العدد 4266 - الإثنين 12 مايو 2014م الموافق 13 رجب 1435هـ

الهند... مسرحاً لهجرتهم

وسام السبع wesam.alsebea [at] alwasatnews.com

منذ فجر التاريخ كانت الهند، مخزن الحكمة والعلوم ومستودع الآداب والفنون، وبالنسبة لأهل الخليج، كانت هذه البلاد السمراء قبلة المثابرين من أهل التجارة والمال والأعمال، ومقصد طلاب العلم وعشاق المغامرة، وأيضاً مهجراً اختيارياً لمن يفر من الموت والاضطهاد الديني، أو – بالنسبة لمن يتجرأ ويطالب بالإصلاح السياسي - منفى للعقوبة والطرد!

هذا بالضبط كان مصير قادة الحركة الوطنية في العشرينات (عبدالوهاب الزياني وأحمد بن لاحج)، وكذلك قادة حركة العام 1938 (سعيد الشملان، أحمد الشيراوي، علي الفاضل، وإبراهيم كمال) الذين حكم عليهم بالسجن أربعة عشر عاماً ليستبدل لاحقاً بالنفي إلى الهند، ومن المفارقة أن تتحول بومباي التي طالما ألهم نضالها الديمقراطي بعض قادة الخليج الوطنيين... إلى منفى، وأحياناً مقبرة لهم.

وعندما كان الزياني وبن لاحج في منفاهما، تعاطف الزعماء الوطنيون في الهند معهما، وقاموا برفع دعوى لدى المحكمة العليا في الهند، تنص على عدم شرعية قبول الهند بنفي هذين الزعيمين والمطالبة بتعويض مناسب لهما كرد اعتبار حفاظاً على القواعد الدولية، واختاروا محمد علي جناح الزعيم الإسلامي محامياً لهذه القضية.

اهتمام العرب ببلاد الهند قديم، وقد اتصلوا بها تجارياً وأولعوا بالعود الطيب، كما أولعوا بالسيوف الهندية، وسمّوا السيف المطبوع من حديد الهند، بالمهنّد أو هندي، وسموا كثيراً من نسائهم «هندا».

أثّر الهنود على الثقافة الإسلامية من ناحيتين: ناحية مباشرة وذلك باتصال المسلمين أنفسهم بالهند عن طريق التجارة والفتح العربي سنة 91 هـ، وناحية غير مباشرة عن طريق نقل ثقافتهم بواسطة الفرس، فالفرس اتصلوا بالهنود اتصالاً وثيقاً قبل الفتح الإسلامي وأثروا فيهم وتأثروا بهم. وقد عدّ المسلمون الهنود إحدى الأمم الأربع ذات الصفات الممتازة/ وهي الفرس والهند والروم والصين. وقال المسعودي: «ذكر جماعة من أهل العلم والنظر أن الهند كانت قديم الزمان الغرة التي فيها الصلاح والحكمة».

احتلت مدينة حيدر آباد الهندية موقع الصدارة بالنسبة للبحرينيين المهاجرين للهند منذ ما يزيد على الثلاثة قرون، وتحدثنا المصادر التاريخية أن الشيخ أحمد بن سليمان بن علي البحراني، وهو من كبار علماء البحرين، كان يتواجد في الهند في النصف الأول من القرن الثامن عشر الميلادي/ الثاني عشر الهجري، وألف هناك آثار مجموعة مصنفات.

كما يقدم الشيخ يوسف البحراني في «لؤلؤة البحرين» شهادة محلية عن هذه الهجرة، وينقل عن أبيه الشيخ جعفر البحراني (ت 1677م/ 1088 هـ)، والشيخ صالح بن عبد الكريم الكرزكاني البحراني خرجا من البحرين لضيق المعيشة إلى بلاد شيراز ولبثا فيها برهة من الزمن، ثم اتفقا على أن يمضي أحدهما إلى الهند ويقيم الآخر في إيران، فأيهما أثرى أولاً أعان الآخر.

فسار الشيخ جعفر إلى الهند واستوطن حيدر آباد، وبقي الشيخ صالح في شيراز، وصار كلاهما علماً للعباد، ومرجعاً في البلاد، إلى أن توفي في حيدر آباد سنة 1088هـ. وكان القائم مقامه الشيخ أحمد بن صالح الدرازي البحراني. وللشيخ جعفر مدائح قيلت فيه منها ما أشار إليه الأميني وهي القصيدة التي أنشأها الشيخ سليمان بن صالح بن أحمد آل عصفور (ت 1085 هـ) ومنها ما هو مذكور في «لؤلؤة البحرين»، وهي قصيدة قالها الشيخ عيسى بن صالح مدح بها الشيخ جعفر البحراني لما وفد عليه وأكرمه، والتي جاء فيها:

الهند بعد صلاة الليـل في القـدم

ياضيعة العمر بل يا زلـة القـدم

وبعـد تعفـير خـد وابتـهـال يـد

بين الحطيم وبين الحجر والحرم

الشواهد على ملامح الشتات البحريني في الهند كثيرة، ولها مظاهر اجتماعية وثقافية واقتصادية. وكان من الطبيعي أن تترافق مع هذا الاتصال الإنساني القديم بالمجتمع الهندي تزايد ظاهرة الزواج من الهند، مع ما يصاحب ذلك من انتقال للعادات والتقاليد بل والألفاظ الهندية للمجتمع البحريني.

وعندما سألت الباحث المعروف محمد سعيد الطريحي صاحب «موسوعة أعلام الهند» وهو ممن عاش لسنوات طويلة في الهند وأخرج عن التراث الإسلامي فيها أكثر من كتاب، عندما سألته عن الجالية البحرينية هناك أكّد أن وجودهم في الهند قديم وعريق، وقد انصهروا انصهاراً شبه تام في المجتمع الهندي حتى أن بعضهم لا يعرف عن أصوله العربية، ولكن الوثائق التي يمتلكونها تثبت صلتهم وأصولهم المرتبطة بالبحرين.

وكان الحاج أحمد بن خميس (ت 1940) من تجار اللؤلؤ المعروفين الذين كانوا يترددون على أسواق بومباي لبيع اللؤلؤ، كما كان صديقه رجل الأعمال الحاج أحمد بن منصور قد نقل تجارته من البحرين إلى الهند مهاجراً إليها مع كل أفراد عائلته في الربع الأول من القرن الماضي. وقد استوطن بن منصور «بومباي» وتزوج هناك وأنجب أبناءه عباس وحسين ومحمد ونصرة. كما أسس حسينيةً وحقق نجاحاً تجارياً كبيراً. والذي بقي من أولاد بن منصور هو محمد علي، وقد رجع إلى البحرين العام 1975 والتحق بالعمل في شركة «بتلكو».

وعندما تحدثتُ مع رجل الأعمال محمد داداباي عن العلاقات الهندية البحرينية أشار إلى أن الهند كانت منذ الربع الأول من القرن العشرين منتجعاً صيفياً للعائلات التجارية الكبرى في البحرين، ومركزاً علمياً وثقافياً متقدماً جداً، ناهيك عن شهرتها كمركز للسياحة العلاجية لذوي اليسار من أهل الخليج.

ومن الشواهد على الوجود البحريني في الهند، ذلك النشاط التبليغي للراحل الشيخ علي محمد آل عصفور (ت 2011) الذي كانت له جهود تعليمية وإنسانية كبيرة في الهند. وقد أشرف على إدارة المركز الديني الكبير في «علي كرا» الذي كان وراء إنشائه الوجيه المحسن الراحل الحاج محمد تقي، وهي واحدة من حواضر الهند الثقافية، ولازال المركز يؤدي عمله إلى الآن.

الشواهد على ملامح الشتات البحريني في الهند كثيرة، تحتاج لمن يرصد شواردها ويجمع المبعثر منها من ذاكرة كبار السن، ومن الوثائق القديمة والمصنفات التي خلّفها البحرينيون في زمن المحن الطويلة.

إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"

العدد 4266 - الإثنين 12 مايو 2014م الموافق 13 رجب 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 14 | 4:45 م

      ون

      شكرًا لك

    • زائر 11 | 10:35 ص

      شكراً

      شكراً استاذ وسام على هذا الموضوع الجميل

    • زائر 9 | 4:48 ص

      الشتات البحراني

      موضوع الشتات هو واقع والبحرانه تشتتوا في مختلف بقاع الارض نتيجه للاظطهاد الديني والعرقي واخر مره كتب الكاتب العرادي عن رقيه اللي كانت تعيش في الدنمارك واهلها يعيشون في افريقيا وهو ينتسيون الى الشيخ هاشم البحراني وبالاحرى بلدهم توبلي

    • زائر 10 زائر 9 | 5:30 ص

      صدقت

      صدقت.. موضوع الشتات البحراني يحتاج لرصد دقيق ومتابعة شاملة

    • زائر 8 | 4:12 ص

      الهند

      الى الكاتب السبع رحمة الله والديك على البحث القيم

    • زائر 6 | 3:28 ص

      جميل

      يعجبني قلمك لما تطرحه من فكر مغاير عن الذي نقرأ

    • زائر 5 | 3:22 ص

      جميل

      يعجبني قلمك لما تطرحه من فكر مغاير عن الذي نقرأ

    • زائر 4 | 3:00 ص

      استدراك

      أنصحك أخي الكريم بمطالعة تاريخ عبدالوهاب الزياني وبن لاحج البوفلاسة في عدة مصادر تاريخية والتعرف على دورهما ومنهجهما بشكل جيد. وشكرا

    • زائر 3 | 1:59 ص

      اقترح

      اقترح على العزيز كاتب المقال تبني فكرة تشكيل فريق وطني من الباحثين للتحقيق والبحث في مثل هده الموضوعات

    • زائر 12 زائر 3 | 11:04 ص

      ونعم الاقتراح

      ونعم الاقتراح.. العمل جاري على هذه الفكرة منذ مدة.. شكرا لتشريفك

    • زائر 2 | 1:59 ص

      يعني طرد المواطنين المطالبين بحقوقهم قديمة ؟

      أها الحين عرفنا ان سنة طرد المواطنين من بلدهم البحرين مو توها صايرة من زمان وهذه طريقتهم في التعامل مع كل من يطالب بحقّه

    • زائر 1 | 1:34 ص

      موضوع ثري وقيم

      شكراً للأستاذ الفاضل وسام على هذا الموضوع الشيق والذي يسلط الضوء على التقارب الثقافي والاجتماعي الشديد بين شعبي الهند والبحرين ...ولكن هذا غيض من فيض فمازال هناك الكثير لإظهاره على السطح لتلاقح الثقافتين بين الهند والبحرين
      موضوع شيق شكراً أستاذنا

    • زائر 7 زائر 1 | 3:36 ص

      شكرا

      شكرا للطفك ولمرورك الجميل

اقرأ ايضاً