العدد 4415 - الأربعاء 08 أكتوبر 2014م الموافق 14 ذي الحجة 1435هـ

لماذا ينتحرون؟

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

لو كنتَ في سويسرا لأمكَنَكَ الانتحار. منذ العام 1942 والقانون هناك يُجيز لأي أحد أن ينتحر إذا لم تكن لديه «مصلحة مباشرة في الوفاة». وإذا أردتَ مساعدة من أحد، فلا يجوز قانوناً أن يُساعدك أحدهم «بأكثر من إتاحة الجرعة القاتلة للشخص الذي يتمنى الموت»!

قبل فترة، أعلنت منظمة إكزت السويسرية المعنية بمساعدة «الذين يريدون التخلص من حياتهم ومَنْ يدافعون عن حقهم في رفض العلاج الطبي» والتي تأسست قبل 32 عاماً، و»تُوفِّر عقاقير قاتلة لمساعدة المصابين بأمراض عضال على الموت»، أنها تلقت خلال هذا الصيف «طلبات أكثر من المعتاد» لأناس يودُّون الموت بطريقتهم لا أن يُسلِّموا للقدر!

وحسب البيانات الموثقة في أرشيف هذه المنظمة حديثاً، فإنها «تتلقى ما بين 60 إلى 100 طلب عضوية جديد يومياً»، من أناس يرغبون في توثيق وصاياهم حيث يشرحون فيها الكيفية التي يرغبون من خلالها التعامل معهم عندما يُصابون بمرض عضال، في حين كانت الاستمارات التي يتقدم بها الأعضاء قبل سنة ونصف لا تتجاوز 30 إلى 60 استمارة يومياً فقط، بمعنى أن هناك زيادة وقدرها النصف تقريباً في عدد الأعضاء.

ورغم أن الصيف (وبالتحديد شهرَيْ يوليو/ تموز وأغسطس/ آب) عادةً ما يكون فرصة للاستجمام والراحة ونسيان الهموم حسب نائب رئيس مؤسسة «إكزت» بيرنار سوتر، إلاَّ أن الأمر ازداد ولم ينقطع، ووصل عدد المنضمّين إلى المنظمة بنحو 75 ألف عضو وبأعمار مختلفة، بعضهم في الأربعين وآخرون في الخمسين وأيضاً في الستين!

وثائق المنظمة المذكورة تشير إلى أن 459 من السويسريين الناطقين بالألمانية قد انتحروا بمساعدة هذه المنظمة حسب تقرير لوكالة «رويترز» للأنباء اعتمدنا عليه في وصف وقائع الانتحار. ولم ترِد أرقامٌ عن السويسريين من الشطر الفرنسي أو الإيطالي أو الرومانشي.

في كل الأحوال، الموضوع مثير ليس لأنه وَقَع، بل لأنه يحدث في بلد كسويسرا، التي تعيش قومياتها برفاهٍ وحرية قلّ نظيرها. كما أنها مجتمع متعدد ثقافياً ومندمج إلى حد بعيد، وبالتالي هم تجاوزوا الانقسامات الاجتماعية، ما خلا بعض التفصيلات.

كما أنهم يعيشون في كَنَف نظام منفتح يسمح بانتخاب البرلمان والحكومة، بل والتصويت «والتصديق بشكل خاص على قرارات البرلمان ذات الأهمية الكبرى»، والمشاركة في استفتاءات بلغت ومنذ العام 1848 ولغاية ثماني سنين خلت، 3716 استفتاء ومبادرة، وبالتالي لا توجد لديهم مشاكل سياسية أو ذات طابع أمني متمخضة عنها.

ربما لا نناقش قضية الأمراض المستعصية التي تدفع أصحابها إلى اليأس، ولكن نحن نناقش أصل الانتحار والرغبة في الموت، حيث أشارت الإحصائيات الأخرى إلى أن سويسرا فيها أعلى نسبة انتحار بالأسلحة النارية من بين كل الدول في القارة الأوروبية، والثانية عالمياً حيث أنها وفي بحر تسعة أعوام فقط حصلت فيها 3410 حالة انتحار بسلاح ناري.

وهنا يأتي الاستغراب والعجب: إذ كيف يحدث ذلك، ويزداد في مجتمع يتمتع بكل تلك الخصائص والامتيازات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، التي تجعله في مصاف أرقى دول العالم، وصاحب أجمل طبيعة ومناخ وتسهيلات؟ إنه سؤال الأسئلة!

الحقيقة، أن جزءًا من الموضوع مرتبط ارتباطاً أساسياً بالمسألة الروحية في هذا البلد. فسويسرا وإن ارتبط اسمها بالمسيحية، إلاَّ أن نسبةً ليست قليلة من ناسها لا تؤمن بأي شيء. وهي نسب تتزايد كلما أجرِيَ استطلاع بشأنها. وقد ثبت أن غياب الإنسان عن الأمور الروحية بشكل تام ومطلق، يجعله في إشكال نفسي وتِيْه وضياع أملهِ في الحياة.

كثيرة هي المجتمعات التي لم تؤمن بالديانات الإبراهيمية الموحِّدة، لكنها ظلت على صلة بديانات أرضية في أدنى الأحوال، كما في اليابان والهند والصين. ورغم أن بضعاً من تلك الديانات، لم تحدد موقفها القطعي من الانتحار، لكنها كانت إحدى روافد الروح لدى الإنسان الشرقي، التي سُدَّت عنده حاجات طبيعية شكَّلت ضرورة لديمومة حياته.

نعم، قد تحدث عمليات انتحار واسعة في مجتمعات تؤمن بدين سماوي، لكن الدوافع تبقى خارج نطاق الشُّح الروحي، إلى قضايا تتعلق بضيق الحال والفاقة، والمشاكل الأسرية والاجتماعية والنفسية، كما هو الحال في بعض الدول العربية والإسلامية.

لقد توصل جزء لا بأس به من الفلاسفة الغربيين إلى أن «المنطق الصرف دمار للروح». وأن «الروح هي الصوت المعبّر عن مصالح الجسد»، وأن «وضوح الأمور الروحية يتطلب منا تبجيل ما فيها من غموض». وأنه «إذا كان الإلحاد ديناً فالصحة مرض» وغيرها من المواقف التي قررها مثقفو الغرب، بعد موجة راديكالية ضد الدين، بدأت مع انطلاق عصر التنوير.

بالتأكيد، ليس المطلوب هو الإتيان بالطقوس الكهنوتية، ولا الإكثار من العبادات وحركاتها، ولا الإيمان برجال الدين، بل القضية متعلقة بدائرة الإيمان بالأسمى. فإذا كان للجسد متطلبات كالأكل والدواء والنظافة كي يبقى صحيحاً لا سقيماً، فإن للروح أيضاً متطلبات لابد من توفيرها كي لا تُصاب بأدواء قاتلة، لن تقود إلاَّ إلى الانتحار والفناء.

هذا الأمر هو ما دفع فلاسفة غربيين كرينيه جينو وروجيه دوباكييه كي يتحدّثوا عن ذلك بشكل صريح، لأنهم سئموا المادية المفرطة، والخواء الروحي. وربما دراسة تجربة كل واحد منهم (وغيرهم كُثُر) كفيلة بأن يطلع المرء على الكثير من الرؤى التي تؤكد هذا القول والموقف من المسألة الروحية.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4415 - الأربعاء 08 أكتوبر 2014م الموافق 14 ذي الحجة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 7:38 ص

      شكرا أ. محمد

      غياب الجانب الروحي ...هو سبب الانتحار

    • زائر 5 | 6:37 ص

      أهم مقولة

      إذا كان الإلحاد ديناً فالصحة مرض

    • زائر 4 | 5:04 ص

      ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

      اولا ايمانة بالله سبحانة وتعالى ضعيف وثانيا من الهم الي احنة عاييشين فية مع ان حسافة كل شباب الي ينتحرون

    • زائر 3 | 11:42 م

      الخوف من المجهول

      هو المحرك الاول لانتحار يطال الشباب والمراهقين خاصة مع عدم الشعور بالأمان وضعف التواصل بين الأفراد

    • زائر 2 | 11:06 م

      thanks

      nice artical mohammed

    • زائر 1 | 10:50 م

      لوفي كل الامراض واعيش في سويسرا ما جرحت إصبعي

      تخيل نفسك انت البحريني العربي المسلم المهم عايش في سويسرا وانت مواطن فيها عدالة قانون على الجميع رفاهية تامين صحي كل ماهو مذكور في كتابنا العظيم مطبق ومرضت بعيد الشر عن الجميع والله ما جرحت إصبعي هذا إحنا هني مكروفين ومكروهين ومميزين طائفيا وتضييق وتهم وقتل سجن وهدم بيوت الله وأمراض بكل أنواعها وصابرين ارجع لسويسرا الجميلة حرام واحد منكم ينتحر لنتبادل أهني مباشرة بتنتحرون واحنا هناك بنشفى والحمد لله على كل حال

اقرأ ايضاً