العدد 4293 - الأحد 08 يونيو 2014م الموافق 10 شعبان 1435هـ

اخْسَأوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُون

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

من الأشياء اللافتة، أن هذا اليوم، التاسع من يونيو/ حزيران يصادف وفاة كل مِنْ، أبو العباس السفاح، والحجاج بن يوسف الثقفي. الأول هو مؤسس الدولة العباسية العام 750م وحَكَمَ لأربعة أعوام، وخلفه أبو جعفر المنصور. والثاني هو والي الأمويين على العراق والشام ومكة والمدينة، وأحد أبرز قادتهم العسكريين طيلة خمسٍ وعشرين سنة.

وربما كانت في ذكرى وفاة المذكوريْن، مناسبة للتوقف والتأمل، عبر زيارة سريعة للتاريخ الإسلامي، خصوصاً أن العديد من أحداث ذلك التاريخ قد اصطبغت وقُرِنَت بهما، (بل وتُطُبِّع بهما أيضاً) على رغم أن مجموع حكمهما لم تزد على تسع وعشرين سنة، لكنه كان بحجم قرن من الآهات والمصائب، التي بُلِيَت بها شعوب الجزيرة العربية والعراق والشام.

وربما صار من الجدير أيضاً، أن نقرأ شيئاً من أحداث ذلك التاريخ، وهو في صورته الحقيقية، كي نُفسِّر كثيراً من الأحداث التي تجري في أيامنا هذه، وقد عجِزنا عن فهمها نظراً إلى فظاعتها، وهَوْلِ ما فيها، كما نشاهد اليوم من أفعال بعض الطغاة وهم يسودون الناس، أو عند أفعال المتطرفين من «اللاإسلاميين» الذين أسرفوا في الدماء وهتك الأعراض.

سنقرأ شيئاً من التاريخ كما دوَّنه المؤرخون. فقد سُمِّي أبو العباس بالسَّفاح؛ لأنه سَفَحَ دماء بني أمية (بغض النظر من الموقف منهم)، فلم يُبقِِ أحداً منهم ولم يذَر، إلاَّ رضيعاً أو مَنْ هَرَبَ منهم إلى الأندلس. بل إن السفاح لم يكتف بقتل خصومه، بل أحرق أجسادهم، ونَبَشَ قبورهم في دمشق، كما فعل ذلك عمُّه عبدالله بن علي.وحتى مَنْ تأمَّن لديه من الأمويين لَقِيَ ما لقيه غيره من القتل، كما جرى لسليمان بن هشام بن عبدالملك، وقد ذكر ذلك ابن الوردي.

بل إن عمّ السفاح، عندما لجأ إليه تسعون رجلاً كانوا قد ائتمنوه على حياتهم، قام بذبحهم، «وبَسَطَ عليهم الأنطاع، ومدَّ عليهم الطعام، وأكل الناس الطعام وهم يسمعون أنينهم حتى ماتوا». وقام عامله في البصرة بقتل «جماعة من بني أمية، وألقاهم في الطريق تأكلهم الكلاب فتشتت من بقي منهم واختلفوا في البلاد»، كما جاء نصّاً في المصادر التاريخية الأصلية، وذكرها الشيخ الخليلي في كتابه الاستبداد. هذا فيما خص أفعال أبو العباس السفاح وحقبته.

أما كوارث الحجاج بن يوسف الثقفي في الدَّم، فيختصرها قول عمر بن عبدالعزيز: لو جاءت كل أمة بخبيثها وجئنا بالحجاج لكفى. لقد ذكر التاريخ، أن الحجاج رمى الكعبة بالمنجنيق، وسَام الناس في المدينة المنورة، و»ختم أيدي جماعة من الصحابة بالرصاص استخفافاً بهم، منهم جابر بن عبد الله، وأنس بن مالك وسهل بن سعد بن أبي وقاص».

وقال هشام بن حسان: أحصَوا ما قتل الحجاج صبراً فبلغ مئة وعشرين ألف قتيل، كما جاء في سنن الترمذي.

وجاء في الطبقات الكبرى (وذكره الطبري وفي المنتخب أيضاً)، أن الحجاج الثقفي، وبعد أن انهزم جيش عبدالرحمن ابن الأشعث «كتب إلى محمد بن القاسم الثقفي أن ادع عطية، فإن لعن علي بن أبي طالب، وإلاَّ فاضربه أربعمئة سوط، واحلق رأسه ولحيته، فدعاه فأقرأه كتاب الحجاج، فأبَى عطية أن يفعل، فضربه أربعمئة وحلق رأسه ولحيته».

ومما جاء في رد الخليفة عمر بن عبدالعزيز على عمر بن الوليد بن عبدالملك: «استعمل الحجاج ابن يوسف على خمس العرب، يسفك الدم الحرام ويأخذ المال الحرام». وقد ورَدَ أنه وعندما هَلَكَ الحجاج بن يوسف سنة خمس وتسعين للهجرة، كان قد مات في سجونه خمسون ألف رجل، وثلاثون ألف امرأة، ستة عشر ألفاً منهن مُجرَّدات من ملابسهن، كما ذكر ذلك الدميري في الحيوان.وكان من قسوة الحجاج أنه «يشد على يد السجين القصب الفارسي المشقوق ويجر عليه، حتى يسيل دمه» كما جاء في المصادر.

كان الحجاج قد خدَّم خمساً وعشرين سنة، قَتَلَ خلالها من الأخيار والصحابة والتابعين مئة وعشرين ألفاً. ما يعني، أنه كان يقتل في كل عام 4800 إنسان، أو أربعمئة إنسان في الشهر، أو ثلاثة عشر إنساناً في اليوم. وكان يقطع الأرجل والأيدي من خلاف. وكان من ضحاياه سعيد بن جبير، ومحمد بن سعد بن أبي وقاص وابن مطيع وابن الزبير وعبدالله بن صفوان وبن أبي نعم وبن عكيم وماهان الكوفي والمعرقب الأنصاري وغيرهم كثيرون.

هذه إحدى صور الظلم الذي جرى في غابر الأيام. وربما كان هذا تفسيراً للوحشية المجترة، التي تجري في أيامنا هذه، ولم نكن نجد لها تفسيراً ونحن في عصر الصورة. إنهم يفعلون كما فُعِلَ في السابق، وبحق كبار الناس وأصلحهم! ألَم يُقتل الناس تحت الأنقاض في أيامنا هذه، ويُقتل خيارهم من أهل العلم والصلاح؟! ألم تملأ السجون بالناس، رجالاً ونساءً وأطفالاً؟! ألم تُنتَهك حرمات بيوت الله؟!ألمَ يُذبح الناس بالسيوف كالخراف؟!

هذه وقائع جرت وتجرى اليوم على أيدي أناس يدعون أنهم في خدمة الدِّين وأنهم حماته، وهو أمر ليس بغريب، ونحن نقرأ ذلك التاريخ! أفلَم يكن الحجَّاج بن يوسف عالِماً ومتفقهاً وحافظاً لآيات من القرآن، لكنه كان يقول لأهل السجون حين يسمع شكواهم من العذاب: «اخْسَأوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُون» (المؤمنون: 108) كما ذكر ابن حجر العسقلاني في التهذيب. إنه التاريخ، حين تسحبه ساقية الزمن، لتجعل كل شيء ممكناً في الفجور واستباحة الدم.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4293 - الأحد 08 يونيو 2014م الموافق 10 شعبان 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 16 | 11:09 ص

      التاريخ يعيد نفسه

      عذراً يا ال بيت رسول الله كنت عندما أقراء ماجرى عليكم ينتابني شعور بأن كاتب التاريخ يبالغ في سرد ماجرى عليكم حتى عشنا واقعنا المر وأيقنت بأنه صحيح بل ولربما من كتب عنكم فأتته عدة مشاهد تحمل الألم والحسرة
      المعذرة الى الله واليكم

    • زائر 15 | 10:20 ص

      الا لعنة الله على الحجاج

      كان يخلط الرماد مع فتات الخبز ويرميها للسجناء واشهد ان النار حق والجنة حق

    • زائر 14 | 7:26 ص

      ويبقى

      ويبقى عدل الامام علي عليه السلام عدل الحق شامخا فى السماء لانهوا تربى على يد الرسول العظيم عليه افضل الصلاة والسلام وانقول لكل ظالم لك يوم اللهم فرج عن شعب البحرين المظلوم وارحم شهدائنا الابرار والله ياخد الحق المسلوب

    • زائر 12 | 5:38 ص

      لله درك يا عراق

      كم قتل صدأم حسين؟ هو ابوهم كلهم...

    • زائر 13 زائر 12 | 6:53 ص

      نعم

      وكم نفس قتلت في سوريا من الوهابيين واللااسلاميين ..

    • زائر 11 | 2:41 ص

      البحث عن العذر في كل شيء حتى القتل وهتك الاعراض

      الغريب أن البعض لازال يجادل هل الحجاج كافر أم لا أو هل كفره فقهاء عصره وهنا المصيبة!! يبحثون عن عذر للذنب والقبح وسفك الدماء

    • زائر 10 | 2:02 ص

      الاعراب أشد كفرا

      للاسف هذا التاريخ الإسلامى اللى تلاقفوه الاوباش والصعاليك وأقصو اهل الحق والحقيقة عليهم السلام

    • زائر 9 | 1:16 ص

      وفي نهاية حياته قال

      مالي ولسعيد بن جبير حيث ان سعيد دعا الله بان لايمكنه في احد بعده واستجاب الله دعاء هذا الصحابي الجليل

    • زائر 8 | 12:52 ص

      أبو العلاء المعري يقول

      أليس قريشكم قتلت حسينا وكان على خلافتكم يزيد
      وأبو العلاء المعري عربي من معرة النعمان.

    • زائر 7 | 12:25 ص

      متابع

      الذي أعجب منه هو كيف رضي أتباعهم أن يساعدوا هؤلاء الطغاة على هذه البشائع ، كيف تم استغفالهم لهذه الدرجة ؟! . . . . لا وبعضهم يقتل ويعذِّب بطريقة بشعة وهو يظن نفسه على جادة الصواب وعلى الصراط المستقيم و أنه يتقرب بعمله إلى الله !!!! . . . . خطير جدا حين تستغفل الشعوب للقيام بأقبح الأعمال ، لا بل والدفاع عنها والاقتناع والتباهي بها . . . . أمثلة هذا كثيرة ، في ألمانيا النازية واسرائيل و أيضا عالمنا الاسلامي قديما وحديثا

    • زائر 6 | 12:16 ص

      متابع

      رئيس الاوروغواي خوزي موخيكا : السلطة لا تغير الأشخاص ، هي فقط تكشفهم على حقيقتهم .

    • زائر 5 | 12:02 ص

      شكرا

      احسنتم

    • زائر 4 | 12:02 ص

      تحياتي

      شكرااااااا جزيلا من الصباح

    • زائر 3 | 11:44 م

      كما حدث في الماضي

      القوم ابناء القوم وزادو عليهم بتفخيخم المؤخرات

    • زائر 2 | 11:36 م

      جزء كبير من تاريخنا الاسلامي الاسود والاحمر

      جزء كبير من تاريخنا الاسلامي الاسود والاحمر والمخزي هو الذي اسس لكل هذه الجرائم التي تحصل في هذا العصر فالجميع صار قدوة حتى في القتل والدمار . شكرا استاذي الكريم على هذا الموضوع الهام جداااااا

    • زائر 1 | 10:28 م

      احسنت يااستاذ

      جددت جرحا نازفا واستشرفت واقعا مرا والتاريخ يعيد نفسه

اقرأ ايضاً