العدد 4483 - الإثنين 15 ديسمبر 2014م الموافق 22 صفر 1436هـ

العنصرية والتعذيب صنوان للسياسات الأميركية

رضي السماك

كاتب بحريني

ما برحت احتجاجات السود وأنصارهم من البيض الشرفاء ضد التمييز العنصري في المجتمع الأميركي تتسع وتتفاقم في عدد غير قليل من المدن والولايات الأميركية، حيث تعرى هذا التمييز وجهه الآخر داخل المؤسسة القضائية في النظام الأميركي، وذلك على إثر تبرئة الشرطي الأبيض دارين ويلسون، الذي قتل الشاب الأسود الأعزل مايكل براون في مدينة فيرجسون، وما تلا ذلك من حوادث قتل مشابهة بحق عدد من الأميركيين السود، والحبل على الجرار.

نقول ما برحت تلك الاحتجاجات الداخلية تتسع وتتفاقم حتى تفجرت بموازاتها فضيحةٌ أخلاقية كبرى بجلاجل، تتعلق بتقرير لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، الذي استعرضت فيه رئيسة اللجنة ديان فاينشتاين على مدى أكثر من ساعة، حقائق صادمة عن البشاعات والممارسات الوحشية المذهلة التي ارتكبتها وكالة الـ «السي آي إيه» بحق المتهمين بالإرهاب، وجلّهم كما نعلم من العرب والمسلمين. ولعل ما جاء في وصفها لتلك الوسائل التعذيبية بأنها «وحشية وغير آدمية» ما يكفينا هنا عن إعادة استعراضها، فقد باتت معروفة لدى كل وسائل الإعلام العالمي.

وإن كانت «السي آي أيه» إنما جُعلت كبش محرقة لسياسات يتحملها النظام الرأسمالي الأميركي برمته، فهذه الوكالة ليست إلا الأداة المنفّذة الأمينة لنهج مستديم من السياسات والتقاليد الموروثة في ظل الإدارات الأميركية المتعاقبة من الجمهوريين والديمقراطيين، سواء فيما يتعلق بالتمييز العنصري في الداخل، أو فيما يتعلق خارجياً بممارسات التعذيب بحق الأفراد المتهمين بالانتماء إلى جماعات إرهابية، أو أبناء الشعوب المكافحة ضد حروبها العدوانية واحتلالاتها وتدخلاتها العسكرية في بلدانها. وبالتالي فإن هذه الممارسات الوحشية التعذيبية القذرة، وخصوصاً ضد العرب والمسلمين، إن هي إلا الوجه الآخر لممارساتها العنصرية في الداخل بحق السود والملونين وسائر المهمشين والطبقات الفقيرة في ظل نظام يفتقر لموازين العدالة ببعديها السياسي والاجتماعي.

ولعل خطورة ودلالات ما كشف عنه تقرير لجنة مجلس الشيوخ الموثق، أنه جاء في الوقت الذى تقود فيه أميركا تحالفاً دولياً جديداً للحرب على الإرهاب في المنطقة، وعلى الأخص على الوجود الداعشي وتمدّده في سورية والعراق، وذلك على خلفية ممارساته الإجرامية الوحشية المرتكبة بحق كل من يختلف معه في نهجه الإسلاموي الإرهابي الإقصائي، بما في ذلك على وجه الخصوص ما فقدته أميركا وبعض حلفائها الغربيين كبريطانيا من أبرياء هزّ الرأي العام فيهما ودفعهما لتجريد حملة عسكرية عليه بعد أن كانت تتغاضى عن جرائمه بحق أبناء الشعبين العربيين السوري والعراقي. فإذا بالتي تقود هذا التحالف وتتزعم الدفاع عن القيم الإنسانية العالمية وتستفظع ممارسات «داعش» الوحشية واللاإنسانية، هي نفسها متورطة في جرائم يندى لها جبين البشرية، ولا تختلف عن جرائم «داعش» والجماعات الأخرى الإرهابية إلا من حيث علنية مشاهد بشاعة القتل والتعذيب، وذلك من حيث أن أميركا تمارسها خلف غرف مغلقة في معتقل جوانتنامو وسجون التوقيف «الترانزيت» الخارجية، أو ما تُسمى بالمواقع السوداء، كالتي في بولندا وباكستان وتايلند ودول عربية أخرى، بينما تمارسها «داعش» بشفافيةٍ أمام العالم أجمع، وبالصوت والصورة.

وليس من قبيل المبالغة القول إن السياسات الأميركية في المنطقة وحمايتها وتغاضيها عن ممارسات الأنظمة الاستبدادية الحليفة لها، هو الذي أفضى في نهاية المطاف إلي ولادة «داعش» كإبن شرعي للتنظيم الأم «القاعدة»، التي جاءت ثمرة ذلك التحالف التاريخي في أفغانستان أواخر سبعينيات القرن الماضي، وحظيت بكل أشكال الدعم والرعاية هناك، بدعوى أن نصرة المجاهدين الأفغان، ضد وجود الكفار السوفيات المحتلين، مقدّمةٌ على نصرة المسلمين في فلسطين والمسجد الأقصى. وهكذا فإن «داعش» هي في الجذور والأصل صناعة مشتركة بامتياز بين أميركا وحليفاتها من الدول النفطية في المنطقة. وحينما يعلق الرئيس الأميركي باراك أوباما على أزمة خطيرة آنية متفجرة في بلاده، كأزمة التمييز العنصري ضد بني جلدته من السود، فإنها مجرد أزمة مستديمة لن تُحل بين عشية وضحاها، وإن حلها لن يتم إلا على مراحل، ويطالب من بني جلدته الصبر بينما نيران العنصرية تستعر على أشدها، فلا غرو والحال كذلك، أن تُدعم إدارته أية إجراءات انتخابية شكلية تتخذها حلفاؤها في الدول العربية غير الديمقراطية، وأن تتغاضى عن ممارساتها القمعية بحق شعوبها، اللهم إلا الاستنكارات الحريرية الخجولة، ومن ثم تقف إدارته مؤيدةً لتلك الإجراءات مرددةً معها بأنها خطوات تدرجية جادة للإصلاح الشامل.

ولا غرابة أيضاً إذا ما أوغلت تلك الأنظمة في ممارساتها القمعية بحق شعوبها، مادامت الحليفة «الديمقراطية» الكبرى حامية حمى الديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم هي نفسها تتحمل مسئولية الممارسات القمعية العنصرية داخل بلادها بحق السود، وممارساتها خارجياً بحق شعوب المنطقة المبتلاة بتدخلاتها في سياق الدفاع عن مصالحها الاستراتيجية الدائمة فيها.

إقرأ أيضا لـ "رضي السماك"

العدد 4483 - الإثنين 15 ديسمبر 2014م الموافق 22 صفر 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 11:32 م

      هذه نتيجة للعمل بالقشور =حقوق انسان ومنظمات وغيرها كلها لأهداف وليست حقيقة

      منظمات حقوق الانسان ومشتقاتها كلها ادوات تستخدمها امريكا والدول السائرة في فلكها من اجل مآرب التدخل في أي بلد لا يرضون عنه. فنرى في بلاد الخليج
      ان امريكا وحلفاؤها يغضون الطرف عن ما تقوم به بعض الدول ولو كان ذلك اضعاف
      ما يحصل في بلاد لأمريكا الغرض في تحريك المياه فيها.
      بمعنى ان امريكا تحرّك ملفات حقوق الانسان فقط من اجل مآرب سياسية وليس
      من اجل حقوق الانسان نفسها

اقرأ ايضاً