأثر ويؤثر في حال الحركة والتطور من حوله. يحدث ذلك في المجتمعات التي دفعت أثماناً باهظة في سبيل نيل تلك الحقوق، وعلى الضفة الأخرى من تلك المجتمعات ثمة متفرجون وانتهازيون وفاشلون أيضاً يريدون انتظار الآخرين قطف الثمار كي يشاركوهم إياها، وليس غريباً إذا تم اختطاف وسرقة تلك الثمار كلها وهو ما حدث من قبل.

تحدث تراجعات في إقرار جزء من تلك الحقوق، وأحياناً يحدث انقلابٌ عليها وكأنها لم تكن، وعلى الناس هنا، تجنّباً للفتن ما ظهر منها وما بطن، أن يكونوا بمنأى عمّا يخلخل تلك التراجعات.

وكما إنه ليس سهلاً اللعب على عواطف الناس والكذب عليهم، ليس مضموناً أن تكون الآلة التي تتوهَّم إمكانية تحجيمهم وجعلهم يتراجعون بما تتيحه من إمكانات قمع وإرهاب لهم، القيام بدورها بما يضمن صمت الناس وقبولهم بواقع استلابهم وجعلهم ينسجمون مع كل مرحلة يتم فيها فرض شكل ومضمون الحياة، إذا صح أن يطلق عليها مسمّى حياة!

ما كان محرّماً بالأمس، ويعدّ نوعاً من الجنون بالالتفات إليه، وعيْشاً خارج الزمن، بات اليوم من الأولويات التي لا تحتاج إلى ذاكرة في أقصى درجات حضورها واتقادها، لأنه جزءٌ من الحياة ولا تستقيم من دونه. كل ما يمسّ حقوق الناس، ويمهّد لعيش فيه كرامتهم وعزتهم ويفتح لهم أبواباً وآفاقاً من الإبداع والإسهام في الدفع بحركة الحياة، لا يحتاج منّةً من أحد، ولا تحتاج جهة أن تكون ممتنةً لذلك الإجراء، وسيكون كامتنان تقدمه شعوب لأنظمتها لوجود كمّ من الضوء والهواء في الحيّز الذي تتحرك فيه وتحيا!

يدخل البشر أزمنةً جديدة، وتستوعبهم مدنٌ جديدة بكل التغيرات التي تطرأ عليها، لكن الثوابت والأولويات من الحقوق التي يعرفون بها تظل في عناوينها ومضامينها التي تتعدد كما هي وإن طالتها تفاصيل لا تتراجع بها بقدر ما تعزّزها وترسّخها.

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 4219 - الأربعاء 26 مارس 2014م الموافق 25 جمادى الأولى 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 12:56 ص

      بالامس البرلمان حرام واليوم محتكريه

      حاربونا وشتمونا وخوّنونا حين طالبنا بالبرلمان واليوم يحتكروه

اقرأ ايضاً