العدد 4425 - السبت 18 أكتوبر 2014م الموافق 24 ذي الحجة 1435هـ

المأتم والعمل التطوعي: كلنا في حب الحسين إخوة

حسن سعيد Hasan.saeed [at] alwasatnews.com

تأسر قضية الحسين (ع) الكثيرين في محرم الحرام. وهم يحيون الذكرى يظللهم المأتم ويشعرهم، رغم اختلافاتهم العمرية والوظيفية والاجتماعية، بأنهم كلهم يعيشون قضية واحدة، ويذكِّرهم، أيضاً، بأنهم أبناء مجتمع واحد. هنا، ترتبط العاطفة الجياشة بالشعور بالأخوة المجتمعية ويكون الموسم مركزاً لهذا الإحساس المشترك. وهذا الشعور يؤسس لعمل تطوعي رائع تنطلق كل مشاريعه «باسم الحسين» ويكون الموسم فترة ينتعش فيها التطوع المجتمعي المبدع.

منذ سن مبكرة وحتى سنوات العمر الأخيرة يؤثر موسم العاشوراء في شخصية الفرد منا بشكل أو آخر. في سنوات الإدراك الأولى يندهش أطفالنا بمشاهد المواكب العزائية التي تجوب المنطقة. في هذه الفترة تبدأ الاستجابة الأولى. بعض الأطفال يتسمّرون بعضهم يأنسون لصوت الرادود وإيقاعاته. وجه آخر من أوجه التواصل مع الموسم يكون باصطحابهم فترة الخطابة أو الفعاليات الاجتماعية أو الاحتفالات الدينية. يكبرون قليلاً فتأتي مرحلة تعلم الصلاة وبعض سور القرآن القصيرة. وفي الوقت الذي ينتقل الطفل من مرحلة الى أخرى تبقى فعاليات المأتم الأخرى مستمرة. منذ الصغر وحتى الكبر يبقى الخطيب يخطب والاحتفالات مستمرة ويبقى إدراكنا لمعاني هذه الأنشطة يتطور مع الأيام. يكبر الطفل منا وهو يشعر بدور موسم العاشوراء في بناء شخصيته ومعارفه ويشعر أن الوقت حان للقيام بدوره في خدمة أفراد المنطقة فيساهم بدوره في خدمة أبناء منطقته بما يقدر عليه وتستمر الدورة ويستمر المأتم في تحويل المستفيد إلى مفيد والطالب إلى مدرس في خدمة المجتمع.

هذا الارتباط المتواصل مع المأتم يساهم بشكل كبير في تعميق العلاقة العاطفية مع الحسين والتي بدورها تساهم في تركيز مفاهيم مهمة كالعمل التطوعي وخدمة المجتمع وقيمة العلاقات الاجتماعية. للعلاقة العاطفية مع الحسين مذاق خاص وجذاب يمكن أن تتم ترجمتها في مشاريع تخدم المجتمع عن طريق المأتم. بينما يتطوع البعض بالمال، يتطوع البعض الآخر بالجهد والوقت. يحوي المأتم الجميع ويوفر مساحات العمل التطوعي لمختلف التخصصات وأهم ما يوفره هو الدافع والحافز المرتبط بالأجر والثواب عن طريق خدمة المجتمع «باسم الحسين». ليس من المستغرب أن تشاهد في المأتم من يفخر، بغضّ النظر عن مستواه الاجتماعي، بأنه يقدم الشاي والقهوة لمن جاءوا لعزاء الحسين. خدمة الحسين فخر لكل من يساهم بما يستطيع. هذه الحالة العاطفية تجذب الطبيب ليساهم بفعالية طبية في المأتم، وتجذب معلم اللغة الإنجليزية ليساهم بدرس مجاني لتقوية أطفال المنطقة، وتجذب صاحب الصوت الجميل ليساهم في موكب العزاء، وتجذب من يجيد الطبخ ليساهم في إعداد الوجبات. مثل هذه المساهمات تركز العمل التطوعي في المجتمع وتجعل من المأتم، في وجه من وجوهه، كمركز اجتماعي تنطلق منه خدمات مجانية عديدة همّها خدمة المجتمع وهدفها الأجر والثواب وكل ذلك حباً في الحسين.

هذا الجانب الاجتماعي في عمل المأتم يبدو نتاج تطور إدراك معاني وأهداف مأساة كربلاء من جهة ونتاج تطور المجتمع وحاجاته من جهة أخرى. فَهْمُنا لدور المأتم مرتبط بشكل كبير بفهمنا لقضية كربلاء نفسها. قد تتم قراءة ما حدث في كربلاء من زاوية عاطفية مجردة وقد تتسع القراءة لتضم، إلى جانب العاطفة، جوانب كبرى تستحق الاهتمام والرعاية. قضية كربلاء وإحياؤها المستمر خلقت عاطفة قوية تجذب المحبين للحسين وتوفر مناخاً مميزاً لاستقبال أهداف الحسين وأهداف ثورته. تحمل المأساة الكثير من الأهداف والدروس وتأتي العاطفة لتسهل الاقتناع والامتثال لمثل هذه الأهداف.

حين يعلنها الإمام «إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي» يأتي استحضار المأساة طريقاً ممهداً لاستحضار أهداف الإمام التي من أجلها حصل ما حصل في كربلاء. حين ترتبط مأساة كربلاء بأهداف حركة الحسين في كربلاء تتسع مساحة دور المأتم. من جهة أخرى، بالموازاة مع اتساع فهم وإدراك أهداف قضية كربلاء، تتسع حاجات المجتمع ويكون المأتم إحدى الجهات المتصدية لتلبية مثل هذه الحاجات المتطورة. لا يمكن مقارنة الأدوار التي يقوم بها مأتم اليوم مع مأتم الأمس.

رائعون كل هؤلاء الذين يشعرونك بأبوتهم وأخوتهم تطوعاً وتقرباً إلى الله. يعلمونك ما يفيدك في الدنيا والآخرة ويعطونك درساً مجانياً في العمل التطوعي والتعامل مع أفراد مجتمعك وكأنهم أفراد أسرتك.

إقرأ أيضا لـ "حسن سعيد"

العدد 4425 - السبت 18 أكتوبر 2014م الموافق 24 ذي الحجة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 8:22 ص

      واحسيناه

      السلام عليك يا ابا عبد الله الحسين
      السلام عليك وعلى الارواح التي حلت بفنائك واناخت برحلك عليكم مني جميعا سلام الله
      نحن والحسين لا ننفك عنه قيد انملة فليرضى من رضي وليزعل من زعل فطريق الحسين طريق العزة والكرامة والنصر ونقول كما قال الحسين ( ان كان دين محمد لم يستقم الا بقتلنا جميعا فليقتلونا) ترخص دمائنا لك يا ابا عبد الله
      السلام عليك يوم استشهدت ويم دفنت ويوم تبعث حيا.

    • زائر 3 | 7:17 ص

      السلام عليك يا أبا عبد الله

      مقال أكثر من رائع يحكي واقعنا تحت مظلة أبي عبد الله سلام الله ، فعلاً فالحسين حياتنا بل كلها ففي مدرسة الحسين نشأنا وتربينا وعلى حبه نمووت ، وكل ذلك لعظيم ما قدمّه سيد الشهداء في كربلاء وكم كان خالصاً مخلصاً كل ما قدمّه لوجه الله وحباً لله
      السلام عليك يا سيدي يا أبا عبد الله

    • زائر 2 | 1:42 ص

      أحسنت سيدنا ..

      الحسين يربينا بسيرته وثورته ومآتمه، السلام عليك يا أبا عبدالله.

    • زائر 1 | 1:18 ص

      حب الحسين في دمي

      نعم التطوع في حب الحسين يفرح القلب وأكثر ما يسرني عندما أرى الشباب والرجال والنساء والأطفال وهم يستعدون لاستقبال شهر محرم الحرام والفعاليات التي يقومون بها ويسرني أكثر وأنا أرى أهالي العراق وهم يضيفون زوار الحسين عليه السلام بكل ما يملكون ( السلام عليك يا مولاي يا أبا عبد الله الحسين )

اقرأ ايضاً