العدد 4270 - الجمعة 16 مايو 2014م الموافق 17 رجب 1435هـ

«مبدأ الضرورة» في العلاقات السعودية الإيرانية

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في يوم الثلاثاء الماضي، ذكرت وكالة «رويترز» للأنباء أن وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل قال خلال مؤتمر صحافي: «إن الرياض وجهت الدعوة لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف لزيارة السعودية»، مضيفاً أن «المملكة (العربية السعودية) مستعدة لاستقباله في أي وقت يراه مناسباً له»، وهي «مستعدة للتفاوض والحديث مع إيران».

الرسالة السعودية الأخيرة باتجاه إيران، جاءت بينما الجميع يتحدّث عن الخلاف السعودي الإيراني، وهو في أعلى درجاته. خلافٌ في الخليج، في العراق، في لبنان، في سورية، في مصر، في فلسطين، وفي النظام الإقليمي ككل. وربما ظهرت علامات ذلك الخلاف «ميدانياً»، فضلاً عن سجال سياسي وإعلامي طغى على كامل المشهد خلال الفترة الماضية، ولا حاجة لذكر المزيد، كَونه واضحاً لا جِدال فيه.

لكن، ومن بين كل ذلك المشهد القاتم، هل نَظَرَ أحدٌ إلى الوجه الآخر من الصورة؟ بمعنى، هل القارئون للسياسة يتجاوزون أن سَفِيْرَيْ البلدين (السعودية وإيران) هما على رأس عملهما في الرياض وطهران ولم ينقطعا عنه أو يُسحَبا منه في أتون الخلاف بين البلدين؟ وأنهما لا يكتفيان بذلك التمثيل الدبلوماسي فقط، فيزيدانه بقنصليتيْن متبادلتيْن، إحداهما سعودية في مدينة مشهد الإيرانية، والأخرى إيرانية في مدينة جِدَّة السعودية؟

وإن قال قائلٌ أن ذلك ليس كافياً لرؤية الصورة، أقول: إن البلدين تربطهما خمسة وعشرون اتفاقية مشتركة (بينها اتفاقية أمنية لتبادل المُدانين ومكافحة المخدرات)، لها التزامات على الطرفين، وأن هناك لجنة سعودية - إيرانية مشتركة كان لها ثمانية اجتماعات، وإن كانت في فترات سابقة إلاَّ أنه لم يُعلِن أحد الجانبين بأنها قد ألغِيَت.

في فبراير 2012 وعلى مدى سبعة أيام، رَسَت سفينتا نجادي وخارك الإيرانيتان وطائرة مروحية تابعة للقوات البحرية الإيرانية، ثم سفينة بندر عباس والمدمِّرتان الوند والبرز، وطائرة عمودية إيرانية في ميناء جِدَّة، حسب بيان لمصدر مسئول بوزارة الدفاع السعودية، الذي أضاف أيضاً بأن ذلك يأتي من «حرص المملكة العربية السعودية الشديد على إدامة علاقات الصداقة مع كافة الدول الشقيقة والصديقة، وعلى مبدأ حسن النوايا وبمختلف السبل لتنمية تلك العلاقات القائمة على الود والاحترام والثقة المتبادلة».

وللعلم، فإن جميع الرؤساء الإيرانيين منذ العام 1989 ولغاية عامين مضيا فقط، زاروا المملكة العربية السعودية تباعاً. هاشمي رفسنجاني زارها في العام 1998 (بعد ترؤسه مجمع التشخيص) وفي العام 2008، أمضى خلالها أسبوعين هناك. محمد خاتمي زار السعودية في العام 1999 وفي العام 2002. أحمدي نجاد (والذي يُوسَم عادة بالتشدد، والتي في عهده تدهورت علاقات الجانبين) زارها مرتين، الأولى في العام 2007 والثانية في العام 2012.

وفي شهر إبريل الماضي زار السفير السعودي في طهران عبد الرحمن غرمان الشهري، رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني وقدَّم له «دعوة رسمية لزيارة المملكة العربية السعودية» وأداء مناسك الحج، حيث قال السفير السعودي خلال اللقاء بأن «التطورات المؤثرة على العلاقات بين بلاده وإيران مؤقتة وعابرة».

هذه هي صور «العلاقات السعودية الإيرانية» غير المتداوَلة عند المحللين. وهي صورةٌ تعطينا انطباعاً بأن هناك أساساً قوياً لتلك العلاقة، يمكن أن ينعكس على الملفات الساخنة في المنطقة. ليس ذلك فحسب، بل إننا وحين نؤمن بأن ما نراه نحن عوام الناس في السياسة هو قمة جبل لا يُرى جسمه، يعطينا تصوراً آخر، لما يجري بين البلدين من مداولات قد لا تظهر لنا. ويمكن وضع تصريح السفير الإيراني في بيروت قبل أسابيع ضمن هذا السياق.

باعتقادي، أن النطاقات الإستراتيجية للأمن القومي للسعودية وإيران تحوي بذرة الالتقاء بينهما بذات المقدار الذي أدى بالبلدين لأن يختلفا حولها. وهذا الأمر في حقيقته شبيه بجسم متعدد الأطراف، لكن مركز ألمه واحد، وبالتالي لا يمكن العبث بجزء منه دون أن تتأثر بقية أجزائه. من هنا، تأتي حاجة الطرفين إلى تسوية «ضرورة» تبيِّن خطوط التواصل (لا الخرمشات) على جلد المصالح المشتركة.

إن حدود تأثير الجانبين معروفة. إن أرادت إيران أن تصل إلى «كل» الخليج كبوابة مفتوحة بلا منغصات، فعليها المرور بالبوابة السعودية. وإن أرادت الأخيرة الولوج إلى «كل» العراق بلا منغصات فعليها المرور بالبوابة الإيرانية. وإن أرادت إيران الوصول إلى مصر عبر البحر الأحمر بشكل آمن، فعليها المرور بالسعودية. وإن أرادت الأخيرة الوصول إلى أفغانستان وتركمانستان ومحيط آسيا الوسطى بشكل آمن، فعليها المرور بإيران. هذا ما تفرضه الجغرافيا على البلدين اللذين لا يمكنهما القفز عليه أبداً.

كما أن بقية النطاقات يسري عليها الأمر ذاته، مرةً بالسياسة، ومرةً بالاقتصاد، ومرةً بالأمن: لبنان، سورية، فلسطين، العراق، الخليج، شمال إفريقيا، النفط والغاز. ففي السياسة لا تجوز الأمور القطعية والمواقف المبنية على ردة الفعل، بل ما يُسيِّرها هو القبول بالمنفعة وتحقيق المصلحة، وهو ما يحكم علاقة كافة البلدان والأنظمة ببعضها.

هل يستطيع أحد أن يُنكر الخلاف (بل والحرب بالوكالة) بين الغرب وروسيا؟ لا أحد يستطيع ذلك، لكن هل توقفت صادرات النفط الروسية إلى أوروبا الغربية بقيمتها التي تصل إلى نحو «50 في المئة من ميزانية الفيدرالية الروسية»؟ كذلك الحال بالنسبة للعلاقة الإيرانية الآذربيجانية، واليابانية الكورية والعلاقات الصينية الأميركية.

باعتقادي أن وجود حسن روحاني في رئاسة إيران، ودخول العراق على خط تشكيل الحكومة، وبروز ملف التطرف المتدفق من الأزمة السورية، وقضايا النظام الأمني/ السياسي في لبنان، والمسألة اليمنية (الحوثيون/ الجنوب/ القاعدة) وتوجُّه دول الخليج الجديد باتجاه الهند وآسيا الوسطى وروسيا، كلها ملفات للجانبين مصلحة في تسويتها، وتتعلق بأمنهما القومي. وبالتالي، القضية هي أبعد مما يتخيله المرء.

كما أن وجود مُحفِّزات ودعامات «خليجية» لهكذا علاقة تبدأ من الكويت وأبو ظبي ومسقط، يُمكن أن يساهم في تقليل الهوَّة بين الجانبين. وهو ما يُتوقع أن تشهده الأيام القادمة.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4270 - الجمعة 16 مايو 2014م الموافق 17 رجب 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 11 | 1:05 م

      الدعوه

      الي هذا اليوم ايران لم تستلم اي دعوا من السعوديه

    • زائر 10 | 8:34 ص

      محرقي بحريني للزائر 2

      الكاتب محمد عبدالله من أحسن الكتاب في الوسط هذا حسب رأيي فالكاتب دائماً تحليلاته السياسية بالارقام والبرهان فهو لايتحدث مثل بعض الكتاب الذين يدغدغون شعور القارئ ويحاولون أثارث عواطفة كما يفعل أغلب كتاب الوسط وبقية الصحف البحرينيه مع أحترامي للكتاب أصحاب الاقلام الكبيرة
      نحنوا نفتقد الى الكتاب المختصين مثل الكاتب محمد عبدالله المختص في الشأن الايراني والدكتور مدن المختص في الشأن الاسيوي ......

    • زائر 9 | 7:50 ص

      ليس غريبا

      امريكا دمرت فيتنام وخسرت فيه عشرات الآلاف من الجنود واليوم العلاقة بين الجانبين قائمة وهو حال الانجليز والفرنسيين وهو ما ينطبق على خلاف إيران والسعودية

    • زائر 8 | 7:49 ص

      متابع . . . . اقتراحات للكاتب الكريم ( 3 )

      نرجوا من كاتبنا المتألق أيضا أن يكثر من المواضيع المتعلقة بالأمور الفلسفية و الإنسانية والاجتماعية التي تهم البشرية ، أنماط الثقافات و الأفكار والمشاكل الموجودة حول العالم ، وأيضا المواضيع التي تتناول ( فلسفة السياسة ) وتتناول النظريات المتعلقة بإدارة الحكم والصراعات والحياة البشرية ، . . . . وإن تعذر على الكاتب الكريم أن يذكر رأيه الصريح في مواضيع معينة ( كنظرية ولاية الفقيه مثلا ) لاعتبارات معينة فبامكانه أن يذكر الكتب المناسبة التي تناولت تقييم هذه النظرية أو غيرها . . . و دمتم سالمين

    • زائر 7 | 7:40 ص

      متابع . . . . اقتراحات للكاتب ( 2 )

      أيضا هناك مواضيع أخرى مفيدة تهم المتابعين لأوضاع العالم والبشرية :
      2- قضية النفط الصخري في أمريكا أين وصلت ؟ و ما تأثيراتها ؟
      3- التنافس الأمريكي الصيني حقيقته ومآله ، ما أوراق قوة الصين و نقاط ضعفها ، أتعتبر أمريكا الصين أخطر عليها من ايران ، هل مايحصل بينهما صراع خطير أم تنافس لا أكثر ؟
      4- أزمة أوكرانيا إلى أين ستجر العالم ؟
      5- تهمنا أيضا معرفة المواضيع المتعلقة بالداخل السياسي الإيراني ، الأحزاب المرشد ، أوجه اختلاف خامنئي مع رفسنجاني ، وغيرها
      مع الشكر الجزيل للكاتب الذي أتعبناه معنا

    • زائر 6 | 7:30 ص

      متابع . . . . اقتراحات للكاتب ( 1 )

      هناك مواضيع نقترح على الكاتب القدير أن يكتب عنها ليستفيد الجميع ، 1- : ماذا لو كان المتشددون قد فازوا في ايران ؟ كيف كان سيكون الحال ؟ هل كانت هذه المصالحات مع الخارج ( الغرب امريكا وأخيرا السعودية ) ستنجح ؟ هل كانت ايران ( النظام و الشارع الايراني ) ستحتمل تطاحنا أكثر مع الخارج وعقوبات اقتصادية تكلفها 90 مليار دولار أو أكثر ، و استمرار التطاحن و الكبت الداخلي ؟ . . . . . . . . تذكير : الصراع بين روحاني والحرس الثوري ومعهم المتشددين ماذا عنه وإلى أين سيصل ؟

    • زائر 5 | 7:24 ص

      متابع

      نشكر كاتبنا الرائع على كتابة الموضوع الرائع ، مثل هذه المواضيع تعطينا الأمل بأن صراعات بني البشر دوما هكذا ، يتطاحنون ثم يتصالحون فنزعة الحياة وحب السلام والأمان أقوى ، . . . . . .

    • زائر 4 | 6:16 ص

      يعني العلاقة موجوده!!!

      لننتظر الايام القادمه لتكشف المستور. وسننتظر تحليلاتك استاذ محمد

    • زائر 3 | 3:29 ص

      مبدأ النبأ للوصول إلى الفكرة والنتيجة

      المقال ينشط ذاكرة القارئ كي يصل للنتيجة، دون أن يترك ربط أجزاء الذاكرة للوصول إلى أفكار وخلاصة. والقرآن الكريم اعتمد كثيراً على مبدأ ((النبأ)) كي يقيم الحجة والفكرة على الناس. والآيات التي تؤكد ذلك كثيرة: ((وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ)). أو ((وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا)) أو ((أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ)) أو ((وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ)) أو ((أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ)) وغيرها من الآيات. شكرا وتحية نور

    • زائر 2 | 2:50 ص

      صباح الخير كاتبنا الكبير

      بصراحه موضوع ماله معنى ولا أي فائده من كتابته انت وضعت اخبار لاتحليلات والموضوع الكل سمع به وتابعه ...اكثر مقالاتك لامعنى ولافائده منها ولاتزعل على الانتقاد كاتبنا الكبير وشكر جزيلا لك على تقبل النقد

    • زائر 1 | 2:24 ص

      السياسه وما ادراك ...

      دائما تضعنا في الصوره بدون رتوش . استاد محمد نحن نقدر لك الجهد الكبير الدي تبدله في كتابة مقالاتك لكي نخرج نحن بفائدة كبيره ومعلومات تمكننا من مشاهدة الصورة كاملة . شكرا لك .

اقرأ ايضاً