كتابة سيرة عن الذين أسهموا إسهاماً كبيراً في تخريب طمأنينة العالم؛ ليست هينة أو سهلة. "من الصعوبة بمكان الكتابة عن الأشرار الكبار في التاريخ"، تلك مقولة أستاذ التاريخ والشئون الدولية بجامعة برينستون الأميركية، ستيفن كوتكين، في كتابه "ستالين: مفارقات السلطة (1878-1928)، بالنظر إلى تعميم الموت الجماعي الذي اعتبره بعضهم من أهون الأمور، كما هي الأسباب الهيّنة والبسيطة التي تشعل أول شرارة في تلك النوعية من الحروب. تصبح كتابة مثل تلك السيرة محاصرة بالتزام أخلاقي في التعاطي مع السيَر التي كتبها الموالون لمثل أولئك العسكريين من الطغاة والدمويين، وحتى ما كتبوه هم أنفسهم في محاولة للتعتيم على حقيقة ما حدث؛ والذهاب إلى حد الوقاحة بتقرير أنهم بذلك الموت أو القتل الجماعي ساهموا في تكريس طمأنينة العالم، والنأي به عن الشر والكوارث التي تنتظره لو لم يحدث ما حدث.
يشير كوتكين، في كتابه "ستالين: مفارقات السلطة (1878-1928)، إلى أن المضاعفات تلك (مضاعفات المسئولية أمام السيرة وكتابتها)، تتضح عندما ترتبط المساءلة عن الشر بمسئولية قادة الدول عن الموت الجماعي.
الكاتبة في صحيفة "الغارديان" البريطانية، شيلا فيتزباتريك استعرضت جانباً من كتاب كوتكين في عدد يوم الأربعاء (22 أكتوبر/ تشرين الأول 2014)، نورد هنا جانباً منه:
من الصعوبة بمكان الكتابة عن الأشرار الكبار في التاريخ. "الشر المطلق" ليس مفهوماً مساعداً، على الأقل من وجهة نظر كاتب السيرة الذاتية. يمكنك أن تهيّئ فقط صورة العمل، أو شكله كما فعل جون ميلتون في "الفردوس المفقود"، من خلال تبيان الثغرات والتناقضات التي تجعل من الوحش (إبليسه) إنساناً.(الفردوس المفقود، ملحمة شعرية للكاتب الإنكليزي جون ملتون كتبها في العام 1667. في عشر كتب وتبعها الطبعة الثانية العام 1674 حيث أعيد تقسيمها في 12 كتابا (بطريقة تقسيمإنياذة فيرجيل) مع بعض التنقيحات البسيطة والملاحظة على طريقة نظم الشعر. وهذه الكتب تتفاوت في طولها فأطولها الكتاب التاسع والذي يتكون من 1189 سطراً، وأقصرها الكتاب السابع والمكون من 640 سطراً، وكل كتاب مسبوق بخلاصة بعنوان (الحجة). يدور موضوعها الرئيسي حول هبوط الإنسان من الجنة إلى الأرض، وحول آدم وحواء وإغراء إبليس لهما وحول جنات عدن، تأثراً بالروايات الدينية. أما جون ميلتون فهو من مواليد 9 ديسمبر/ كانون الأول 1608 وتوفي في 8 نوفمبر/ تشرين الثاني 1674. شاعر وعالم إنجليزي من القرن 17. أصيب في فترة لاحقة من حياته بالعمى، وكتب حول ذلك قصيدة مكونة من 14 بيتاً شعرياً. إلى جانب جيفري تشوسر وويليام شكسبير، يعتبر جون ميلتون من أبرز شعراء الأدب الإنجليزي. تلقى تعليمه في كامبردج بين عامي 1625 و1632، وهناك كتب قصيدة "في صباح يوم ميلاد المسيح". كان طيلة حياته شخصية نشطة في القضايا السياسية والدينية، وإبان الحرب الأهلية الإنجليزية أصبح في صف أوليفر كرومويل المعارض للحكم الملكي. استطاع الفرار من عقوبات حتمية بعد رجوع الحكم الملكي في العام 1660. بعد إصابته بالعمى في العام 1652).
الإصدارات الشيطانية لستالين وهتلر، جعلت معظمنا مُستوعباً أنها ليست مساعِدة في العمل أو الأخذ بها؛ ما جعل منها علامة (بالاحتراز منها)، وبافتراض أن الرجل الذي يقتل (أو يتسبّب في قتل) مليون شخص، هو أكثر شراً بمليون مرة من الرجل الذي يقتل شخصاً واحداً، وفي ذلك حجر عثرة آخر. لا يمكننا تخيّل شخص مليون مرة، أسوأ من قاتل بالفأس وبدم بارد، لذلك يصبح كل شيء غير واقعي. قد تكون هناك حاجة إلى فلاسفة الأخلاق لتصويب هذا، ولكن الشعور الخاص بي، ذلك الذي يخامرني، هو أن تلك الفرضية خاطئة: الشر، باعتباره يحدد نوعية شخص ما، ليس قابلاً للقياس، ونحن لا نستطيع الحصول على مؤشر في هذا الشأن، من خلال عمليات الضرب في جانبها الحسابي. ربما الطريقة الوحيدة المعقولة للتعامل مع المشكلة من الناحية التحليلية هي افتراض ما يسمى سلطة عامل التضخيم. تلك هي أفعالك، لكن القاتل، يميل إلى أن يكون محلياً نسبياً، ومحدوداً من ناحية كم جرائمه من حيث تأثيرها، ولكن إذا كنت ستالين أو هتلر، يمكنك الحصول على تأثير ومضاعفات عالمية بالملايين.
وأضاف كوتكين، تنشأ المضاعفات عندما ترتبط المساءلة عن الشر بمسئولية قادة الدول عن الموت الجماعي. هناك افتراض ضمني عام وهو أن الحروب تقع ضمن فئة خاصة، والتي يمكن أن تحدث موتاً جماعياً من دون توجيه تلقائي أخلاقي يتعلق بالكراهية يقع على عاتق القادة الذين أعطوا الأوامر. لكن الثوريين، أو القادة الذين لا يزال في أذهانهم التحول الثوري، يعتقدون أنهم يقعون ضمن هذه الفئة من الإعفاء، أيضاً، يرون الوفيات التي تسببوا فيها هي بالضرورة الهيّنة نفسها، تلك التي تسببت في الحرب. إنها معضلة للمؤرخين، الذين من المرجح أن يتولد لديهم نفور من ترك الثوار بانسجامهم مع الإعفاء من المسئولية عن تلك الفظاعات؛ وخاصة بانتصار الثورة وهم في السلطة.
ستيفن كوتكين، الذي أثار كتابه الأول، جبل المغناطيس (1995)، وكان العنوان الفرعي له جريئاً "الستالينية بوصفها حضارة"، ليس واحداً من تلك التملصات التي تنشأ قبل بروز التحديات. دراسته الموسعة هي مجرد جزء أول ضمن ثلاثة أجزاء متوقعة. العنوان لا يترك شيئاً للمصادفة: لا يمكنك أن تكون مُؤرَّقاً أكثر من الأرق الذي ينشأ عن "مفارقات السلطة" وباعتباره العنوان الفرعي، احتوى مقدمة موجزة هي بمثابة المهدّئ تقريباً. يروي لنا، مع ذلك، أن "حادثة ما في التاريخ منتشرة وشائعة"، وإسقاط فكرة أن تلك لن تكون قصة حتمية تاريخية أو حتمية نفسية؛ إلا أن "القصة تنبع من مكتب ستالين"، كما يكتب، بدلاً من التلغيز والتغميض "ولكن ليس من وجهة نظره" من سيكون إن لم يكن ستالين، ذلك الذي ينظر إلى الخارج من خلال مكتبه؟ هل هو كوتكين، المراقب غير المرئي، الذي اتخذ مكانه بهدوء على كرسي بجانب ستالين في مكتبه؟ على أية حال، يبدو أن الرسالة هي في العلاقة الحميمة بين كاتب السيرة والموضوع، كاتب السيرة يظل محتفظاً بيده الطولى.
يذكر، أن كوتكين يعمل أستاذاً لمادة التاريخ ومدير برنامج في قسم الدراسات الروسية في جامعة برينستون. أحد المتخصصين المعروفين في تاريخ الاتحاد السوفياتي، وبدأ في الآونة الأخيرة البحث في أوراسيا عموماً.
تخرج من جامعة روتشستر في العام 1981، ودرس التاريخ على يدي كل من ريجنال زيلينك ومارتن ماليا في جامعة كاليفورنيا، بيركلي، حيث حصل على درجة الماجستير في العام 1983 والدكتوراه في العام 1988.
ربما عُرف أكثر لدى القرّاء من خلال كتابه "جبل المغناطيس: الستالينية بوصفها حضارة"، الذي يعرض فيه واقع الحياة اليومية في المدينة السوفياتية ماغنيتوغورسك في ثلاثينيات القرن الماضي وتحديداً العام 1930. له كتاب قدّم فيه رصداً ولمحة تاريخية موجزة عن سقوط الاتحاد السوفياتي، وأصدره في العام 2001. وهو يعمل حالياً على تاريخ قرون متعددة من سيبيريا، مع التركيز على وادي نهر أوب.
كثيراً ما يكتب كوتكين عن الشئون الروسية والأوراسية للصحافة الشعبية الأميركية، وخاصة في "نيو ريبابليك". وهو حالياً زميل في معهد هوفر بجامعة ستانفورد.
له من الإصدارات:
- "وراء جبال الأورال: عامل أميركي في مدينة روسية من الفولاذ (مطبعة جامعة إنديانا 198).
- "جبل المغناطيس: الستالينية بوصفها حضارة"، مطبعة جامعة كاليفورنيا، 1995.
- "اكتشاف روسيا في آسيا: سيبيريا والشرق الأقصى الروسي" وصدر العام 1995.
- مراجعة مقال: "العام 1991، والثورة الروسية: المصادر والفئات المفاهيمية والأطر التحليلية"، "مجلة التاريخ الحديث" الجزء 70، العدد 2، يونيو/ حزيران 1998.
- "منغوليا في القرن العشرين" وصدر في العام 2000.
- "الفساد السياسي في المرحلة الانتقالية" وصدر في العام 2002.
- "التدرج الثقافي: انتقال الأفكار في أوروبا، 1789-1991"، وهو كتاب مشترك ساهم كوتكين في بعض فصوله، وصدر في العام 2003.
- "كوريا في المركز: الديناميات الإقليمية في شمال شرق آسيا" (كتاب مشترك) وصدر في العام 2005. وغيرها من الأعمال والدراسات.