العدد 4543 - الجمعة 13 فبراير 2015م الموافق 23 ربيع الثاني 1436هـ

لا تنقصنا الكلمات تنقصنا المَلَكَات

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

كل كلامٍ لا يملك قدرةً على التغيير لا يرجى منه خير وهو مجرد فائض ثرثرة. لا جدوى في الكلمات إن لم تستطع إحداث فرقٍ وتحول في الجهة والمكان والزمان الذي تنطلق منه. لا جدوى في الكلمات التي تبقي حالة الإنسان على ما هي عليه. بل تساهم في ازدياد الأحوال سوءًا. لن تخرج الفقير من فقره والسجين من سجنه والتائه من تيهه والمحبط من إحباطه واليائس من يأسه. كلماتٌ كتلك هي الداء الذي يسوق صاحبها من خلالها الدواء.

كل كلمات تسهم في انحدار الإنسان لا جدوى فيها. كل كلمات تصادر وعي الإنسان لا تختلف عن حبوب مخدرة تسبب الهلوسة. لا تختلف عن آخر صرعات التغييب والانفصال عن الوعي والحضور.

كلماتٌ بعدد أعمار البشر، كثيرٌ منها ساهم في إبادة الغافلين والمهووسين بالكلام. كلماتٌ من المفترض أن تبني أوغلت في الهدم. كلماتٌ كثيرةٌ كان يمكن لها أن تزرع ويتم حصاد ثمارها، لكنها تحولت إلى جرافةٍ ومعاول هدم وجرف.

كلماتٌ لا نقوى على إحصائها حوَّلتنا إلى أرقام في ملفاتٍ تم حفظها لعدم توفر دليل على أن أصحابها مروا على هذا الكوكب أو كانوا من سكانه الذين لن يلتفت إليهم أحد ماداموا لا يستندون إلى فزعة قبيلة أو حتى عصابة في حارة.

الكلمات يمكن لها أن تجعل «الكل» في الموت، ويمكنها أن تجعل الغالب من الناس في «الكل» من الحياة. الحياة بما هي: أثر وفرق وفعل وإدهاش وحجة. ومتى ما اختفى ذلك فأصحابها كالأنعام أو أضل سبيلاً.

بالكلمة بدأ العالم. عالم العلاقات وطرائقها وشروطها وأحكامها. وبالكلمة يجر العالم إلى أكثر من مجهول وأكثر من كارثة وأكثر من جهل وتجهيل.

ما الذي تحدثه الكلمات في عالم لا يصغي؟ ما الأثر الذي يمكن أن تتركه في عالم مصاب بالصمم؟ ما التغيير الذي يرتجى منها وهي في أرذل المراوحة والثبات على عارها والأثر؟

لا جدوى في الكلمات مادامت من دون روح وهدف ورسالة وتوجه نحو تغيير وإصلاح وإسعاد البشر ومحاولة الانتقال بهم من مرحلة الخضوع والتبعية إلى مرحلة الاستقلال وتحديد الخيارات وفرض الشروط التي تحسن من حياة المجموع البشري، لا مجموعة دون أخرى.

لا أحد من المجتمعات حقق غاياته بالكلمات. لا أمة في التاريخ والدنيا تجاوزت آفاقها بالكلمات وحدها. لا يائس امتلأ بالأمل نفخاً ورفداً بالكلمات. لا موتى نهضوا من قبورهم بالكلمات. ولا أحياء يمكن لهم أن يموتوا بالكلمات ماداموا يمتلكون القدرة على مواجهة ما هو أقوى منها خاصة في التماسهم لسحر الفعل وأثره.

لا جدوى في الكلمات التي لا ترفع ضعة في إنسان. ولا جدوى فيها إن لم تذكره بقدرته وطاقته وإمكانياته وسحر الفعل الذي يمكن أن يحققه ويحدثه في الميت والمتكرر من صور الحياة من حوله.

أمة البلاغة والحكمة المعطلة لا تنقصها الكلمات. ينقصها أن تكون في مستوى وعلى قدر المسئولية في أن تكون سباقة في الفعل. ما ينقص هذه الأمة الفعل لا الكلام. الكلام منثور حتى في الطرقات والأرصفة والكهوف وحتى القبور. الفعل هو الغائب المغيب المبعد المنفي.

لا جدوى في كلمات تحفظ ولا تُتبع من حيث المبادرة واستئناف ما يتجاوز الكلمات إلى تفعيل المَلَكات.

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 4543 - الجمعة 13 فبراير 2015م الموافق 23 ربيع الثاني 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 11:38 م

      معجزة محمد صلى عليه وآله


      معجزة محمد صلى الله عليه وآله وصحبه هي القرآن وهي ( كلام ) كلام الله دستور ديننا وبه تشفى الصدور ‏
      فالكلام يحيي ويقتل البشر فللكلام تأثير لا أحد يتصوره على البشر ‏
      كفاكم قفزا على واقع الحياة والفطرة الإنسانية أيها المثقفون فما أوتيتم من العلم إلا قليلا ؟؟؟

    • زائر 2 زائر 1 | 3:13 ص

      ...

      هي تتكلم عن الكلام اللي بلا فعل وانت تتكلم عن القرآن الكريم
      وش دخل هذا بذاك يامثقف!!!

اقرأ ايضاً