العدد 4470 - الثلثاء 02 ديسمبر 2014م الموافق 09 صفر 1436هـ

استقالة «تشاك هيغل» والضجة الإعلامية

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

الضجة الإعلامية التي شغلت وسائل الإعلام العالمية الأسبوع الماضي بسبب استقالة وزير الدفاع الأميركي تشاك هيغل، كانت محط جدل وتأويلات مختلفة، البعض وصفها «بالتنحية»، فيما فسرها آخرون بأنها «طرد». ترى ما الأسباب وراءها؟ وما تأثيرها وتداعياتها؟

قبل الإجابة لابد من التعريف بـ «تشاك هيغل» الذي أشاد بسجله الرئيس الأميركي باراك أوباما كبطل حرب حصل على ميداليتين للشجاعة لخدمته جندياً في فيتنام، ويصفه مقربون بالمحارب الصامت. وهو الجمهوري الوحيد في الإدارة الأميركية الحالية، وواجه انتقادات قوية من زملائه الجمهوريين في الكونغرس بسبب استقلاليته وصراحته وانتقاداته العلنية لطريقة تعامل الرئيس السابق جورج بوش إبان احتلال العراق، ودعوته العلنية للتفاوض المباشر بين واشنطن وطهران من جهة، و«إسرائيل» وحماس من جهة أخرى، خصوصاً أن التعيينات الإدارية في الولايات المتحدة تعد قضيةً حساسةً تتطلب جلسات استماع لأعضاء الكونغرس تتيح لهم استبعاد أي مرشح غير مرغوب به، أو تسجيل نقاط سياسية عليه، وهذا ما حدث له، لكن ماذا بشأن الاستقالة؟

تعددت الأسباب واختلفت، بيد أنها أجمعت على نقاط مشتركة تتعلق بغياب هيغل عن أي تأثير ومواقف في معظم القرارات التي اتخذها أوباما بشأن سورية، لاسيما فترة التهديد بضربة عسكرية في 2013، ثم التراجع عنها.

وذكر مراقبون أن الوزير كان يفضّل التركيز على ملفات الإصلاحات في وزارة الدفاع (البنتاغون)، وتغير بعض سياساته والميزانية الدفاعية أكثر من الغوص في سورية والعراق. كما إن وسائل الإعلام كشفت عن تسريب مذكرة داخلية كتبها بنفسه وأثار فيها الشكوك حول استراتيجية أوباما تجاه سورية، محذّراً من تعرضها إلى الفشل بسبب الضبابية وعدم وضوح النوايا حيال نظام بشار الأسد. وكذلك شكّك في سياسة الاعتماد على الضربات الجوية وحدها التي يقودها الجيش الأميركي تحت غطاء التحالف الدولي في مهاجمة «داعش»، لاسيما وقد استبعد أوباما استخدام القوات البرية الأميركية، داعياً إلى وضع خطة محكمة لإسقاط بشار ومحاربة «داعش» في آن.

في التفاصيل، أسهبت الصحافة في تفسير الأسباب، وأبرزها «نيويورك تايمز» التي أفادت أن الاستقالة مرتبطةٌ جزئياً بخلافات حول استراتيجية محاربة تنظيم «داعش»، وبالتالي عدم وضوح السياسة العسكرية الأميركية تجاه الشام والعراق، ما يعني بوضوح ما له صلة بمقترحات «هيغل» لمحاربة التنظيم التي قيل إنها تفتقد للإبتكار، وأنه لم يكن على قدر التعامل مع المهمة بشكل كاف، خصوصاً وقد وجد نفسه يواجه حرباً متزايدة بدلاً من سحب القوات الأميركية في العراق وأفغانستان، تماماً كما عبّر موقع «إن بي سي نيوز». وتعدى الأمر إلى حديث مصادر متعددة من واشنطن عن خلافات هيغل مع الإدارة الأميركية بشأن استراتيجية الأمن القومي وعجز أميركا عن مواجهة جماعة «داعش» وفشلها في محاربتها، إلى نجاح روسيا في «عملية القرم» التي باغتت البنتاغون وعادت إلى أحضان روسيا. وهذا ما ذكرته صحيفة «وول ستريت جورنال» حول «خلاف سري حدث بين هيغل ومسئولي الأمن القومي الوطني في البيت الأبيض». كما نشرت «رويترز» تقريراً حول اضطراب هذه العلاقة بينه وبين فريق الأمن القومي الذي يشكل دائرة محكمة حول أوباما، لاسيما مع مستشارة الأمن القومي سوزان رايس، صاحبة النفوذ الواسع بحكم منصبها وعلاقتها القوية والمباشرة مع الرئيس الذي يعتبرها أهم مستشاريه ومحل ثقته، وتؤثّر بشكل كبير على صنع القرارات المتعلقة بالسياسة الخارجية.

إما ديفيد اسبورن من «الاندبندنت» البريطانية ففسّر المسألة من جانبين، سياسي يتعلق بحاجة البيت الأبيض إلى كبش فداء جديد ينسب إليه في المستقبل كل التجاوزات التي قام بها «البنتاغون» في أفغانستان والعراق أو في التعامل مع الأسد، والأهم تحميله مسئولية ما ستكشف عنه المواجهات القادمة مع «داعش»، واصفاً استقالته بالصدمة غير المتوقعة بسبب توقيتها الكارثي، خصوصاً وأن هيغل لم يكمل عامه الثاني في المنصب، الأمر الذي يعكس أزمةً حقيقيةً بين أوباما و»البنتاغون».

والجانب الآخر مثيرٌ ويتعلق بالعمليات العسكرية التي تشارك فيها الولايات المتحدة ضد تنظيم «داعش»، حيث يسأل الجميع بمن فيهم أوباما: كيف حصلت «داعش» على التمويلات الضخمة والعتاد المبالغ فيه تحت سمع وبصر البنتاغون والمخابرات الأميركية؟ بالطبع، كما يذكر اسبورن، وزارة الدفاع لا تملك إجابات أو تفسيرات مقنعة، ولهذا فالأزمة حقيقية، ويضيف بأنه تعرّض لضغوط كثيرة، ومن المؤكد تلقيه عبارات وتلميحات حول إعادة فتح ملفات خاصة بشركة مكارثي المتعلقة بالأزمة التي تعرض إليها أثناء تمثيله لولاية نبراسكا في الكونغرس العام 2002، خصوصاً وأنه بعد فوزه بأشهر وجهت إليه لجنة الأخلاقيات بالكونغرس تهمة تزوير الانتخابات، وأثيرت شبهات حول ملكيته لمجموعة مكارثي العاملة في النظم الانتخابية والبرمجيات، لكنه لم تثبت الإدعاءات في حينها.

كذلك نوهت صحيفة «أوبد نيوز»، إلى رفض هيغل لاستراتيجية استمرار الضربات الكارثية للطائرات بدون طيار في أفغانستان واليمن، وجر الولايات المتحدة مجدّداً إلى التدخل العسكري في العراق وسورية، إذ زادت الهجمات من الصراع الطائفي الدموي ودفعت بكثير من اليمنيين للإنضمام إلى القاعدة. فيما مصادر أخرى أجمعت على فشله السياسي وإخفاقه في إجبار «طالبان» على قبول اتفاق سلام وابتكار استراتيجية تمنع صعود وتمدد «داعش» ودحرها، فضلاً عن فشله في إقناع عبدالفتاح السيسي بألا يعزل أول رئيس مصري منتخب ديمقراطياً عبر انقلاب. وكذلك في أوكرانيا التي لم يساهم في ردع الغزو الروسي عنها، إضافةً إلى فشله البيروقراطي وعدم نجاحه في تمثيل «البنتاغون» لدى البيت الأبيض والعكس، خصوصاً أن «البنتاغون» ينظر إليه باعتباره ممثلاً غير ذي تأثير، ومديراً فاشلاً في الدفاع عن مؤسسة الجيش الأميركي، بل كان رخواً وغير مؤثر، ولم يكن بارعاً في توجيه النقاشات أو المشاركة فيها. وتضيف «نيويورك تايمز» أن هيغل «لديه مشكلات في التعبير عن أفكاره أو سياسته الإدارية على نحو فعال».

«هآرتس» الإسرائيلية لم تخفِ شماتتها في هيغل، فذكرت إنه أقيل بسبب انعدام الثقة بقدراته للتصدّى بفعاليةٍ للتهديدات القائمة في وجه المصالح الأميركية في أعقاب التدهور الأمني في المنطقة. وهناك تساؤلاتٌ أثيرت حول قدرته على قيادة الجيش في ظلّ تقلصات الميزانية الأمنية؛ وأن «البنتاغون» تحت قيادته لم يكن على استعداد جيد لمواجهة سيطرة «داعش» على العراق، وأيضاً تجاه بقاء الأسد وانتعاش «طالبان» في أفغانستان، والاستفزازات الروسية في أوكرانيا. والأهم في ملف إيران النووي، الذي فشل بتوجيه تهديدات مبطّنة لإيران وإفهامها أن كل الخيارات موجودة ومنها الخيار العسكري.

ولجهة تأثير استقالة الوزير، هناك توقعات بأن يحذو مسئولون آخرون حذوه، كون الاستقالة تعبّر عن إخفاقات إدارة أوباما في السياسة العسكرية من جانب، ومن جانب آخر تعكس احتمال تغير استراتيجي في خطة الولايات المتحدة تجاه سورية والعراق، خصوصاً أن مسئولين أميركيين يرون أن الاستقالة تمثّل بدايةً لمرحلة جديدة بنهج مختلف عن نهج التعامل الأميركي مع خطر «داعش»، لاسيما مع حاجة أوباما إلى نصر عسكري يرفع من شعبية حزبه (الديمقراطي) بعد الهزيمة التي مُنِيَ بها في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس. كما ذهب البعض إلى أبعد من ذلك، حيث اعتبر أن الاستقالة تعكس ماهية الانقسامات بين صفوف التحالف الدولي في ظل تمدد «تنظيم داعش» وتصاعد وتيرة الإرهاب.

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 4470 - الثلثاء 02 ديسمبر 2014م الموافق 09 صفر 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً