العدد 4541 - الأربعاء 11 فبراير 2015م الموافق 21 ربيع الثاني 1436هـ

لن تندم في أمل... كلُّك ندمٌ في يأس

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

لا يوجد إنسان لم يعرف اليأس أو لم يتسلَّل إليه. ساعتها نتحدَّث عن «إنسان آلي» (روبوت). ولا يوجد إنسان لم يعرف الأمل، أو لم يسكنه حتى في لحظات الضعف والانهيار. ذلك هو ما يهمُّنا. اليائسون عِظة وعِبْرة. الآملون أيضاً. وشتَّان بين العِظتين والعِبرتين.

هل ثمَّة أمل مغشوش، مصطنع، دخيل، يتم التسويق له؟ هل يصبح بكل تلك السمات والنعوت، أملاً؟ هل ثمة يأس أيضاً بتلك السمات والنعوت؟

يحدث أن يتم تمرير مثل ذلك «الأمل»، وما هو كذلك. تمريره لامتصاص نقمة، غضب، تمرُّد، انسداد أفق. بين كل ذلك وهْمٌ بتغيير ما. إيهام بتحوُّل يُعيد الأمور إلى نصابها، ولا يهم بعد ذلك إلى أي نِصَاب تُعاد الأمور!

مثل ذلك «الأمل» لا يعدو كونه الوهم. لا وهْم في الأمل، ولا أمل في الوهْم. تلك معادلة لا تحتاج إلى موهبة رياضية أو فيزيائية. تحتاج إلى إنسان يشعر بالتفاصيل من حوله. يشعر بحقيقته ووضعيته في المكان والزمان. لديه قدرة على تشكيل المكان وتحويله، واستثمار ذلك الزمن في المستقبل.

أملٌ بتلك المواصفات أيضاً، هو الطريقة الأسهل للوقوع في فخ اليأس. الفخ الذي لن تكون النجاة منه بتلك السهولة التي يمكن توهُّمها. وإذا سلَّمنا بالقول: «دخول الحمَّام مش زي خْروجه»، فمن باب أولى «الوقوعُ في الفخ ليس مثل التخلُّص منه»، وذلك لا ينأى عن التورُّط في اليأس، والانسجام معه، فالوقوع فيه سهْلٌ، لكن الخروج منه يحتاج إلى أدوات مكلفة.

الأمم والشعوب التي تركن إلى وضعيتها في التخلُّف والتأخُّر والاستلاب، هي نتاج تلك النوعية من «الأمل». «الأمل الزائف». أمل مجرَّد من ديناميكيته، وعجزه عن خلق التحوُّلات العظيمة، وتسخير الطاقات الكبرى الكامنة في الأفراد والجماعات. «أمل» لا نَفَسَ له في المحاولة وعدم الارتهان إلى ما هو قائم ومُكرَّس.

والكلام على اليأس لا يحتاج إلى جهد. النماذج تتحدَّث عن نفسها، وتُقدِّم نفسها باعتبارها الشاهد والنموذج على حطام الإنسان، والبرهان الذي يدل على هشاشته، على رغم الجبروت القابع فيه.

وضمن إيقاع الحياة العربية الراهنة، لا يُراد للأمل أن يشيع، ويعتاد عليه الناس. في ذلك انتباه، وتكرار لمحاولة إعادة النظر في البؤس والشقاء الذي وُلدوا معه، بفعل سياسات ترمي بـ «أمل» إلى أن يتعمَّق اليأس في نفوس الناس.

وبما يُراد لأوضاع الإنسان العربي أن تذهب في العميق من سوئها، يُراد له أن يكون من الأحياء الافتراضيين كي «يأمل» كما يريد الساسة ويشتهون، وما يتوهمه هو. بمعنى آخر، يُراد له أن يتوحَّد مع يأسه كي لا يلتفت إلى الاستماتة في تعميق السوء والخلل في أوضاعه.

وبنظرة خاطفة إلى الطريقة التي تحيا بها أمم بعيدة عن الشرق المحتضر، يُمكن فهم هذا الإنجاز والكشف المتلاحق الذي لا يعرف الكلل. يُمكن فهم قدرتها على اكتشاف مناطق وإمكانات في العقل البشري لمَّا تستنفذ بعد. وكأنها بذلك لم تعرف شيئاً كلما ازدادت وتراكمت معرفتها، وتصل إلى قناعة بأن ما تم اكتشافه، يحفِّز على كشف ما لم يتم التوصُّل إليه، ولا يحفِّز تلك الروح إلا الأمل؛ فيما الشرق يظل مكتفياً بدرجات احتضاره.

- لن تندم في أمل. كلُّك ندم في يأس.

- الذين يسهون عن الأمل ذاكرتهم معطوبة.

- إن لم تُصغِ، فلن تفهم الناس وأنت مشغول بيأسك.

سيعلِّمك كثيرون كيف تيأس؛ لكن لن تجد كثيرين يعلِّمونك الأمل.

- الأمل دابَّتُك في هذه الحياة.

- السجال الدائر في العالم اليوم يتركَّز حول المعجزات التي تتمخَّض عن الأمل. لا معجزة في الموت، كذلك هو اليأس.

- شعوب الأمل هم الذين يصنعون الفارق. شعوب اليأس مشغولون بقبورهم.

- لا حياة لبلاغة في يأس. في الأمل تولد.

- يُراد لكم أن تيأسوا كي يستفردوا بالحياة.

- المُقيمون في اليأس، خالدون في الموت.

- الطائفيون أيضاً، يائسون من الاستقامة.

- تغدق علينا السياسة العربية اليوم من اليأس ما يكفي لإقناع القيامة بالبدء

- ستجد شعوب اليأس مقيمة في الجحيم.

- الآملون: أصحَّاء. اليائسون: مرضى.

- بالأمل أنت على سفر. باليأس أنت مقيم غريب.

- الفاشلون وحدهم رعايا اليأس. رعايا الأمل أولئك الذين لم يناموا على المحاولة.

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 4541 - الأربعاء 11 فبراير 2015م الموافق 21 ربيع الثاني 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً