العدد 4344 - الثلثاء 29 يوليو 2014م الموافق 02 شوال 1435هـ

أرضية لرؤية حل للأزمة الدستورية والحقوقية البحرينية

يعقوب سيادي comments [at] alwasatnews.com

.كاتب بحريني

أولاً يتوجب على المواطن الحصيف، أياً كان موقعه الحالي، في الخريطة الحقوقية والسياسية للوطن، وأياً كان موقعه الوظيفي، أن يمدّ البصر والعقل والوجدان، لما فيه الصالح العام، بما يساوي بين المواطنين كافة، دون النظر للأصل واللون والجنس والدين والمذهب، ليتوحد المواطنون بدرجة واحدة من المساواة، في الحقوق الأولية الأساسية.

والحقوق الأولية الأساسية تشمل الحق في العيش الكريم الذي يسد العوز، في المأكل والمشرب والملبس والمسكن، والرعاية الصحية والوقاية من الأمراض، والتعليم بجميع مراحله، والعمل، والأمن والسلامة، والانتقال والتواصل، والتي لا تتأتى للمواطن، ما لم يحظَ بالأولوية في تنعمه بثروات وطنه، عبر تسخيرها في أصلها، وفي نتاج استثماراتها وتحويلاتها وتطويراتها، وكل ما يمت بالتصرف بها تمويلاً وإدارة، وتطويراً للاقتصاد والتنمية.

فالمواطنون هم عتاد الوطن في أصله البشري، يتساوون في صفة المواطنة، التي تستلزم لهم جميعاً دون تفرقة، إضافةً لما ذكرناه من الحد الأدنى من الخدمات العامة، التي تُرقِيه في العيش الكريم، تبعاً لتطور المقدرات الاقتصادية الوطنية، فتحفظ له كرامته وإنسانيته، له أيضاً التمتع بحقوقه المدنية والسياسية، وأولها حرية الرأي والتعبير، والإجتماع والتظاهر السلمي، وحق تشكيل الجمعيات والنقابات بما لا تخرج عن المسئولية، التي تجعل منه مشاركاً فعالاً في خدمة الوطن، ولا يفرق واحدنا عن الآخر، إلا بالكفاءة والخبرة والمصداقية.

إنطلاقاً من هذه الأرضية، المساوية للمواطنين، في الخدمات والحريات بحدها الأدنى، تنطلق المقدرات الشعبية الفردية، كل حسب اهتمامه وتخصصه، وعلمه وكفاءته وخبرته، لتتشكل جميع أجهزة الدولة، الخادمة في أصلها للمواطنين. هذه الأجهزة التي في جمعها، تتشكل منها سلطات الدولة، فالمواطن هو الأصل، الذي يشكل سلطات وأجهزة الدولة، لتسهر على خدمته.

فنص المبدأ الدستوري والحقوقي «الشعب مصدر السلطات جميعاً» له معنى واحد فقط، هو أن الشعب وهو جمع المواطنين، له أن يُوَكِّل بعضاً منه، أي المواطنين، من حاملي الأمانة، والمتصفين بالعلم والخبرة والكفاءة، لإدارة شئون الدولة لقاء أجر معلوم، يتفاوت وحجم مسئوليات الوظيفة الموكولة لهم، وذلك من بعد التوافق العام بين المواطنين، على نصوص دستور، يضع المبادئ العامة والأساسية للعلاقة بين المواطنين في جمعهم كشعب، وبين من يختارهم الشعب من الوكلاء لإدارة الدولة، ويضع الأدوات الدستورية لتشكيل السلطات وحدود صلاحياتها، ومراتب عملها بما في ذلك ما يتوجب الرجوع فيه إلى الشعب، عن طريق الاستفتاء والانتخاب.

ومن يحيد عن مبادئ هذا الدستور العقدي، من الوكلاء، فقد خان الأمانة، ويلزم عليه القصاص والمحاسبة والعزل.

والدولة ونظام حكمها، سواءً بدأ عائلياً عشائرياً، بالصفة الشيخية أو الأميرية، أو بدأ رئاسياً بالاستفتاء أو الانتخاب، فهو ليس نظاماً بالاستفراد الجامد، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها! فكما كانت البداية، سواء بالقبول الشعبي للحاكم والإيكال له بأمور إدارة الدولة، أو بالجبر والفرض في ظل أوضاع ضَعُفَ فيها الشعب وتشتت قواه المترجمة لإرادته، فسيظل هذا الوضع السياسي والحقوقي قابلاً للتغيير، بما يؤصل الحق لأصله، وهو الشعب مصدر السلطات جميعاً، لتطوير نظام حكمه ووثيقة توكيله، بما يواكب المستجدات، وبما يعيد عدالة ميزان العدالة والمساواة إذا مال، أو بدا للشعب أن السلطات التي ائتمنها على ثروات ومقدرات الوطن، لتنميتها وتسخيرها للمنفعة العامة للمواطنين، قد تناولتها الأيدي الآثمة بالسرقة والتبذير، أو مالت تلك السلطات أو بعضها، بالتمييز إلى فئة من المواطنين دون أخرى، في توزيع الثروة الوطنية وتقديم الخدمات الأساسية والعامة، وعلى حساب ظلم الآخرين، أو منعت حقاً أقره الدستور، أو اتّبعت إجراءات تخالفه، أو اضطهدت ومست كرامة وإنسانية المواطنين، أو استخدمت القوة المفرطة، للتعامل مع الجموع الشعبية، المطالبة بالإصلاح والتغيير للسياسات والنهج، بدلاً من الحوار والاستفتاء.

وللشعوب أدواتها ووسائلها النضالية المدنية، لتوجيه السلطات إلى المبتغى الشعبي، أو تنبيهها إلى انحرافاتها، أو بعض مؤسساتها عن التوافقات الدستورية، في إجراءاتها أو نهجها، وذلك من خلال مؤسسات المجتمع المدني، بمختلف تخصصاتها في المجالات الفنية والمهنية والاجتماعية والاقتصادية والقانونية والحقوقية والسياسية، عبر المخاطبات المؤسسية الفردية منها والجماعية، بوسيلة الفن والندوات والدراسات والمؤتمرات والحواريات والبيانات، والنشر في الصحافة التي في أصلها وسيلة شعبية، تتلقى مؤسسات المجتمع المدني ردود ورؤى السلطات الرسمية عبرها ومن خلالها، وعبر تلك الرسائل الجمعية الشعبية، من خلال التجمعات والتظاهرات والإضرابات، وعلى السلطات الإصغاء والتواصل والحوار، بمنتهى المصداقية والشفافية، بما يحفظ للمواطن حقه، ويُقوِّم السلطات في عدالتها، بعدم تعديها أو أفرادها، على مقدرات الوطن أو الإسفاف بها، لأداء دورها في خدمة المجتمع بما يساوي ولا يفرق، بين المواطنين، وبما يجعل السلطات من الشعب وإليه.

هذه الأدوات والوسائل النضالية الشعبية، في مدنيتها التي ترسم حقوقيتها النصوص الدستورية، والتي تمارسها مؤسسات المجتمع المدني في عمومها، وفي خصوصها، السياسية والحقوقية والقانونية، هي الممارسة الشعبية للمعارضة، التي تقودها المنظمات السياسية في المجتمع، لقيادة وتنظيم الحراكات الشعبية، وضبط إيقاعاتها وبلورة مطالبها، فبمثل ما للحكومة من أدوات ووسائل محلية وإقليمية ودولية، فللمنظمات السياسية مثلها، وبمثل ما جاء أفراد السلطات الحالية لإدارة الدولة، يمكن أن يحل محلهم مواطنون آخرون، والكل محاسَبٌ أمام الشعب، بذات الأدوات والوسائل.

وحين الخلاف بين الشعب وسلطاته أو بعضها أو أفراد منها، يبقى الشعب شعباً، وتبقى السلطات سلطات، إلى أن يتم حل الخلاف بما يرضي الطرفين، أو يتولى السلطات مواطنون، ذوو دماء جديدة من الكفاءة، أو يتولى بعض من المواطنين، بعضاً من السلطات، ليتبادل الأطراف مواقعهم في المسئولية، وتتم هذه العملية التبادلية لمواقع المسئولية، سلمياً عبر صناديق الانتخابات.

إقرأ أيضا لـ "يعقوب سيادي"

العدد 4344 - الثلثاء 29 يوليو 2014م الموافق 02 شوال 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 1:21 م

      بارك الله فيك

      لك كل الإحترام والتقدير على هذه المقالات التوضيحية

    • زائر 3 | 2:12 ص

      نثق بكم

      نحن نثق بكم ومن أمثالكم بأن تسلموا النظام في البحث عن خارطة طريق ترحم هذا الشعب وأخرجه من مآسي الزمن التي تكالبت عليه نتمنى من النظام أن يسمع صوت العقل وإلا سيكون محاسبا أمام الله وان يترك عنه أصوات..المنافقين والمنتفعين وإلا فإن التاريخ لن يرحم

    • زائر 2 | 1:52 ص

      عدم الصدق ديدنهم

      في كل المحطات لم يصدقوا القوة والكذب اساس عملهم وسياسة فرق تسد هي الطاغية واقول لن يتغير وضعنا إلا بالإصرار على الهدف وهو تقليم الديكتاتورية

    • زائر 1 | 10:16 م

      صبااح العيد

      مقالاتك عبارة عن سيارة تلف حول دوار دون توقف تحياتي

اقرأ ايضاً