العدد 4384 - الأحد 07 سبتمبر 2014م الموافق 13 ذي القعدة 1435هـ

النخبة تختفي... والطبالة ترتقي

خالد جناحي

مصرفي بحريني

يجب أن تكون الطبقة المتوسطة هي الشريحة الديموغرافية الأكبر في أي بناء مجتمعي سليم، وهي ما تضفي على هذا البناء صفة وهوية المجتمع. وعندما تتآكل الطبقة المتوسطة، فإن ذلك يعني تآكل نسيج ووجود المجتمع كأفراد تباعاً. وكما هو معتاد، تشكل شريحة النخبة قادة هذا المجتمع، فهم من يرسمون الخطوط العريضة للمستقبل من خلال الإلهام وتحديد الاتجاهات والقيادة، وباختفاء شريحة النخبة يختفي مستقبل المجتمع.

ومن المؤسف أن شريحة النخبة قد بدأت تختفي من مجتمعاتنا، حيث تم استبدالها تقريباً بجيش هزلي من «المتملقين». حيث إن هذه السلالة من الطفيليات على حدود معرفتي هي جديدة نسبياً.

ويذكرنا دور هؤلاء الأفراد بما تقوم به فرقة الطبالة التقليدية. حيث إن دور الطبالة هو قرع الطبول من أجل جذب الانتباه لحدث رئيسي معين. وهو ما يعد دوراً ثانوياً وصاخباً للغاية، كما أنه متأصل في الكثير من ثقافات منطقة الشرق الأوسط منذ زمن بعيد، حيث كان يتواجد في المعتاد وبشكل حصري في أوساط صناعة الترفيه. أما اليوم، فيبدو أنه قد أصبح دوراً أساسياً في جميع الأوساط والقطاعات التي يمكنني التفكير بها في الشرق الأوسط.

حيث يتم استبدال حكمة النخبة بالجعجعة الهزلية المخجلة (أو بالأحرى الوقحة) لفئة الطبالة في جميع أنحاء المنطقة. وفي الحقيقة، ربما تحظى دول الخليج بأعلى تعداد للطبالة في العالم، وهي بالتأكيد وصمة عار حتى وإن كانت ستدخلنا موسوعة غينيس للأرقام القياسية.

فاليوم يبدو أن نخبة مجتمعاتنا، أو معظمها على الأقل، لا تلبي المعايير التقليدية الراسخة التي عُرفت بها نخبة المجتمع المبجلة منذ القدم. وبدلاً من ذلك، فهم يبدون جميعاً كما لو كانوا مجموعة من المستنسخين المتملقين على الدوام. فلم يعودوا هم هؤلاء الأفراد الذين يطرحون الحلول الفريدة للتحديات المعاصرة؛ ولا من يقدمون النقد البناء؛ أو طرقاً جديدة لإنجاز المهمات؛ ولا من يمنحون الإلهام ويقودون المجتمع؛ وبالتأكيد هم ليسوا هؤلاء الأفراد الذين يناقشون أو يعترضون على الأوضاع الراهنة. حيث احتل هؤلاء الطبالة الهزليون من الأفراد المتملقين مكانة النخبة في وقتنا الحاضر، للموافقة وليس للمواجهة، وليكونوا تابعين لا قادة، وليصفقوا بطريقة هزلية ويتبعوا بشكل أعمى طوال الوقت.

ولابد أن هذه هي واحدة من أقدم المهن في التاريخ، ولكن من المثير للقلق أن يستولي ذلك على شريحة النخبة في مجتمعاتنا. كما أنه لا يوجد أدنى شك في أن ذلك الدور يشكل مهنة للبعض. ومن هنا فقد أصبح ذلك واحداً من العناصر الأساسية ومحفزاً قوياً للانحطاط والتدهور الذي تشهده المنطقة. وأنا لا أتحدث هنا عن الإطراء البريء، أو حتى الإعجاب الصادق والموجود في جميع الثقافات، والذي قد يكون له أثره الإيجابي، بل أعني ذلك السلوك الطفيلي لبعض الأفراد الذين يتعلقون بأصحاب السلطة، ويتغذون ويعيشون على نفوذهم من دون بذل أي شيء في المقابل، تماماً كما تمتص البعوضة الدم من الكائن المضيف. ومثل هؤلاء الأشخاص يتواجدون فقط من أجل تعزيز مكاناتهم في السلم الاجتماعي، وذلك على حساب الجميع بما في ذلك أسيادهم. أما ما هو مخجل أكثر فهو أن مصاصي الدماء هؤلاء غالباً ما يأتون من الطبقات العليا في المجتمع، بعضهم بحكم المولد والبعض الآخر من خلال تحقيق إنجازات مميزة.

وهناك استثناءات بالطبع، ولكن الوضع الإجمالي يشير إلى أننا نتراجع إلى الخلف. فمن الواضح أننا نحتفي بالطبالة ونكافئهم ونشجعهم، بينما نعاقب أو نضطهد أو نقصي النخب الحقيقية.

لذا فإنني أعتقد أن علينا جميعاً أن نقلق بشأن هذا الأمر لأنه لا يعد بمستقبل مشرق أبداً، فربما يكون اختفاء الطبقة المتوسطة مأساة، ولكن اختفاء النخبة هو حتماً أمر كارثي ومروع.

إقرأ أيضا لـ "خالد جناحي"

العدد 4384 - الأحد 07 سبتمبر 2014م الموافق 13 ذي القعدة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 43 | 4:32 ص

      الأمانة

      الرئاسة أمانة؛ متى ما شعر كل فرد أن من يرعاهم سيحاسب عنهم فلن يتساهل أو يقصر؛بل سيفكر ليلا ونهارا في هذه التكاليف الملقاة على ظهره،ليتفكر كل منا في دوره وأمانته هل حققها؛ ليسعد في دنياه وآخرته

    • زائر 42 | 4:31 ص

      الأمانة

      الرئاسة أمانة؛ متى ما شعر كل فرد أن من يرعاهم سيحاسب عنهم فلن يتساهل أو يقصر؛بل سيفكر ليلا ونهارا في هذه التكاليف الملقاة على ظهره،ليتفكر كل منا في دوره وأمانته هل حققها؛ ليسعد في دنياه وآخرته

    • زائر 39 | 11:39 ص

      لنبدأ بالتعليم

      اذا كانت البحرين بعد عشرات السنين من إدخال التعليم النظامي فيها لا تستطيع الإكتفاء بأبنائها كمعلمين وتربويين فهذه كارثة إذ كيف سيبني البلد الأجنبي بغض النظر عن جنسيته عربي كان أو هندي ،نسبة الامية في البلد انخفضت وذلك يعزى للقيام النخب في بدايات التعليم بالتركيز على هذا الأمر ،لكننا اليوم نعاني من فئة طائفية جداً تدير التعليم وتعمل على اقصاء الكفائات واستبدالهم بالأجانب فقط للأنتقام من طائفة ولا ننسى التجارب الدنماركية الفاشلة التي تخرج بها هذه الفئة كل فترة ولا يهمهم إذا دمروا التعليم بغبائهم.

    • زائر 38 | 11:31 ص

      عنوان اختصر الالاف من الصفحات المفصلة

      النخبة تختفي
      والط..... ترتقي
      ووطني في مهب الريح

    • زائر 37 | 11:12 ص

      المصيبة والطامة الكبرى اصبح الم.. له وال... من طينة واحدة قوم ... فا.....منح..لاتعرف الا مصلحتها الشخصية

      النخبة في المجتمع البحريني الشريف اصبحت مهمشة ومقصية وحثالة المجتمعات الاخرى جلبت لهذا الوطن الجريح لتكون بطانة وط... وحماية للفاسدين وسراق الشعب والمشكلة ان اخواننا حكومات مجلس التعاون تشجع وتساعد على تفكيك وافقار الشعب البحرينى وبدل ان تعيننا على حل مشاكل هذا الشعب اصبح تعين على القضاء على الشعب وتفكيكة وافقاره وهذه حقيقة مؤلمة وقاسية ولكنها الحقيقة للاسف وشعوب الخليج ان لم تتحرك لحماية شعب البحرين فسوف يأتيها الدور اجلآ او لاحقا

    • زائر 36 | 10:37 ص

      تحية

      مقال رائع يعري ويميط لثام.

    • زائر 35 | 8:02 ص

      قاطعوا الانتخابات الهزلية

      إذا أرادت الطبقة الوسطى أن تكون فاعله عليها مقاطعة الانتخابات البرلمانية المقبلة

    • زائر 34 | 7:57 ص

      المخارقة

      شكرا استادي على هاذا المقال
      منافقون, وصوليون, متملقون

    • زائر 33 | 7:53 ص

      فوق شينهم قواة عينهم

      ....اكثر تحصل أكثر

    • زائر 32 | 7:50 ص

      Too late now

      نحن الطبقة المتوسطة .... خلاص اختفينا وانتهينا

    • زائر 30 | 7:41 ص

      انواع ال...واحد لو وايد

      مقال في الصميم، بس مانعرف استاذ خالد جناحي يقصد كل ال....بمافيهم من داسوا على الناس وظلموهم في ازمة 2011 وتسلقوا بدعوى حبهم وولائهم للوطن.

    • زائر 29 | 7:41 ص

      انواع الط.... واحد لو وايد

      مقال في الصميم، بس مانعرف استاذ خالد جناحي يقصد كل الط.....، بمافيهم من داسوا على الناس وظلموهم في ازمة 2011 وتسلقوا بدعوى حبهم وولائهم للوطن.

    • زائر 27 | 7:21 ص

      احسنت

      احسنت قولا ووصفا، رجل محترم وفكر راقي، وان دل على شيء فهو يدل على انك انسان مهني وضميرك حي

    • زائر 26 | 6:49 ص

      نعم

      دائما ما تنتج المستنقعات مثل هذا المنتج المخزي
      اذا فقد هؤلاء البيئه الحاضنه فسوف يتلاشون تلقائيا
      حارب البيئه و المناخ العكر لتحاربهم

    • زائر 25 | 6:20 ص

      وماذا عن ال.. المتقاعدين؟

      لم تشر الى دور الط...الذين تم الاستغناء عن خدماتهم واحالتهم الى التقاعد او الموت البطئ؟ ما دور هؤلاء الآن؟ خل يكون دورهم كشف ال... المنغمسين؟ أم القيام بدور ال.... التوعوي؟ برأيي يمكن الاستفادة من هؤلاء في تنوير المجتمع، ولكن بعد خراب مالطا!

    • زائر 23 | 5:53 ص

      استاذي الكريم ،، كلامك في الصميم

      بعض .. حتى من يمتدحونه لسان حاله يقول ( اه يالجمبازية ) كل هذا فيني والله ما اردتم غير التملق يالجمبازية ، ولا تظن استاذي ان الممدوح لا يعرف طينة هؤلاء الطفيليين يعرفونهم تماما ، ولكن المصلحة الوقتية تتطلب وجودهم ، ولكن الأدهى انهم وبعد ان يتمكنوا ويعطوا الأمر والنهي يخربون بيوت الناس ويبعد الناصحون والكفاءات وبهذا يكون خراب الأوطان لتقريب ... الضعيف وابعاد الناصح الأمين . شكرا استاذي واعتقد انك اصبتهم في مقتل .

    • زائر 22 | 5:42 ص

      هناك من يخالفك الرأي

      أعتقد أن أُلي الامر في البلاد لهم رأي آخر، وتستطيع أن تسمع ذْلك في خطابات رئيس الوزراء وولي العهد. ولا آنه غلطان؟

    • زائر 21 | 5:29 ص

      مقال روعة

      بارك الله فيك وهذا واقع

    • زائر 20 | 4:38 ص

      شكرا جناحي

      مقال رائع جداً للأستاذ خالد جناحي نتمني المزيد من هذه المقالات الي فعلا نحتاجها في هذا الوقت ،
      رائع جناحي والي المزيد،،

    • زائر 19 | 3:35 ص

      الله

      الله يصبر شعب البحرين من ظلم الحكومة

    • زائر 17 | 2:23 ص

      ام محمد

      الصراحة اخوي خالد اصبت في تسميتهم بالطبالة ،ناس تشمئز منهم النفوس

    • زائر 16 | 2:19 ص

      ام محمد

      صح لسانك اخوي ،القلب يدمي على هالبلد وما آلت اليه. في السابق كانت النخبة اناس محترمين واهل ثقة من قبل جميع شرائح المجتمع تقريبا بسبب غيرتها وحميتها على ولم يكن هناك نظرة لمذهب الشخص لا من العامة ولا من النخبة اما هؤلاء الطبالة فأصبحوا ممقوتين من الجميع

    • زائر 15 | 2:11 ص

      شكرا

      وينك ها المده البحرين محتاجه لامثالك ، جزاك اللة الف خير عن البحرين وأهلها ... أبشر بالعداء والبلاء من الطبالة من هذا اليوم

    • زائر 14 | 2:06 ص

      الاستاذ خالد جناحي

      الأستاذ خالد جناحي ، يعجز الانسان عن شكرك علي هذا المقال الرائع كروعة نفسك الطاهرة ، والذي قلت فيه الحقيقة والواقع الذي نعيشه في البحرين ، وكما قال سابقاً ويكررها الآن المناضل عبدالله مطيويع الروس نامت والعصائص قامت،لكن تبقي حقيقة الانسان واضحة كوضوح الشمس ، الطبال فضح روحه والنخبة معروفه

    • زائر 13 | 1:34 ص

      ... الكِبار

      وفي مجتمعنا البحريني حالة فريدة كذلك وتشمئز منها النفوس عندما تجد الكثير من الوزراء ن فئة ...الكِبار، والكثير أيضاً ممن أصبحوا بقدرة قادر مدراء، وكلاء مساعدين ووكلاء وحتى وزراء- هؤلاء- أصبحوا من ... الخُلّص، الذين يطبلون في كل وقت وحين واصبحت صفة التطبيل واضحة كوضوح الشمس على وجوههم...نسأل الله الفرج لهذا البلد والوقاية من شرور الطبالة

    • زائر 11 | 1:13 ص

      الواجب و المطلوب منك يا بويوسف و من بقية النخبة؟ ( 3)

      أما من يدفع الثمن فهو الإقتصاد البحريني و الموظف البسيط و قادة هذه المؤسسات السابقين الذين ساهموا في دفع الطبالة و المتملقين إلى اعلى الرتب التنفيذية حتى أنقلبوا عليهم و كادوا لهم المكائد! ث....البحرين.

    • زائر 10 | 1:11 ص

      الواجب و المطلوب منك يا بويوسف و من بقية النخبة؟ ( 2 )

      . بل و زاد على ذلك إستبعاد الناصحين من ذوي الكفاءة و الإجتهاد لأنهم لا يتفقون مع االمآرب والتوجهات الشخصية لقادة هذه المؤسسات! و الأمثلة منها كثيرة كبنك ... أمثلة لا حصر لها.

    • زائر 9 | 1:09 ص

      الواجب و المطلوب منك يا بويوسف و من بقية النخبة؟ ( 1 )

      شكرا يا أبا يوسف على هذا المقال الذي يوضح الكثير من أسباب تردي المجتمع و ما يليه من تبعات. و لكن للأسف الأمر ينطبق على القطاع الخاص ... فالكثير من المؤسسات المالية والمصرفية في البحرين تردت بل تهاوت إلى العمق السحيق بسبب تقريب المتملقين و الطبالين من الموظفين ذوي الإنتاجية الضعيفة،

    • زائر 8 | 12:49 ص

      زمن

      هناك خياران إما ان تكون طبالا ، وإما ان تكون خائنا وكله بحسابه ، شكرا علي هذا المقال الرائع

    • زائر 7 | 12:40 ص

      الطبالة تحترق

      شكرا اخي
      يمكن لكل انسان ان يغش الاخرين الا نفسه فجميع الطبالة يعرفون انفسهم جيدا ويقرون بذلك امام بعضهم واحيانا ينضح الاناء بما فيه للعامة ولكن حين يسمعون الكلمة يصابون بتماس كهربائي شديد يشلهم ويصيبهم بالذعر والاغماء فانت اصبت كبد الحقيقة وحرقت كبد الطبالة

    • زائر 6 | 12:36 ص

      سلمت يابحرين .

      من يد المتملقون المنافقون والطباله المرتزقه .

    • زائر 5 | 12:34 ص

      الطبالة هم سبب التاخر.

      الناس تطالبح بحقوقها اسنين ولا مجيب , والطباله الماجورة تصفق لانها ببساطة قبضت الثمن لبيع الوطن بثمن بخس . الله يكفينا شر طبالة هدا الزمان .اللهم صل ع محمد وال محمد وعجل فرجهم يارب .

    • زائر 4 | 12:24 ص

      غياب النخبه وظهور الطباله

      عندما لا تكون الكفاءة هي شرط أساسي لأداء العمل ولا الجوده هي المعيار في تقييم العمل تكون النتيجة التي تفضلت بها

    • زائر 3 | 12:20 ص

      كلام جميل

      كلام واقعي وصريح... و يبدو لي إن هؤلاء المتملقون سيوصلون البلد الى لا شئ
      وعندها سيعرف الجميع حجم الكارثة التي وضع الكاتب يده على الجرح النازف منها

    • زائر 2 | 12:19 ص

      صح الله لسانك

      نعم اخي العزيز وما كتبته هو الحقيقة بعينها وان الطباله همهم العيش على فتات من يطبلون له وتذوب همتهم ويكونوا هم المستفيدين فقط ولكن النخبة الاخرى والتي تذوب وتنهي جلّ عمرها في السعادة لها ولجميع مكونات الشعب تدفن عنوة وتقبر جميع افكارها وما تطرحه من سعاة يعتبره الطرف الاخر تعاسه . ورغم ان ضجيج الطبول يوجع الرأس والكلمة الهادفة تنعش الحياة . الا ان المقدم هم الصاخب والمقصي هو من يذوب حبا للسعادة

    • زائر 1 | 11:43 م

      احسنت فينا قلت

      هدا ما عجز عن قوله كثير ممن يدعون الرجولة والاخلاص للوطن

اقرأ ايضاً