العدد 4221 - الجمعة 28 مارس 2014م الموافق 27 جمادى الأولى 1435هـ

الناس لا يختارون متى يُولدون... يملكون كيف يحيون

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

الناس لا يختارون متى وكيف يُولدون، كما انهم لا يختارون متى وكيف يموتون؛ ولكنهم يملكون القدرة على اختيار كيف يحيون، بالطريقة التي تقدّمهم إلى من حولهم والعالم باعتبارهم هُم؛ وليسوا نسخاً كربونية لآخرين؛ أو صدى لأصوات سواهم.

ولا يملك أي بشر أن يخلق؛ ولكنّه يملك القدرة على أن يمنح ذلك المخلوق ما يدل عليه. أن يتعهّده، نفخاً فيه من روح الوعي والإدراك والقوة والأمل والسعي إلى تلمّس الحقيقة. الحقيقة التي هي طبعاً ليست مطلقة؛ ثمة نسبية فيها؛ ويظل يظن أنها الحقيقة، من دون أن يصادر حق غيره في الإيمان بالحقيقة التي يعتقد بها، وإن نظر إلى نسبيتها أيضاً.

***

ما يظنه الإنسان أنه ضعف فيه، هو في واقعه جهل بمواضع ومواطن قوته. لا يخلو مخلوق من مواطن قوة، وما يجعل الضعف هو الغالب فيه، تعميته ومعرفته ومحاولة اختبار واكتشاف القوة الكامنة فيه.

وثمة أيضاً من يمارس عليه صنوفاً من التحقير والإلغاء ووضعه في حال من العدمية؛ ما تتلاشى مع استمرار تلك الممارسة كل طاقة كامنة فيه، ومبادرات، وقدرة على تشريف الذات.

كأن شيطان الإنسان يسيطر عليه، ويُملي عليه «افعل أو لا تفعل». الطريق إلى التفكير إذا أتيح له، لن يكون أكثر من اختبار لمدى طاعته والتزامه بشيطانه الخاص، الذي يعده بالطهر والنزاهة والقوة والفرادة في الصنيع.

وذلك هو جانب من ضعفه وليس كله. أن يركن إلى ترك خياره في استثمار طاقاته وقدراته فيما يُصلح شأنه وشأن الناس والحياة من حوله؛ إلى شيطان يغذّيه وهناً وضعفاً هو يرعاه ويسهر عليه؛ بل ويحنّ إليه إذا جفاه وغاب عنه. ألفةً منه لانصياع، وتعوّداً لتَبَع.

وجزء من أقدار البشر بأيديهم. بأيديهم بالوسائل التي يختارون وصولاً لأهدافهم والغايات. وكثير عينه على الغايات، دون أن يُسائل الوسائل أو يُخضعها لأي معيار أخلاقي. وفي ذلك تحديد للقدر الذي يريد ويتطلّع ولن تكون النهايات بالوسائل المفتوحة على الشهوة والطمع والاستغلال، سعيدة ومُشرّفة، وتتجرّأ على ادّعاء قدرتها على احتلال الزمن في جانبه المُشرّف.

والإنسان في غربته اليوم. في غربته من حيث إخضاعه لما يُراد أن يكون، ومن حيث انسجامه واتساقه مع ذلك الخضوع والذين يقفون وراءه. وكل خارج على ذلك سيعيش غربته وإن بخياره، وكما يريد. الخروج على وصفات الغربة والاغتراب اليوم، ذهاب عكس التيار، ومحاولة لإعادة صوغ الحياة ورجرجة ما ثبت منها لعقود وربما لقرون، ومن وراء تلك العقود والقرون ذهنيات وعقليات صدأت وتحجّرت، وكأن الزمن ثابت في مكانه.

والإنسان يقيم في أوهامه. يقيم في ضعفه. أوهامه هي الأغلال التي يرْسف فيها. تُملي عليه حدود نظره وحركته ودوره؛ إن كان له دور أساساً بارتهانه لواقع كالذي نحن بصدده.

بتلك الإقامة يختار السيئ من قدره ومصيره، يرسمه بخياره بكل ما يحمله من خزي وعذابات وارتهان وتعطيل لكل ما يمكن أن يصدر عنه إنجازاً له وللبشر والأرض التي يحيا عليها.

وكما بدأت هذه الكتابة بـ: الناس لا يختارون متى وكيف يُولدون، كما انهم لا يختارون متى وكيف يموتون، ولكنهم يملكون القدرة على اختيار كيف يحيون، بعض الناس يصرّون على أن الحياة كما يريد لهم الذين يوهمونهم بالقوة وضعفهم هم. يلازمهم الضعف، فلا يعود للحياة من حولهم أي معنى الا بالقدر الذي يحدده لهم أولئك: الممسكون بالقوة.

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 4221 - الجمعة 28 مارس 2014م الموافق 27 جمادى الأولى 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً