العدد 4502 - السبت 03 يناير 2015م الموافق 12 ربيع الاول 1436هـ

عالمٌ يتصارع مع النقال وسرقة الوقت

سهيلة آل صفر suhyla.alsafar [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

كم منا يشعر بأن الوقت يسرقه ويضيع ما بين يديه ولا تكفيه الأيام الطوال لانهاء ما يُريد، لقِصَر الوقت بما في ذلك مُتابعة الاخبار اليومية أو ما يحدث في العالم، وقد يحاول احياناً قراءتها على الانترنت اذا ما توفر لديه الوقت.

ولقد اصبح البحث والتحليل والتقصي على الشبكة الالكترونية من سمات العصر والذي يتطلب الكثير من الوقت والجهد، واصبح بامكان المهووسين الوصول الى اغرب الاماكن لمعرفة الحقائق من خلال الهاكر (انظمة تُستعمل للدخول الى الشبكات الممنوعة) وما يجري في الغُرف السرية وكل ما يلزم الفرد هو مجرد الوقت والنقال والبحث ليحصل على ما يريده من المعلومات الخطيرة أو التافهة جداً.

واعود للوقت والذي يَسرقنا حتى من انفسنا وراحتنا بسبب الإلحاح الالكتروني للعصر واللهاث للتواكب معه لاقتناء المعلومات وتقصيها في بقاع العالم لمعرفة الجديد والمُقارنة بين العيش في البلدان الأخرى للتعرف على حاجته وموقعه من العالم... الخ، ومتابعة آخر الاختراعات العلمية والطبية والكثير من العلاجات ومقارنتها بما لدينا واصبح العلاج بواسطة التواصلات الالكترونية من اهم العلاجات واسرعها في الوصول الى احسن الاطباء في اقصى بقاع الارض، كما يتم البحث عن الفنون والافلام والترفيه، أو شراء ما نريده بكبسة واحدة على المفاتيح الالكترونية.

ولكن مع ازدياد الطلب على ما تحويه الشبكة العجيبة من مواهب وقُدراتٍ تفوق طاقة البشر، ازداد الوقت توتراً وابتعاداً واصبح في خانة اشباه المستحيل في زمانٍ قاسٍ ومع ساعات العمل الطويلة وكثرة المسئوليات والاحتياجات اليومية والاجتماعية ضاع الوقت وتسربل من بين ايدينا، وهو العائق الاكبر لكل تراجعنا وتأخرنا في دولنا العربية لعدم احترامنا له أو انضباطنا في ترتيب اولوياتنا والمحافظة على المواعيد بالدقة المتناهية والتي تراجعت حيث كنا اكثر دقة منذ نصف قرن، بعاداتنا الحديثة الترفيهية الاجتماعية والتي مازالت تتجاهل احترام الوقت، ولا يمكننا اقتناء الوقت الا من خلال الاعمال البهلوانية التي تعلمنا سرقتها من الزمان.

وخلقنا طُرقاً لا إرادية لتقنينه، وبدأنا نسرقه في الطريق العام وعوضاً عن السواقة وحدها اصبحنا نشاركها في التحدث في النقال للترفيه أو قضاء بعض الواجبات ولا يهم تعريض انفسنا للاخطار وفقدان التحكم في المقود مع التجاوزات البوهيمية لنا والقاتلة احياناً، كما نسرق الوقت من عائلاتنا في المنزل أو خلال الخروج معهم أو مع الاصدقاء أو زيارة مريض ولا نعطيهم حقهم من الانتباه والرعاية وتكون جميع هذه الوصلات ناقصة، ما يضعف الحميمية والهدوء العائلي أو الاحاديث التي تُنمي افرادها لانشغالنا عنهم بالتواصلات الحديثة، وان البعض يتجاوز ذلك في التحدث لمدة طويلة دون ذوق على النقال ودون الاحساس بالآخرين ممن حوله، كما طالت هذه الاجهزة الاطفال لعدم تقنينهم لأوقات خاصة لاستعمالها فتغيرت الطفولة وتغير مزاجهم للاسوأ ولا وقت لديهم للعب الحركي أو محادثة الكبار، ما سيؤثر على نموهم ونضجهم الاجتماعي، وهو من اخطر ما يكون لتنشئتهم.

كما نسرقه من وظائفنا واعمالنا ايضاً وطُرقٌ اخرى كثيرة غير شرعية، ما تؤدي الى التقصير في الاداء بكل ما نفعله لعدم أو لقلة التركيز، وبالتالي ينعدم الاخلاص والدقة وتصبح اشياء من تحصيل حاصل لضعف التركيز وهو ذنبٌ متوقع لتصرفاتٍ مُختلة وتعاملٌ سيئ للمناصب والوظائف ونقصٌ حتمي في الانتاج والاداء وتراجعٌ للمؤسسات، فنحن نُقصر في اداء واجباتنا اينما كنا اذا لم نلتزم بالاخلاقيات الرفيعة واعطاء كل ما نقوم به حقه من الوقت والاهتمام، والانتباه جيداً في تأدية ادوارنا الحياتية بتأن واحترام، اما اذا ما استمر الوضع على ما هو عليه فسوف يتسبب بخراب بائن وستعم الكوارث لهذه الحضارة اذا لم نأخذ حذرنا مبكراً ولقد آن الاوان لتحديد استعمالها وفرض القوانين في الاماكن العامة وفي العمل وترشيد استهلاكها كالكهرباء والماء ومحاسبة سارقي الوقت. والله المستعان.

إقرأ أيضا لـ "سهيلة آل صفر"

العدد 4502 - السبت 03 يناير 2015م الموافق 12 ربيع الاول 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 11:15 ص

      تحليلٌ دقيق

      تحليل دقيق لواقعٍ مؤلم وحقيقي جداً ولكن يبدوا ان الحضارة تسحبنا وتسحقنا كيفما تريدك ويصعب علينا التحكم في اولوياتنا وتبقى هي الاقوى وسنرى الايام الاسواء ووالتي نحن وقودها وحطبها مع الاسف الشديد

    • زائر 1 | 9:50 ص

      أحسنت

      مقال رائع
      يستحق النشر في المجموعات العائلية
      لان استمرار الوضع كا هو يعني كوارث شخصية واجتماعية واقتصادية

اقرأ ايضاً