العدد 4409 - الخميس 02 أكتوبر 2014م الموافق 08 ذي الحجة 1435هـ

ولنا دروس في غزة الصمود

سيدعدنان الموسوي

كاتب بحريني

تقاطع العدوان الإسرائيلي على غزة مع الأسابيع الثلاثة الأخيرة من شهر رمضان المبارك، كما تقاطعت ستة أيام من تلك الفترة الزمنية (8 - 13 يوليو/تموز 2014) مع مباريات كأس العالم، وهكذا كانت فرصة سانحة لـ “إسرائيل” للهجوم على غزة في غفلة من الرأي العام العالمي المتابع باهتمام لكأس العالم، والرأي العام العربي والإسلامي المشغول والمشلول في أداء فريضة الصيام. وهكذا على غرار 1967 جيء بالزمان والمكان المناسبين للإجهاز على غزة المنهكة من الحصار.

بلغت حصيلة الحرب حتى يوم وقف إطلاق النار أكثر من عشرة آلاف منزل مهدّم جزئياً، و1700 منزل مهدم كلياً، وكان لخزاعة والشجاعية وخان يونس نصيب الأسد من التدمير الكامل في هذه الحرب غير المتكافئة. وبلغ عدد الشهداء أكثر من 2400 شهيد، وبلغ عدد الجرحى أكثر من 11000 جريح، جروح بعضهم خطرة، ما يرشّح عدد القتلى للزيادة، ناهيك عن الإعاقات المستديمة التي سيُمنى بها الكثير من المصابين، كما أبيدت في هذه الحرب الشنيعة 68 عائلة فلسطينية بالكامل.

في لقاء للميادين مع جمال خلف الطويل إبان العدوان على غزة، أشار إلى أمر بالغ الأهمية، وهو أن القيمة الخدمية لـ “إسرائيل” قد بدأت بالتراجع وبشكلٍ تسارعي، بعد أن ثبت تكرار عجز “إسرائيل” من النيل من المقاومة في الاعتداء الأخير على غزة. فبعد إلقاء آلاف القنابل من البر والبحر والجو، لم تستطع “إسرائيل” تحقيق أهدافها المعلنة، وهي هدم الأنفاق والقضاء على المنظومة الصاروخية التي لم تتوقف حتى آخر دقيقة قبل إعلان وقف إطلاق النار يوم الثلاثاء 26 أغسطس/ آب 2014.

نستنتج من ذلك أن “إسرائيل” على عادتها كل مرة، استخدمت طائرات الإف 16 بكفاءة عالية، ولكن في قتل العزّل وهدم المنازل والمساجد والمستشفيات، وتحطيم البنى التحتية لغزة وبحماقة وبربرية لم يشهدها العالم في العصر الحديث، في غياب أي استنكار عربي رسمي. كل ذلك يؤكد أن تحليل الباحث الطويل يجانب الحقيقة في أكثر من موضع، ولذلك استعاضت الآلة الإسرائيلية عن فشلها في ضرب المقاومة بالتنكيل بالمدنيين لتقول للعالم أنها مازالت قوية، وكل يوم يمر يضعها بين مطرقة جرائم القتل البربرية التي ألهبت مشاعر الجماهير في العواصم العالمية وسندان احتجاجات المواطنين الإسرائيليين بعد أن طال حبسهم في الملاجيء لخمسين يوماً.

من جانبٍ آخر كان العنف المفرط والتمثيل بالأبرياء ليس لإشباع غريزة القتل بقدر ما يؤكد ارتفاع وتيرة الإرباك والخوف من تكرار الهزيمة، فمغالات الجيش الإسرائيلي في التدمير الممنهج والقتل الهمجي كان لصرف الأنظار عن الحقيقة الساطعة بأن الآلة العسكرية الإسرائيلية باتت مرة تلو أخرى، عاجزة عن القضاء على المقاومة الإسلامية لـ “حماس”، وقبلها “حزب الله”. الأمر الآخر هو محاولة إنهاء المعركة في أسرع وقت ممكن، إذ كلما طال أمد الحرب زادت كلفتها المالية في دولة مثل “إسرائيل”، وزادت تبعاتها الاقتصادية على المواطن الإسرائيلي في نهاية الأمر.

من جانب آخر، إذا كانت تكاليف صيانة الطائرات التي شاركت في حرب تموز 2006، حسب إفادة قناة “المنار”، هو 2 مليار دولار، تُرى كيف ستكون الأمور عندما تسقط مضادات “حزب الله” أو “حماس” 10 أو 20 طائرة إف 16 في جولة واحدة مستقبلاً؟ لماذا نستبعد هذا الأمر؟ فإذا وجدت التقنية والسبب (الدفاع عن النفس)، فإن العدد مرهون بطول أمد المشاركة الجوية للعدو، وإذا حدث ذلك ستتغير أسطورة السيادة الجوية لـ “إسرائيل” إلى الأبد. وقد رأينا كيف أعطب حزب الله في حرب تموز 2006 أكثر من 30 دبابة ميركافا في يوم واحد، تلك التي تدعى “القلعة المتحركة من دخلها آمن ومن كان خارجها ميتاً”، وكيف دشّنت تلك الواقعة لوحدها وأسقطت أسطورة الميركافا التي لا تقهر.

إن الأيام المقبلة ستكشف بحق أن “إسرائيل” لن تكون في موقع القوة المرجوة إذا ثبت عجز طيرانها عن التحليق في أجواء غزة مستقبلاً، وبذلك ستحقق المقاومة مكاسب أكثر، وستكون في موقع تفاوضى أفضل. ولكن كل ذلك مرهون بمدى استبسال الجيش العربي السوري ومن خلفه روسيا وإيران، في القضاء على الجماعات الإرهابية المتربصة للوثوب على الجيش السوري وتقاسم الأرض السورية.

هذه ليست أضغاث أحلام، وعلى حد قول فيدل كاسترو: “من سوء حظ إسرائيل أنها بليت بالشعب الفلسطيني، فانظر أين الهنود الحمر من الفلسطينيين؟ وهاهم الفلسطينيون مازالوا يقاتلون بعد 70 عاماً، ولم يثنِ عزائمهم القتل والتشريد والتنكيل”.

الأمر اللافت في هذه الحرب أن غزة دفعت كلفة عالية من دماء أبنائها وأطفالها ونسائها ومساكنها وبنيتها التحتية، مقابل وصول صواريخ المقاومة إلى تل أبيب وكل المدن الإسرائيلية، وهي سابقة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي. الأمر المحزن والملفت في أن الصمود الفلسطيني الجبار في هذه الحرب تم بدون ظهير عربي عسكري أو سياسي، حتى أننا لم نسمع أي استنكار عربي على المستوى الرسمي كالجامعة العربية، هذا و”إسرائيل” ليست وحدها في الميدان.

لقد عانى العرب في حروبهم مع “إسرائيل” حرب 1956 وحرب 1967 ومن ثم 1973، وصولاً إلى حرب تموز 2006 وحرب غزة 2012 و2014. والشيء الملفت أن تصريحات الرؤساء العرب الذين عاصروا هذه الحروب تردد نفس القول: “إننا لا نقاتل إسرائيل وحدها بل دولاً عديدة”، وقد سمعتها في خطاب التنحي للرئيس عبد الناصر العام 1967، وفي تصريحات الرئيس السادات العام 1973، وفي تصريحات السيد حسن نصرالله، والآن في حرب غزة 2014، تُرى ماذا تعني هذه التصريحات؟

هل حقاً تريد “إسرائيل” ومن يساندها أن تجعل من فلسطين وطناً آمناً لليهود؟ إذا كان الجواب نعم، فلم المماطلة والتسويف في مشاركة الفلسطينيين الأرض والاعتراف بحقوقهم منذ وقت بعيد؟ أم أن الهدف هو إغراق دول المواجهة ومن في فلكهم في ديونٍ عسكرية لشراء أسلحة ومعدات حربية لمواجهة اعتداءات “إسرائيل” واستفزازاتها المتكررة، وتحقيق الهدف الأكبر غير المعلن، وهو تدمير وتكسير الأنظمة العربية الواعدة كمصر وسورية ولبنان والعراق (المفاعل النووي العراقي)، وغزة وإيقاف عجلة التقدم والبناء على كل الأصعدة العسكرية والتنموية والتعليمية. ترى كم يحتاج الفلسطينيون حتى يعيدوا بناء غزة المدمرة... ويعيدوا تأهيل أصحاب الإعاقات الدائمة؟

وبنفس القاعدة ولكن على صعيد جغرافي آخر، كان يجرى إغراق دول الخليج العربي في ديون عسكرية لتمويل حروب عبثية كالحرب العراقية الإيرانية فى بداية الثمانينيات، وآخرها الحرب على “داعش” هذا العام. والهدف غير المعلن من كل هذه الحروب هو إفراغ الخزائن العربية والغنية تحديداً، من أية أموال أو أصول سائلة ، وبشكل متكرر قبل نفاد النفط وإبقائهم خارج المعادلة (حال ظهور أول بدائل طاقة جديدة على السطح) ثم بعد ذلك هل سيرضى بنا الغرب والعالم أكثر من دول رقمية على الخارطة السياسية والمالية العالمية؟

إن المتتبع لحروب “إسرائيل” منذ 1956 يرى بوضوح أن “إسرائيل” لا هم لها إلا الإجهاز على الآلة العسكرية وإيقاف عجلة التقدم لكل نظام عربي يسعى لتحقيق ولو جزئياً ما يعرف بسياسة الاكتفاء الذاتي التي كان يرددها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في خطاباته، ماذا يعنى ذلك؟ هل علينا نحن العرب والأمة الإسلامية أن نبقى مستهلكين نأكل ونشرب وننام كالبعير إلى أبد الآبدين؟ وعندما خطت الجمهورية الإسلامية الإيرانية خطوات جبارة على كل الأصعدة الزراعية والصناعية والتجارية والعسكرية والتكنولوجية، قامت قيامة “إسرائيل” والعالم الغربي بدعوى صناعة القنبلة الذرية، لماذا؟

منذ العام 1979 ونحن نلهث من حرب إلى حرب، وما أن ينتهي النفط ونفيق حتى تكون الأرض العربية الزراعية الواعدة قد تراجعت كثيراً وتصحّرت وأصبحت بوراً، إلا من المجمعات التجارية والمتاجر لكل شكل ولون من البضائع والسلع الأجنبية التي أغرقت أسواق البلاد العربية ووصلت إلى كل حي وزقاق.

لقد غرق العرب في حروب مع “إسرائيل”، ولكن للأسف الشديد لا يحظى هذا الجانب (التدمير والتخريب الممنهج لكل إنجاز عربي في دول الجوار لإسرائيل) بالكثير من الدراسة والتمحيص، بل ويجرى إخفاء المشهد الحقيقي، وهو القضية الفلسطينية وتصويرها على أنها حرب على غزة وحماس. إننا على مدى 70 عاماً، لم نستطع حتى الآن فضح هذا الأمر على الملأ في العالم كله، وصولاً إلى السكان الإسرائيليين المغيبين (تحت دعاوى حماية أمن إسرائيل).

لقد بثت قناة الميادين، والقول لمراسلها ناصر اللحام في فلسطين، أن أكثر من مليون ومئتي ألف إسرائيلي مازالوا يحتفظون بالجنسيات الأصلية غير الإسرائيلية، وذكر بالاسم الجندي جلعات شاليط الذي مازال يحتفظ بالجنسية الفرنسية؛ وأن كثيراً من السكان الإسرائيليين رفضوا أن يعودوا إلى مساكنهم في المستوطنات المتاخمة لغزة بعد خوفهم من فشل الجيش الإسرائيلي في تأمين حمايتهم. تُرى لماذا لا يفعل الفلسطينيون والعرب هذا الأمر ويكشفوه على الملأ حتى يتحرر سكان “إسرائيل” من هذا الكابوس، ويتخلوا عن سياسة مسك العصا من النصف؟

إقرأ أيضا لـ "سيدعدنان الموسوي"

العدد 4409 - الخميس 02 أكتوبر 2014م الموافق 08 ذي الحجة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 3:59 ص

      يا عمي صَلِّ على النبي

      اي انتصار و اي خرابيط الناس ماتت و البنيه التحتية تدمرت و الحين طاف شهر على وقف إطلاق النار الوضع مثل ما هو هذا الكلام الإيراني مأكول خيره ر.....................

    • زائر 1 | 3:50 ص

      يا فلسطينيي الداخل .. اتحدوا

      كلام شعبوي مليء بالمغالطات التاريخية ويفتقر للحس السياسي هدفه اظهار ايران و "حزب الله "على انهما المنقذ والامل لحل القضية الفلسطينية واظهار العرب متنكرين لها ! لو سارالفلسطينيون وراء هذه الاوهام لانتهت قضيتهم الى الابد .الاجدى الان هو المصالحة بين الفصائل الفلسطينىة اصحاب القضية وان يتخلى بارونات حماس عن دور الوكيل الحصري للمقاومة لأن خسائر قراراتها المنفردة تطال الشعب الفلسطيني كله . ألاولوية الان هي اتحاد الفلسطينيين وهنا يكون للدعم العربي تأثيرا حقيقيا.

اقرأ ايضاً