العدد 4379 - الثلثاء 02 سبتمبر 2014م الموافق 08 ذي القعدة 1435هـ

مقالة للباكر في الخمسينيات تدين الاتجار في الرقيق

نشرها في «صوت البحرين» باسم «ابن تيمية»...

صورة ضوئية للصفحة الأولى من المقال والأخيرة التي تحمل التوقيع
صورة ضوئية للصفحة الأولى من المقال والأخيرة التي تحمل التوقيع

في نسخة مصوّرة، عن مقالة «الرقّ في الإسلام»، ذُيّلت في نهايتها باسم مستعار اختار كاتبه أن يكون «ابن تيمية»، نشرت في مجلة «صوت البحرين»، في خمسينيات القرن الماضي، تتضح أنها للمناضل البحريني الكبير، عبدالرحمن الباكر. إشارة منه وردت في الصفحة الرابعة والأربعين من كتابه «من البحرين إلى المنفى سانت هيلانة»، أورد فيه جانباً من تلك المقالة والإشارة إلى جهة نشره والاسم الذي حمله. نسخة المقالة لا تحوي تاريخ العدد أو سنة نشرها، إلا أن نجل الباكر (إبراهيم)، واستناداً إلى نسخة المقالة التي نسبت جهة الحصول عليها إلى الباحث راشد الجاسم، من أرشيف المجلة المذكورة، ثمة إشارة إلى أنها تعود إلى خمسينيات القرن الماضي، وبتقصي جانب من المقالة في حدود خمسينيات القرن الماضي. ثمة إشارة مرفقة بنسخة المقالة إلى أنها ساهمت مساهمة فعالة «في تحرير العبيد في قطر في ذلك الوقت» وأحدثت «دويّاً هائلاً في قطر وسائر إمارات الخليج العربي».

قصة المقالة، بحسب الفقرة الأولى منها وبالنص: «حدا بي لكتابة هذا الموضوع جدال طال بيني وبين أحد الغربيين القاطنين في الخليج. إذ كان يعتقد - بناءً على ما قيل له - أن الرق من صميم الإسلام وركن، من أركانه. وأن كل آية في القرآن تنص عليه، وكل حديث يروى عن الرسول العظيم يتحدث بشأنه، ولم تكن تلك العقيدة المختمرة في رأسه وليدة التبشير فحسب بل - كما يدّعي - إن بعضاً من الأمراء والقضاة في هذه الأقطار أخبروه بذلك، مؤكدين ومستدلين بالآيات...».
يورد الباكر في المقالة رؤيته عن الدين الذي ينتمي إليه، ودفوعاته ومعظمها لا يبتعد عن الرؤية التي استجمعها بحكم الانتماء إلى الدين من جهة، وما تحصّل عليه من ثقافة تتيح له تمييزاً ومحاججة تظل هي اللب بغضّ النظر عن عمقها واستخلاصها الأدلة من مصادرها في هذا الجانب، من دون أن ينسى الاستشهاد بعدد من الأحاديث الشريفة، والآيات التي يرِدُ فيها «عتق رقبة» أي تحرير عبد مملوك، ضمن التعزيرات/ العقوبات. كما يردّد الباكر في ثنايا المقال مفردة «التحريم» في أكثر من موضع «إن الدين الإسلامي يحرم الرق ويطارده... ويحرم التعامل به ويشدد على من تحدثه نفسه بالمعاملة فيه»... «هذا الدين الطاهر السمح الذي أتى لصلاح البشرية وإنقاذها من العبودية لا يمكن أن يسمح بالرق وباستعباد أي فرد من الناس».
واسترجاعاً لواقع الحال في البلاد التي ينتمي إليها، وبعض دول المحيط، يشير المناضل الباكر في منتصف مقاله وضمن الفترة الزمنية تلك وما سبقها في معرض الرد إلى «بدأ تفشي الرقيق ينتشر (هكذا وردت الصيغة في المقال... تفشّي ... ينتشر تغني إحداهما عن الأخرى) منذ بداية القرن التاسع عشر في ساحل البلاد العربية حينما أخذ عرب الخليج يواصلون أسفارهم إلى إفريقيا، شرقيها وجنوبها والجزر القريبة منها، فأدركوا أن وراء اقتناص سكّان تلك الجزر والسواحل الإفريقية متّجراً مربحاً في الأقطار العربية».
الذرائع وبسط النفوذ
في المقالة تحامل وإدانة لدول تنتمي إلى الدين نفسه ونبيه اللذين حررا الإنسان ووضعا النصوص الضابطة لعدم امتهانه واستعباده. كان مباشراً في حديثه عن إمارات الخليج العربي في تلك المرحلة المتقدمة وقت الوصاية والانتداب، وحتى قبل ذلك، فترة تبعية جزء من المنطقة إلى الخلافة العثمانية.
ويضيف في المقال «أخذ الأمر ينتشر بصورة فظيعة حتى جعل الإنجليز ذلك من جملة الذرائع لبسط نفوذهم على مسقط وجميع ساحل عُمان وقطر والبحري والكويت لمنع الاتجار بالرقيق. ونلاحظ أن كل ملاحظة معاهدة وقعت مع أمراء هذه الأقطار منذ العام 1855 إلى يومنا هذا تنص إحدى موادها على الحيلولة دون الاتجار بالرقيق أو منعه منعاً باتاً (هنا إشارة إلى أن الحيلولة تعني دخول مزيد من الرقيق إلى الحدود الخاضعة للانتداب، وبقاء الحال على ما هو عليه في الداخل، بدليل أن الممارسة لم تنتهِ أو تتلاشٓ كلياً؛ إذ بحسب أرشيف وزارة الخارجية البريطانية، ودار الاعتماد البريطاني ظل الرقيق حتى ما بعد منتصف ستينيات القرن الماضي، وأتيح خيار لبعض الرقيق لإعتاق أنفسهم بالتقدم بطلب بذلك إلى المعتمد البريطاني؛ ولم تكن البحرين استثناء من ذلك، فتقدم بالطلب من تقدم، وتخلف من تخلّف انسجاماً من واقعه وحاله؛ وخصوصاً في البيوتات التي وجدت في ظلها خياراً ستُعْدَمُه في ظل حسن معاملة من جهة، وانقطاع تواصل وامتداد مع من تبقى من البيئات الأصل التي وفدوا منها).
النصوص لم تحلْ دون الاتّجار
وهنا إشارة لا تفصيل فيها تداركناها قبل إيراد بقية الفقرة «ولكن تلك المعاهدات في الواقع لم تحل دون انتشار الرقيق؛ إذ الحليف لم تكن غايته محاربة الرق، بل كان يرمي من ورائها إلى غايات أخرى لا تخفى على أحد».
الباكر يستشهد بجانب من الغرابة على صلة بالموضوع، وهذه المرة بعيداً عن الجهة التي سنّت قانون «الحيلولة دون الاتجار بالرقيق أو منعه منعاً باتاً» (بريطانيا)، يستشهد بموقف فرنسا الذي لم يخلُ من التناقض الصارخ «فرنسا كانت من جملة الدول التي وقعت على اتفاقية مكافحة الرقيق في العام 1860 في بروكسل. وفي الوقت نفسه كانت تساعد على انتشار الرقيق؛ إذ كانت تزاحم إنجلترا في سواحل إفريقيا وفي البحر العربي والخليج العربي، فكانت تُعطي أعلاماً فرنسية وأوراقَ حماية لكل سفينة تهرّب السلاح والرقيق وتاجر بها علناً في أسواق الساحل العماني والخليج».
الضرب لأيام متتالية
مقالة الباكر تحوي المُرّ والجارح والمنتهك لآدمية الإنسان... قصص استبداد على بشر حوصروا من جهتين: لونهم الذي لا خيار لهم فيه، وجهة البشر الذين كانوا في الظاهر من السمات كذلك، ولكنهم أبعد بمراحل عن المتوخى من البشر في حاله السوية والسليمة، بعيداً عن الجشع واللهاث المستمر وراء تكديس الثروة من جانب، على حساب تكديس عذابات في الجانب الآخر. عذابات كان الموت أمامها خلاصاً ورحمة ومُبتغى!
حُبلى تُختطف لتفارق الحياة وطفلها
من تلك القصص «روى لي أحد الذين كانوا يتعاطون شراء هؤلاء المساكين من ساحل عُمان كيف كانوا يعاملونهم أشد وأقسى معاملة فيجردونهم من ملابسهم ويضربونهم أياماً متتالية حتى يدخلوا في نفوسهم الذل والخوف وتزول عنهم نزعة الحرية التي كانت متغلغلة في نفوسهم. وكانوا إذا جلبوهم إلى قطر أو إلى نجْد وبيعت إحدى النساء منهم فقالت: إني حُرَّة، ضربها سيدها وهدّدها بالتعذيب إن نطقت مرة ثانية بمثل تلك الكلمة».
الشواهد لا تنتهي. القصص لا تنتهي. العذابات في نهاية المطاف لا تنتهي. تلك التي من بعضها نقف على ممارسات نالت من البشر كل نيْل في أحط وأعنف صور التعاطي مع الضعفاء منهم، ممن لا حول لهم ولا قوة. هذه المرة في الصاعق من ذلك التعاطي. كل ذلك هنا، في منطقتنا: «رُويت لي كذلك قصة امرأة من (...) سرقها أحد المنتمين للعائلة في (...) ولما ولج الصحراء وجد أنها حبلى على وشك المخاض ولا تُرجى فائدة منها، ربطها تحت شجرة وتركها في ذلك القفْر إلى أن مَرَّ بها أحد السابلة فوجدها في تلك الحال وهي مشدودة إلى الشجرة ووليدها ملقى تحتها وقد فارق الحياة وهي في النزع الأخير ولم يكن معه غير قليل من التمر فحاول إسعافنا بعد أن فك وثاقها ولكنها لم تنطق إلا باسم عائلتها ومختطفها ثم فارقت الحياة».


الوثيقة الأولى المتعلقة بالرقيق في البحرين

صدرت في أغسطس/ آب أول وثيقة عبارة عن إعلان خاص بالرقيق في البحرين حملت الرقم (1356/40) بأمر من حاكم البحرين وقتها، الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة، حوت النص الآتي: «نذكر العموم أنه لا يجوز تملُّك العبيد في البحرين. وأي شخص يجلب أو يصدر أو يشتري أو يبيع أو يتملك أي شخص بصفة عبد مستحقاً عقاب الحبس والغرامة، ليعلم».

حرر في 4 جمادى الثانية 1356 (11 أغسطس 1937).

- أقر مجلس الوزراء السعودي برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن عبدالعزيز في جلسته الأولى يوم الثلثاء (9 جمادى الآخرة 1382هـ) الموافق (6 نوفمبر/ تشرين الثاني 1962) إلغاء الرق والرقيق في المملكة، وجاء في البيان: «من المعروف أن الرقيق الموجود في العصر الحاضر، قد تخلفت فيه كثير من الشروط الشرعية التي أوجبها الإسلام إباحة للاسترقاق، فقد واجهت الدولة السعودية منذ تأسيسها مشكلة الرق والرقيق، وعملت بجميع الوسائل التدريجية على القضاء عليه، فمنعت أول الأمر استيراده، وفرضت العقوبات على ذلك، ثم منعت مؤخراً بيعه أو شراءه، وتجد الحكومة الآن الفرصة مواتية لأن تعلن إلغاء الرق مطلقاً وتحرير جميع الأرقاء وستقوم الحكومة بتعويض من يثبت استحقاقه للتعويض».

- مدوّنة الباحث السعودي محمود عبدالغني صباغ، مليئة بمقالات رصينة في هذا الباب اعتمد فيها على أرشيف وزارة الخارجية البريطاني، الذي قال عنه إنه «يمسح بشكل شامل ومتفحص ونقدي جميع المراسلات الرسمية لدار الاعتماد البريطاني (القنصلية) في جدة». في بحثه قصة تجارة العبيد في الحجاز (1855 - 1962)، تشير إلى أنه «قبل خمسين عاماً بالتمام أُلغي الرق مطلقاً بقرار رسمي. في العام 1855م أصدرت الدولة العثمانية مرسوماً بقضي بمنع بيع الرقيق في جميع الأراضي الخاضعة لسيادتها. وطلب كامل باشا والي الحجاز العُثماني المقيم في جدة، من قائم مقامه في مكة، أن يجمع دلّالي الرقيق، ويخبرهم بالإجراءات الجديدة، بمقتضى أوامر الباب العالي.

يصف مؤرخ مكة المعاصر لتلك الفترة أحمد زيني دحلان، ردود الفعل بالقول: فلما علم الأهالي في مكة صاروا من ذلك في انزعاج واضطراب، وصاروا يقولون: كيف يمنع بيع الرقيق الذي أجازه الشارع؟، وتنادوا بالجهاد، واجتمع طلبة العلم في بيت رئيس العلماء ومفتي الأحناف، الشيخ جمال شيخ وطلبوا إليه ألا يرضخ لما يخالف الشرع وأن ينتقل معهم إلى دار القاضي ليمنع صدور ذلك الأمر، فلما مشت جموعهم في الشوارع انضم إليها الجمهور ونادوا بالثورة واشتبكوا مع الأتراك في قتال عنيف وامتد القتال إلى المسجد الحرام، فقُتل فيه عدة أشخاص من الفريقين، فلما انتهت الأخبار إلى الشريف عبدالمطلب بالطائف غضب للأمر وجمع جموعه من القبائل لإعانة الأهالي في مكة ضد الترك، فخف الأتراك إلى جدة وتحصّنوا بها، وأعلن كامل باشا أن المراسيم السلطانية قد وصلت إليه بعزل عبدالمطلب وتولية الشريف محمد بن عبدالمعين بن عون».

- الباحث ورئيس قسم الوثائق والدراسات التاريخية السابق بالمجمع الثقافي بأبوظبي، محمد مرسي عبدالله، في بحثه «بريطانيا وتجارة الرقيق في الخليج»، يورد الآتي: «في اتفاقية السلام العام 1820 استطاع كابتن تومبسون وهو من المتحمسين لمنع تجارة الرقيق، إقناع الميجور جنرال كير وضع بند فيها يقول إن نقل العبيد من إفريقيا في السفن يعتبر عملاً من أعمال القرصنة. وقد أهملت السلطات البريطانية في الخليج تنفيذ هذا البند. وتركزت محاولات بريطانيا في منع تجارة الرقيق في الخليج مع السيد سعيد بن سلطان، وذلك لوقف هذه التجارة في مهدها مع زنجبار في ممتلكاته بشرق إفريقيا منذ العام 1822. وبعد جهود طويلة نجحت بريطانيا في أن تعقد مع السيد سعيد بن سلطان اتفاقية العام 1845 لمنع تجارة الرقيق من ممتلكاته في شرق إفريقيا إلى الخليج وإلى المستعمرات الفرنسية والبرتغالية في المحيط الهندي. كما نجحت المحاولات البريطانية في إسطنبول وصدر فرمان في يناير/ كانون الثاني 1847 يمنع السفن التركية من الاتجار في رقيق شرق إفريقيا ويحذر بمصادرة السفن المتعاملة في الرقيق. وسمحت الدولة العثمانية للسفن الحربية البريطانية بتفتيش السفن التركية وهذا هو ما تحرص عليه بريطانيا. وأخطر والي بغداد نجيب باشا بفحوى هذا الفرمان.

في 30 أبريل/ نيسان من العام 1847، وقع الشيخ سلطان بن صقر القاسمي اتفاقية بمنع استيراد العبيد في سفنه الخاصة وسفن رعاياه. ووافق الشيخ سلطان بن صقر على تفتيش السفن البريطانية لسفنه وسفن رعاياه. ويبدأ تنفيذ هذه الاتفاقية اعتباراً من 9 ديسمبر/ كان ن الأول 1847 الموافق أول السنة الهجرية العام 1264. ووقع أيضاً على هذه الاتفاقية الشيوخ في إمارة أبوظبي وإمارة دبي وإمارة عجمان وإمارة أم القيوين. ويذكر هينيل أن الشيوخ جميعاً وقعوا على هذه الاِتفاقية دون اقتناع منهم ولكن إرضاء للحكومة البريطانية».

عبدالرحمن الباكر
عبدالرحمن الباكر
إعلان منع تملُّك الرقيق بأمر حاكم البحرين
إعلان منع تملُّك الرقيق بأمر حاكم البحرين

العدد 4379 - الثلثاء 02 سبتمبر 2014م الموافق 08 ذي القعدة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 3:05 ص

      و كانوا بضربونهم لايام متواصلة حتى تزول عنهم النزعة الى الحرية

      لطالما ظن الظالم ان التعذيب يمكنه من دفن النزعة الانسانية للحرية

    • زائر 1 | 1:07 ص

      واخزياه

      واخزياه

اقرأ ايضاً