كم هي لئيمة هذه «الوردة»، إنها تشبه لحد كبير كميناً نصب بمكر بالغ، لا يمكن أن يفلت منه أحد، وإن استطاع الإفلات فالمؤكد أن شيئاً ما بتر منه وسيظل يتذكر كلما نظر لطرفه المبتور جراء الخديعة، فخلف الوردة يكمن اللغم اللعين.
هذه رواية لا يمكن أن تستوعبها بمجرد قراءة لأحداثها ويومياتها المبعثرة والتي تظل أجزاؤها ناقصة دائماً، لكنك تؤخذ بتلك الفترة الزمنية المتناقضة بدءاً من العام 1960 لغاية 1970 ثم لحين كتابتها وتكشفها لبقية الأحداث العام 1993.
تلك الفترة التي كانت تنشأ فيها الأحزاب (الشيوعية، الرأسمالية، الاشتراكية، القومية...) في الدول النامية وكيف كانت الدول العظمى مثل روسيا والصين تحرك أصابعها فتتحرك مجموعات في عدن وعمان والبحرين والأردن ومصر والسودان وكثير من الدول العربية المستهدفة بالفكر ووهج الثورة، ولأن الأبطال في هذه الرواية من عُمان والثوار من اليمنيين والعمانيين «الجبهة الشعبية الديمقراطية العمانية» التي قاتلت في جبال ظفار حتى الرمق الأخير وكان سبب إخفاقها في تحقيق إسقاط نظام قابوس تتمثل في: «الإخفاق العسكري، انهيار المعسكر الاشتراكي، سياسة التحديث الواسعة التي قام بها قابوس وسحب كثير من الكوادر، والسياسة الواقعية التي سار عليها في السنوات الأخيرة على الصعيدين الداخلي والخارجي، مرونة التعامل مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ومع الدول العربية التي رفضت الغزو الأميركي في أزمة الخليج كاليمن والأردن وأخيراً السياسة التدريجية في مجال المشاركة الشعبية وتمثلت في تحويل المجلس الاستشاري العماني إلى مجلس للشورى...» (ص 32).
الرواية جاءت بالأساس لتسرد يوميات وردة العمانية الأصل التي تتحول لرئيسة جبهة التحرير في ظفار وتؤمن بالمنهج الشيوعي وتحمل أفكار «الماركسية اللينينية» «لين بياو» و «ماو» وتعيش المعاناة بصبر وتجلد وعلى رغم كل الظروف التي تحيط بها كامرأة تتمرد وتثبت للجميع أنها قادرة على أن تمثل قيادة سياسية حزبية متزنة، تظل نهايتها مبهمة لتظهر ابنتها «وعد» في محاولة لإكمال المشهد المفقود بعد القضاء على الثوار بفضل التدخل الإيراني في مسقط.
«30 ديسمبر... يتتابع وصول القوات الإيرانية. وضعت في جزيرة حلانيا الخالية من السكان. حظر أفرادها الظهور في شوارع صلالة ومسقط. قدرت الدفعات الأولى بثلاثة آلاف ضابط وجندي. عهد إليها بإعادة فتح الخط الأحمر...» ص (304).
«15 مارس... نص الرسالة التي بعث بها القذافي إلى قابوس. تضمنت سطور ظريفة...»... واستغربنا يا أخي كيف تسمح لنفسك وكرامة شعبك وشرف أمتك أن تحمق إلى درجة السماح لجيوش أجنبية نظامية باحتلال مسقط أولاً ثم ظفار ثانياً. إننا نهيب بك لآخر مرة أن تطلب سحب الجيوش الأجنبية فوراً وإذا رفضت طلبك فبلغنا برفضها لنقاتلها معك جنباً إلى جنب وإذا لم تفعل فننذرك بحرب قد تكون أنت فيها في صف الأجانب الغزاة ونحن في صف شعبنا العربي هناك... أرجو أن تعود إلى رشدك... وإلى حظيرة أمتك قبل أن تجد نفسك مذموماً مدحوراً...» ص (141).
اتفاق قائد دولة عربية مع الثوار في دولة أخرى بالمساندة في مقابل تغيير اسم الجبهة من «الجبهة الشعبية لتحرير عمان والخليج العربي» إلى «الجبهة الشعبية لتحرير عمان» فقط، كان ذلك شرط القذافي في دعم الثورة في ظفار، ويتضح مدى التخبط الواضح سواء على صعيد القيادات الثورية ومصالحها السياسية والشخصية أيضاً وكذلك اعتماد القادة العرب أمثال عبد الناصر والقذافي على الاستعانة بالأحزاب وضمها بصور ما لجانبهم غير مكترثين لباقي الجوانب المترتب على ذلك.
في ختام الرواية نجد أغلب الثوار قد تقلّدوا مناصب رفيعة في الدولة العمانية الحديثة في إشارة واضحة لتغلّب النزعة الشخصية وتغيير المبادئ والأفكار بحسب المقتضيات وإن الفكر الحزبي في تلك الفترة قائم على غسل العقول، فكيف لشخص لا يقرأ ولا يكتب يتقلد مناصب عليا في قيادة حزب ما، ثم الأفكار المطلقة جداً والتي تخالف تجذر الأخلاق في الهوية العربية. أثبتت هذه الرواية أن من الصعب جداً تمثيل ولعب دور الرجل المنفتح على كل شيء. اليوم بعد سقوط الكثير من الأحزاب والأفكار التي كانت تعتبر تقدمية واتضح زيف الدول المساندة لهذه التكتلات، ماذا سيقول كل الذين آمنوا بقضيتهم التي اختلقها الآخر في عقولهم لو أنهم يعودون من قبورهم، وينتزعون رصاصاتهم من صدورهم وجماجمهم التي لوثتها أفكار غربية لا أفكار شخصية تنتمي لبيئتها.
لذلك لاتزال الأوطان العربية تثور منذ أمد، كلما توهم النصر تبيّن أن ثمّة خديعة وغش وتزييف، لذا ينهض الشعب العربي وسينهض دائماً إنها لعنة متوارثة إلى أبد الآبدين.
ما يميز هذه الرواية بحق ويبرع فيها صنع الله إبراهيم هو الاشتغال على المكان والاستعانة بالكثير من المراجع لرسم صورة حيّة عن عمان سواء مدنها وأعراقها أو فلكلورها التراثي والكثير من المشاهد التي لا تمر سريعة أبداً.
يبقى على المتلقي أن يرجع لأصل بدء تكوين الأحزاب وتحديداً الحزب الشيوعي الذي كان مسيطراً في تلك الحقبة ليستوعب الرواية بشكلها السياسي والإنساني أيضاً، فهي تبدأ بمجموعة من الطلبة في لبنان ينتمون لأحزاب متعددة، لكن السؤال الذي يظل يطارد القارئ كيف كان يتم تجنيد كل أولئك الشباب وابتعاثهم وتدريبهم ومدّهم بالسلاح والأهم إقناعهم بفكر الحزب.
العدد 4333 - الجمعة 18 يوليو 2014م الموافق 20 رمضان 1435هـ