العدد 4253 - الثلثاء 29 أبريل 2014م الموافق 29 جمادى الآخرة 1435هـ

محطات أخرى من انحدارات نظام دولة المؤسسات والقانون

يعقوب سيادي comments [at] alwasatnews.com

.كاتب بحريني

انتهينا في مقالنا السابق إلى أنه من أسوأ ما يهدم نظام المؤسسات والقانون، ويهدم العلاقة والثقة بين السلطات وجموع الشعب، هو استفراد أي مؤسسة من مؤسسات نظام الدولة بتقرير مهامها قِصراً وإضافة، وتقنين ممارساتها بما تهوى وتشاء، وإهمال أفرادها، نتيجة عدم المحاسبة وبالنتيجة الإفلات من العقاب، وجعلها في صونٍ من خضوعها للقانون أو أي جهة مؤسسية رقابية أخرى، معنية بعملها.

فمن الممارسات الأخرى الدالة على أن الدولة كنظام مؤسسات وقانون، أضحت مضمحلة وعادت بالمجتمع القهقرى إلى مرحلة قانون أمن الدولة سيئ الصيت، من خلال تغييب المكوّن الشعبي، قسراً لواعيه وتجهيلاً لباقيه، واستبداد واستفراد المتنفذين بالتصرف في القرار القانوني والإداري والمالي، بمعزل عن المبادئ والنصوص الدستورية والقانونية، التي تحكم توافقياً تنظيم العلاقة بين جميع مؤسسات الدولة، وبينها وبين مؤسسات المجتمع المدني وأفراد المواطنين، وذلك بالعودة لنهج الحكم الفردي المتوازع للإدارات فيما بين مجموعة المتنفذين، بما يُسقِط هذه القيم وخصوصاً الدستورية والقانونية والمؤسسية، من جانب واحد هو السلطة.

ومن حيث الممارسات الرسمية وتطبيقاتها، واتباعاتها من قبل موالي السلطة، ومِن مَن في قلوبهم مرض من الخوف والخنوع للعبودية، أولئك الحائزون على امتيازات ما كانوا يحلمون بعُشرها، في حال قيست بمعايير الكفاءة والاستحقاق، وكذلك الحاقدون على ابن المُزارع، وابن الصياد، وابن عامل النظافة وبائع السمك والحمّال، وابن الموظف الصغير، الذي بدراسته وعلمه واجتهاده، ارتقى مصاف خيرة الأطباء والممرضين والمهندسين والمدراء والمخططين الاستراتيجيين، والمدربين والمعلمين، ومسيّري عمل أقسام الشركات الصناعية الكبرى، فاتبعوا إزاءهم ملة المتنفذين الخارجة عن نظام المؤسسات والقانون، بترجمة كراهيتهم لأكثر من نصف أفراد المجتمع، في نزغ طائفي بغيض، إلتبسته قلةٌ في المجتمع، إلا أنها صاحبة الصراخ باللغو الذي يطرب بعض متنفّذي السلطات، فطالوا المواطنين بالفصل من الأعمال، والتعسير عليهم في حياتهم ونومهم ويقظتهم، والإيكال لمنتسبي الأجهزة الرسمية للنيل اليومي منهم بالأذى عبر الطلقات والغازات والملاحقات، لمنعهم من المطالبة بالحقوق والتعبير عن الرأي، إضافةً إلى الإيكال للزاعقين من توابعهم بالرقص على أشلاء الضحايا، والتخوين والعبث بأمن المجتمع لترجمة المعاداة لمن يتناول ممارسات السلطات بالنقد والتفنيد.

واستتباعاً لما سلكته السلطات إزاء الحراكات الشعبية، من عزلٍ لبعض القوى الشعبية عن بعضها، عبر النيل من قوى هذه التوجهات الأيدلوجية بالتصفية والاعتقالات والنفي والتهجير، في مرحلةٍ من مراحل الحراكات الشعبية، والإلتفات عن تلك، ثم العكس بالنيل من تلك والإلتفات عن هذه، ومرةً تنال من الدينيين ومرةً تنال من اليساريين والقوميين، وهكذا دواليك. إلى أن استتب الأمر للسلطات كما في مرحلة قانون أمن الدولة بسبعة وعشرين سنة، تلك المرحلة التي أجمعت نتيجتها القوى الشعبية والأفراد بجميع تلاوينهم السياسية والمذهبية الدينية، إبان أواخر التسعينيات من القرن الماضي، على الإجماع على المطالب.

وعلى الرغم من نجاح السلطات في التفريق المذهبي المحدود حينها، إلا أنه كان مشجّعاً لها أن تخطّط لمستقبل تفردها بالقرار والثروة، ببث الفرقة الطائفية لتشطير المجتمع إلى شطرين، والتجنّي على أحدهما بتوصيفه بالعنف والإرهاب، على أرضية خطة طويلة الأجل، فكان الميثاق والاستجابات الوقتية السلسة للمطالب المرتبطة به، هي القاطرة التي عبرت بها السلطات إلى التمكن من فرض إلغاء دستور 1973 وإبداله بدستور 2002، مقابل الأحلام التي تم تغليف بعض نصوص الميثاق بها، بما ملأ ساعات صحو ومنامات بعض قيادات تلك الفترة، تطبيقاً للفهم المغلف بالألغام لمفهوم السياسة أو العمل السياسي، في تلخيص أمره بأنه «فن الممكن»، بما تم استكماله باستجلاب المستشارين الإستراتيجيين، ورصد الميزانيات وتأسيس الهيكل الوظيفي الحكومي الرسمي الخاص والمتمكن من مصادر المعلومة، والموازي للمؤسسات الحكومية الرسمية، ومؤسسات الإعلام الرسمية والخاصة، وكذلك مؤسسات المجتمع المدني الحكومية واختراق بعض المؤسسات غير الحكومية في بعض المختارين من قياداتها، وتجنيد بعض العاملين في المؤسسات الحكومية ومن الدينيين، بكيل المال بالنقد وبلا عد.

وقد عملت هذه الخلية بما تم رسمه لها، على تحقيق غايتين، الأولى تخوين المواطنين من الطائفة الشيعية الكريمة، وتوسيم ناشطيها بالعنف والإرهاب؛ والثانية التجنيس السياسي والمذهبي (غير القانوني) من أجل المغالبة العددية الطائفية، وتشجيع بعض المواطنين من فقراء وبسطاء السنّة، وقد تلقف الآمال بالتسيّد بعض من مدّعي الثقافة واليسارية، اللتين هما منهم براء، بحكم العقلية الإقصائية المعشعشة في عقولهم، والنزعة الطائفية المتمكنة من وجدانهم، بما يسقط بيدهم. فكان هؤلاء إضافةً لموظفين في أجهزة الدولة، هم الصراخ الرسمي بالكذب على أبناء الطائفة الشيعية الكريمة، وبما يوحي بالإفتراق الطائفي الكاذب، والذي رعاه المتطرفون من الدينيين من الطائفتين محلياً وإقليمياً.

فعلى القوى السياسية الفاعلة في ساحة الحراكات الشعبية اليوم، أن تعي من ما مضى، ولا ترضى للشعب غير اليقين المكفول أممياً، بتراتبية تنفيذية مجدولة، من تحقيق المطالب بإعادة بناء نظام مؤسسات الدولة من جديد (Reforming)، بدءًا من المجلس الدستوري المنتخب بمعيار الصوت المتساوي لكل مواطن، وبمنع الحق الانتخابي في الترشيح والانتخاب على منتسبي الأجهزة الأمنية، حفظاً لصفتهم المحايدة لخدمة جميع مواطني البحرين، وبعيداً عن السياسة، وبما يحفظ للمواطن في تفرده، كرامته ومساواته في الحقوق والواجبات وأمام القانون العادل، والقائم على تنفيذه سلطات يتسيّدها ويكون مصدرها ومشروطية شرعيتها هم المواطنون في غالبهم.

إقرأ أيضا لـ "يعقوب سيادي"

العدد 4253 - الثلثاء 29 أبريل 2014م الموافق 29 جمادى الآخرة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 5:19 م

      تحية من القلب لقلمك الشريف

      وألف تحية لك يا أستاذ سيادي.

    • زائر 6 | 3:45 ص

      اذا ماتبون حل

      يا انكم تطردون كل الشيعة من البلد وترتاحون او يصير حل الدوليتين نفس اسرائيل والفلسطينيين عقبها جنسوا اللي تبونهم في قسمكم اما البلد تدار بهذه الطريقه ما ممكن اقصاء وتهميش وقتل وسجون وتعذيب وبعدها سب وشتم في المذهب وهد مساجد ما ممكن لا واللي يقتلك ويهدم مسجدك يدعي انه مسلم والاسلام منه براء

    • زائر 5 | 3:16 ص

      والله القمتهم حجرا

      حينما اتابع الصحافة وأقرا لك وللوسط ، بعدها ادير المؤشر لأرى مطويات فرسان الكراهية كما عبر عنهم الاستاذ جميل في مقالته اليوم ارى الفرق شاسع ليس لأنك انتصرت لمظلوم او دافعت عن مكلوم بل لأنك اظهرت الحقيقة والتي هي جلية بالنسبة لنا ولكن لمن يجهلها عن غير قصد طبعا لأن هناك من فرسان الكراهية من غيبوا اناس يهوون السب والشتم فيدورون معهم بنفس الفلك ، استاذنا المتتبع لما تكتبون وما يكتب أولئك يرى الفارق الكبير يعرف من هو الخائف على الوطن من القول الزائف ليتمتعوا بما اعطوا من نعم ليقولوا قول الزور .

    • زائر 4 | 2:18 ص

      رجل انت

      الحمد لله ان بهذا الوطن رجال لم تمنعهم انتماءاتهم المذهبية او العرقية من قول كلمة الحق ولم تسلبهم انسانيتهم ووطنيتهم فاصبحوا ضميرا متحركا وعلوا فوق المذهب والعرق ليصبحوا الانسان الحر .. انت واحد منهم استاذ يعقوب

    • زائر 7 زائر 4 | 4:02 ص

      فعلا كلام منطقي صح الله السانك استاذ يعقوب وكثر من امثالك

      المرسله عاشقة الوطن

    • زائر 3 | 1:39 ص

      ايها الحرّ الشريف هذه شهادة منك يجب ان تكتب بماء الذهب

      شكرا لك استاذ يعقوب فقد اوجزت في مقالك السابق ومقال اليوم ما وصلت اليه مفاصل البلد من انحدار بحيث من يدخل لبعض المكاتب او الوزارات يشعر بالغربة بل يشعر بالعنصرية والطائفية بل اقول لك ان هناك مناطق اصبحت محرّمة على ابناء الوطن ارتيادها رغم انها من المفروض تقدم خدمات للشعب عامة ولكن ما يشعر المواطنون فيها من غربة يجعلهم يعزفون عن الذهاب لها

    • زائر 2 | 12:30 ص

      لسوء حظي

      لسوء حظي كنت في مدرسة معظم طالباتها من الطائفة السنية الكريمة ولكن المصيبة عندما يحصل شجار بين طالبتين ووقفت الى جانب الطالبة التي على حق والأخرى تعلم تماماً أنها المخطاة يأتي ولي الأمر في اليوم التالي ليشتكيني للإدارة ويقول تعادي ابنتي وتقف مع الأخرى لانها مو من طائفتها هذه هي الثقافة آلتي زرعت في نفوس الناس اصبحنا نحن الجانين ونحن المخطئين ونحن لسنا على حق اجل هذه هي السياسة السائدة بعد أن كان الناس في تحاب وتآلف سياسة فرق تسد حسبي الله ونعم الوكيل مع خالص تحياتي لك

    • زائر 1 | 10:35 م

      العين بصير واليد قصيره

      سلمت اناملك يا أستاذ ، كانك تتحدث بلسان حالنا ،، ومررت بتقرير سئ الصيت واوجزته ،، لكننا نتسأل هل حركنا الحاضر سيصلنا الي نتيجه نرتضي ونرضي بها ام نحن بحاجه الي تنظيم الصف واعاده خروجنا للشارع بقيادت اكثر فاعليه وشفافيه

اقرأ ايضاً