العدد 4539 - الإثنين 09 فبراير 2015م الموافق 19 ربيع الثاني 1436هـ

أوطانٌ بلا مستقبل!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

إن أصعب حال يمكن أن يمر به شعبٌ من الشعوب، هو غياب الأمل بمستقبل أفضل، وحين تنتشر مثل هذه الحالة بين أكثر الشرائح والطبقات، يكون الوضع قد وصل إلى طريقٍ مسدود.

الشعوب تعيش كما الأفراد، على الأمل، فإذا مُنعت عنهم الحوافز، وأغلقت أمامهم النوافذ، وفرضت عليهم أجواء قاتمة، فإن الوطن كله مهدّد بالتدهور والجمود. والخطير أن مثل هذه المشاعر لا تقتصر على تلك المناطق التي تتعرّض لسلسلة ممنهجة من إجراءات التمييز والحرمان غير المكتوبة، وإنما تشمل حتى تلك المناطق التي تُصنّف على أنها من مناطق الموالاة.

سابقاً، كان الإعلام الرسمي وشبه الرسمي يتولّى التغطية على الثغرات، وتزيين السياسات، والتستر على مكامن الخطأ والفساد. أما بعد دخول العصر الرقمي، وتوفر الأجهزة الذكية في كل يد، وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، فلم يعد الإعلام التقليدي قادراً على التغطية والتستر وإخفاء الحقائق. لقد أصبحت المعلومة متاحةً للجميع، وما كان يعتبر أسراراً، بات متداولاً في الفضاء الالكتروني، يمكن لأي شخص أن يرسله في تغريدة، فيعاد تدويرها بين آلاف المتابعين خلال ثوانٍ معدودة.

وسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت تحل محلّ الديوانيات والمجالس والأندية الثقافية، ورغم ما تتعرّض له من هجمةٍ شرسةٍ لتحجيمها وتخويف الجمهور من استخدامها تحت تهديد المراقبة والملاحقة، كما حدث ويحدث في عدد كبير من البلدان العربية، فضلاَ عن إغراقها بآلاف الحسابات المزوّرة و«المجهولة»، فإنها ستبقى نافذةً مهمةً لمعرفة ما يجري في المجتمع المعاصر، وما يجري تداوله من أفكار، وما يعبّر عنه من تطلعات.

في السابق، كانت الصحف والمجلات تتولى استطلاع اتجاهات الرأي العام، بخصوص قضايا تختار تسليط الضوء عليها. أما اليوم، فقد تراجع دور وتأثير الإعلام التقليدي المقروء لصالح قنوات الاتصال الجديدة، بحيث باتت تشكّل وسطاً يمكن من خلاله معرفة اتجاهات الرأي العام الحقيقية دون تزوير أو تزويق. في هذه البيئة الالكترونية، يمكنك أن تستشف وجود حالةٍ عامةٍ من الشعور بالضياع، والخوف على المستقبل، ليس في المناطق التي تتعرّض لتمييز أو إقصاء، أو تعاني من إهمال أو تدني مستوى الخدمات والبنية التحتية، بل في المناطق الأخرى أيضاً. وهو خوفٌ من استمرار الواقع الراهن المأزوم، وخوفٌ من المستقبل الذي لا يشي بأي تغيير إيجابي يدفع باتجاه مخرجٍ من المستنقع. وهو ما يفسّر الرغبة في الهجرة، لدى قطاعاتٍ معتبرةٍ من شرائح المجتمع، خصوصاً ذوي الكفاءات العلمية والمهنية، كانت تبدو في ظاهرها مرتاحةً مالياً، وبعضها كان مستفيداً من الوضع السياسي الجامد سابقاً ولاحقاً.

على الضفة الأخرى، هناك قطاعٌ كبيرٌ من المجتمع يشعر بأنه مستهدَفٌ بسياسات التمييز والتهميش والإقصاء، زادت حدةً وانكشافاً في السنوات الأخيرة. ويتعرّض في حاضره إلى مزيدٍ من الضغوط، السياسية والاقتصادية والأمنية والمعيشية، وقد أصبح يقيم دعاواه بلغة الأرقام، حيث تخضع إلى عملية رصدٍ وتوثيقٍ دقيقة، لكل الخسائر المادية والمعنوية والبشرية، بالنص والصوت والصورة، ويعرضها للعالم ومؤسساته في الفضاء الالكتروني الحر. ففي بلدٍ أوروبي واحد فقط مثل بريطانيا، هناك أكثر من 120 طالب لجوء بحريني، فكم هو العدد الكلي للمغتربين طوعاً أو كرهاً؟ وكم عدد أصحاب الكفاءات العلمية التي هجرت وطنها بحثاً في الخارج عن فرصة عمل كريم؟

أن تعيش تحت ضغوطٍ يومية لسنوات، ويكون هناك شعورٌ عامٌّ بوجود حربٍ ممنهجةٍ تهدّد وجودك وحاضرك، ومستقبل أطفالك وحقّهم المشروع في الحصول على بعثة تعليمية عن جدارة واستحقاق؛ وتواجهك آلةٌ إعلاميةٌ عدائيةٌ لا تتوانى عن تخوينك واستفزازك بلغةٍ بذيئةٍ أبعد ما تكون عن الأخلاق والروح الوطنية؛ كل ذلك يعمّق شعور الغربة في الوطن.

في لاميته الشهيرة، يقول الطغرائي في أحد أبياته وهو يعيش حالة الغربة التي كان يعيشها: «ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل»، فكيف إذا كان حالةً شعوريةً تعانيها الشعوب؟

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 4539 - الإثنين 09 فبراير 2015م الموافق 19 ربيع الثاني 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 15 | 5:09 ص

      الاحباط

      الشعور بالاحباط يراود الاباء والابناء جراء التميييز والاقصاء والتهميش الذي يطاول فئة كبيرة من الشعب ف المستقبل القريب عوضاً عن البعيد فاذا أردنا أن نبعد التشاؤم وصوره عن وجه هذا الوطن علينا العمل ع المساواة وعدم التمييز بحسب الطائفة أو المذهب والعمل ع نبذ الاقصاء والتهميش للفئة المغضوب عليها لانها ربما تمثل بعبو التغيير والاصلاح ...

    • زائر 14 | 4:38 ص

      الى االاخ رقم 13

      يا اخي ياليت كما تقول، لكن الواقع ان القانون يطبق على ناس دون ناس. والامصلة اكثر من ان تحصى، وانت تعرف من الذين يتعرضون للتمييز والتضييق والفصل من الأعمال والسجن وغيره، ياليت يطبق القانون على الجميع بس ناس دون ناس. وانت تعرف القصد.

    • زائر 11 | 2:52 ص

      غربة وطن

      فكرة الهجرة من الوطن لا تراوح تفكيري، فمتى أتجرأ وأخطو تلك الخطوة؟

    • زائر 10 | 2:40 ص

      في بلد منقسم

      في بلد يعاني من انقسام طائفي حاد العلاج الوحيد هو العلمانية و منع رجال الدين من التدخل في السياسة

    • زائر 9 | 2:23 ص

      حالات اليأس القاتمة تخلق نفوسا لا تهتمّ لمواصلة الحياة

      أسوأ ما يصل اليه الانسان ان تتساوى لديه مسألة الحياة والموت فيرى في الموت منقذا له من الحياة وحينها سيكون الوبال على الجميع.
      اذا وصل الانسان لوضع مثل هذا فإن الخطورة ستكون على الجميع وسترون ذلك فلا تلوموا الناس بعد ان يصلوا الى هذا الحال

    • زائر 7 | 2:06 ص

      زائر 3

      .................عن اي وطن تتكلم اللي للجميع ,وطن تعتقل فيه 5 ايام ترجع جثه هامده بعد التنكيل بك وطن لمى تطالب بحقوقك تتهم بالارهاب وتسحب جنسيتك وطن الاجنبي ي.......... وياخذ حقوق المواطنه بلمح البصر لا تقول تحريق تواير وتعور راسنا روح شوف بالمقابل شنو تسوي قوات الامن من انتهاك الحرمات نصايف الليل ..................

    • زائر 13 زائر 7 | 3:39 ص

      احترم القانون

      احترم القانون لن يستطيع عندها احد ان يمس شعرة من رأسك اخي

    • زائر 6 | 12:47 ص

      وبعدين يتكلمون عن الوحدة الوطنية ....خليتو شي؟

      أن تعيش تحت ضغوطٍ يومية لسنوات، ويكون هناك شعورٌ عامٌّ بوجود حربٍ ممنهجةٍ تهدّد وجودك وحاضرك، ومستقبل أطفالك وحقّهم المشروع في الحصول على بعثة تعليمية عن جدارة واستحقاق؛ وتواجهك آلةٌ إعلاميةٌ عدائيةٌ لا تتوانى عن تخوينك واستفزازك بلغةٍ بذيئةٍ أبعد ما تكون عن الأخلاق والروح الوطنية؛ كل ذلك يعمّق شعور الغربة في الوطن.

    • زائر 5 | 11:49 م

      غربة

      غربة الاوطان كربة.

    • زائر 4 | 11:32 م

      الحل هو

      الحل الوحيد هو العلمانية و فصل الدين عن الدولة و منع قيام جمعيات سياسية على أساس طائفي قبيح و منع رجال الكهنوت من التدخل في الشأن العام لأنهم سبب اغلب المشاكل وهم عامل تفتيت و ليسوا عامل توحيد فلا يمكن أبداً للسني ان يقبل ان تحكمه العمامة و ان يقبل الشيعي أبداً ان تحكمه اللحية الطويلة و الثوب القصير

    • زائر 16 زائر 4 | 12:35 م

      عجبا!!!!

      يالطيب صباح الخير كل شي قلت علمانية و جمعيات و دينية!!!! يا حبيبي هذي سياسة الدولة مو كل شي حطيته على الجمعيات!!!

    • زائر 3 | 11:22 م

      الوطن للجميع

      الوطن للجميع بكل اطيافهم و أديانهم و معتقداتهم و لكن من يريد الاضرار بالوطن فلن تقبل بقية مكونات المجتمع بهذا الشيء و سوف تقف بحزم في وجه كل من تسول له نفسه الاضرار بالوطن

    • زائر 2 | 10:30 م

      وطن

      سرقت سواحله وفرضته وجزره و23سنة تنتظر ببيت الإسكان.

    • زائر 8 زائر 2 | 2:17 ص

      الرد الجاهز

      تقول "تعيش تحت ضغوطٍ يومية لسنوات، ويكون هناك شعورٌ عامٌّ بوجود حربٍ ممنهجةٍ تهدّد وجودك وحاضرك"
      لقد ردت عليكم كاتبتنا المخضرمة والعالمة النفسية المحنكة بأن هذا الشعور هو بسبب عقدة المضلومية والتي تربيتم عليها!
      اما أرقامكم وتوثيقاتكم فلا أهمية لها!

اقرأ ايضاً