العدد 4321 - الأحد 06 يوليو 2014م الموافق 08 رمضان 1435هـ

تأملات على هامش ندوة «طريق الحرير الجديد والحزام الاقتصادي»

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

أعلن الرئيس الصيني شى جينبينج في 14 سبتمبر/ أيلول 2013 أثناء زيارته كازاخستان، عن مبادرته حول ضرورة إحياء طريق الحرير وتطويره بحزام اقتصادي ليكون أداة ربط بين الدول. وكرّر المبادرة في أثناء زيارته لأندونيسيا في أكتوبر/ تشرين الأول 2013. وفي هذا الإطار عقدت العديد من الندوات والمؤتمرات في الصين شارك فيها خبراء من مختلف التخصصات ومن العديد من الدول.

وكانت الندوة الأكاديمية الدولية التي عقدت في مدينة أورومتشي، عاصمة شينجيانج ذات الحكم الذاتي لقومية اليوجور، في الفترة من 23-27 يونيو/ حزيران 2013 وشارك فيها ثمانون خبيراً وباحثاً في الشئون الصينية من 23 دولة، نصفهم من الصين والنصف الآخر من الدول الأجنبية، من دول آسيا الوسطى والاتحاد الروسي وبيلوروسيا وتركيا وإيران والهند وباكستان ومصر. وانقسمت أعمال الندوة إلى قسمين رئيسين متكاملين، أولهما القيام بزيارات ميدانية لبعض المدن في المقاطعة ذات الصلة بطريق الحرير وتطويره اقتصادياً، وأهمها مدينة أورومتشي العاصمة ومدينه كاشجار ومدينة توربان؛ والثاني النقاش المعمّق من الخبراء على مدى يومين، حيث نظمت أعمال الندوة في ثلاث لغات الصينية والروسية والانجليزية، وعرض كل باحث دراسته في عشر دقائق، وتلا ذلك مناقشات حول الآراء التي طرحت، وعقدت كل مجموعة علمية خمس جلسات عمل استمرت من التاسعة صباحاً حتى السابعة مساء، مع تخلل الجلسات استراحات قصيرة.

وسارت التقاليد الصينية على أن يترأس كل جلسة رئيسان أحداهما صيني والثاني أجنبي، يتناوبان إدارة الجلسة، بالإضافة إلى تقديم كل باحث نبذة مختصرة عن أفكاره حول الموضوع وتصوراته حول كيفية تطبيقه.

ونسوق في هذا المجال مجموعة من الملاحظات ذات الطبيعة العامة نظراً لأن من الصعب عمل عرض تفصيلي لمثل هذا الكمّ من النقاش والبحوث.

الملاحظة الأولى: تتعلق بافتتاح الندوة، وقد افتتحها سكرتير عام الحزب الشيوعي في إقليم سينيانج وتحدث فيها رئيس مكتب الدولة للإعلام (وزير الإعلام) ورئيس مجموعة النشر الصينية (وهو بدرجة نائب وزير)، وتحدث نائب وزير الاقتصاد والتعاون الدولي، ونائب لجنة الإصلاح الاقتصادي في الصين، وهي لجنة تابعة لمجلس الدولة (مجلس الوزراء) حيث استعرض كل متحدث وجهة نظره.

اعتبارات كبرى

وقد أبرز كل من أمين عام الحزب الشيوعي في سينجيانج الفكرة وأهميتها للإقليم الذي له تاريخ عريق في اتصاله بطريق الحرير، والذي تمثل كل مدنه نقاط انطلاق لهذا الطريق، كما يمكن أن تمثل قوة جذبٍ للاستثمار، وذلك من خلال عملية التطور والتنمية التي انطلقت في الإقليم منذ مبادرة الرئيس الصيني، وذلك لتحويل الإقليم إلى قوة محورية في مبادرة طريق الحرير لأربعة اعتبارات:

- أولها إنه يمثل سدس مساحة الصين رغم أن عدد سكانه محدود، فهم أكثر قليلاً من 23 مليون نسمة.

- ثانيها أن الإقليم يتمتع بمزايا اقتصادية، ففيه آبار للنفط والغاز، وفيه إمكانيات زراعية كبيرة وبعض المؤسسات الصناعية الكبرى مثل صناعة السيارات والشاحنات الكبرى وغيرها.

- ثالثها أن الإقليم لديه إمكانيات سياحية واعدة. ورابعها ارتباط الإقليم تاريخياً وحضارياً بطريق الحرير. فالسكان خليط فسيفسائي من اليوجور، أكبر القوميات، ثم الهان القومية الثانية، والخوى القومية الثالثة في العدد، وهناك الكازاك والأوزبك والطاجيك والمنغوليون وغيرهم من القوميات الصينية البالغ عددها 56 قومية، بما في ذلك قومية الهان التي تشكل نسبة 92% تقريباً من عدد السكان في الصين الذي يربو على 1.3 مليار نسمة.

الملاحظة الثانية: إن إقليم سينجيانج هو إقليم حدودي، وهو إقليم داخلي أي ليس له منفذ على البحار، ولكنه يمثل حلقة الوصل الإستراتيجية مع دول آسيا الوسطى، ومن ثم فإن استقرار تلك الدول أو عدم استقرارها يؤثر على الإقليم من الناحية الأمنية.

الملاحظة الثالثة: إن إقليم شيجيانج به أغلبية مسلمة تزيد عن 11 مليون نسمة من اليوجور والخوى، وهما أكبر قوميتين مسلمتين في الصين، فضلاً عن قوميات أخرى صغيرة. أما قومية الهان فتمثل 39.2% من القوميتين الكبيرتين اللتين تحددان مستقبل الإقليم الأمني والاقتصادي والوفاق السكاني والتناغم الاجتماعي.

الملاحظة الرابعة: إن مداولات الندوة كانت صريحة في تناول المبادرة، ولم تكن هناك أية معارضة للفكرة وأهميتها، ولكن كانت هناك تحفظات وشكوك في طبيعة المبادرة وكيفية تنفيذها، ليس من قبل بعض الأكاديميين الصينيين فحسب بل وأيضاً من قبل بعض دول آسيا الوسطى وجنوب آسيا وروسيا، وذلك لأن المبادرة طُرحت كأفكار عامة تحتاج إلى آليات التنفيذ وتفاصيل للعمل وبلورة أكثر وضوحاً للفكرة، والدول التي تشارك فيها. ولهذا كان بعض الباحثين حريصين على أن تكون بلادهم في مقدمة من تشملهم المبادرة مثل روسيا ودول آسيا الوسطى، وإلى حدٍّ ما الهند، باعتبارها واقعةً على طريق الحرير وصدرت السلع وأيضا العقيدة البوذية للصين.

الملاحظة الخامسة: تتعلق بفلسفة المبادرة وهي تسعى لتغيير المفاهيم التقليدية في العلاقات الدولية وهي مفهوم الصراع، ومفهوم المصلحة الوطنية، ومفهوم الأمن الوطني. وتحويل ذلك إلى مفاهيم جديدة، حيث يحل التناغم والتعاون محل الصراع، وتطوير مفهوم الأمن الوطني ليشمل السلام الإقليمي، وربما في مرحلة لاحقة السلام الدولي، وتركيزه على مفهوم القوة الناعمة بدلاً من القوة الخشنة.

وهكذا تسعى الصين إلى إعادة إحياء مفاهيم عريقة من الحضارة الصينية وغرسها في الفكر السياسي الدولي المعاصر، معتمدةً في ذلك على عاملين، الأول العامل الحضاري الصيني وانبهار العالم بتلك الحضارة؛ والثاني العامل المرتبط بمعدل التنمية السريع والمرتفع، وهو ما أدى بكثير من الدول للترحيب بالتعاون مع الصين والتطلع للاستفادة من تجربتها ومما لديها من فائض الأموال.

الملاحظة السادسة: تتصل بعامل التخوف من الصين، حيث أشار بعض الباحثين لاحتمالات تحوّل الصين إلى قوة استعمارية جديدة، وتخليها عمّا يسمى بالصعود السلمي للصين. كذلك التخوف من اتخاذ مبادرة طريق الحرير كأداة للتغلغل والهيمنة على دول الجوار الإقليمي في آسيا الوسطى، ومن ثم إضعاف دول أخرى في جنوب آسيا أو حتى في المنطقة في اليورو آسيوية.

طرق الحرير برّاً وبحراً

الملاحظة السابعة: تتعلق بأهمية طريق الحرير للمنطقة العربية، وهنا نجد أن طريقين هما طريق الحرير البحري الذي كان بمثابة رابط قوي بين الصين ودول مجلس التعاون ومصر، حيث مرّ أحد فروعه عبر سلطنة عمان والبحرين إلى العراق وإيران، واتجه الآخر نحو اليمن والبحر الأحمر ومصر ثم إلى أوروبا.

أما طريق الحرير البري فقد سار عبر آسيا الوسطى وإيران وبلاد الرافدين، وفرعٌ منه إلى دمشق ثم الإسكندرية، وفرع ثالث عبر آسيا الوسطى والأناضول إلى أوروبا. وهذا يجعل المنطقة العربية بوجه عام جزءًا لا يتجزأ من مبادرة طريق الحرير، لأنه سوف يفيدها ليس لتعزيز التجارة مع الصين فحسب بل وأيضاً جذب التكنولوجيا والاستثمارات الصينية.

الملاحظة الثامنة: تتعلق بمصر ودورها، فقد كانت الإسكندرية عاصمة الدولة البطلمية في القرن الثاني قبل الميلاد، وكانت ميناء مهماً في العلاقات الصينية مع أوروبا، وكذلك في تبادل السلع بين مصر والصين. والآن يضاف إلى مكانة الإسكندرية مكانة قناة السويس في التجارة العالمية ومنها تجارة الصين مع أوروبا ودول حوض البحر المتوسط بوجه خاص. ولهذا أشرت في مداخلاتي إلى هذه الحقائق وللمشروع القومي الذي طرحته القيادة المصرية لتطوير محور قناة السويس، ولإقامة ظهير بحري وآخر صحراوي للمحافظات المصرية المختلفة. والصين لديها خبرة في مسائل الإنشاء والبناء، وكذلك لديها تكنولوجيا متقدمة في السكك الحديد والقطارات فائقة السرعة. كما أنها حريصةٌ بوجه عام على نقل التكنولوجيا للدول النامية وتدريب الكوادر البشرية. وهذه مسائل تهم مصر بوجه خاص في هذه المرحلة الدقيقة التي نعيشها.

الملاحظة التاسعة: تتصل بعلاقة الصين بمجلس التعاون، وقد عبّر عددٌ من المتحدثين الصينيين عن تطلعهم لإتمام التفاوض على إقامة منطقة تجارة حرة بين الصين ودول مجلس التعاون تأكيداً للعلاقات الوثيقة بين الطرفين.

الملاحظة العاشرة: منهج الصين في التفكير المستقبلي وبناء النموذج، وهو منهجٌ يقوم على إطلاق الأفكار العامة ثم تدور حولها مناقشات عديدة تبحث الموضوع من مختلف جوانبه، ومن ثم ترفع تقارير عنه إلى القيادة لاتخاذ القرار بشأن القضية موضع البحث وتنفيذه جزئياً أو تدريجياً، فإذا ثبتت صلاحيته يتم التوسع في التطبيق.

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 4321 - الأحد 06 يوليو 2014م الموافق 08 رمضان 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً