العدد 4546 - الإثنين 16 فبراير 2015م الموافق 26 ربيع الثاني 1436هـ

أحلام التغيير الإعلامي

عصمت الموسوي

كاتبة بحرينية

على مدى أربعة أعوام، ظلّ الرأي العام البحريني والخليجي يترقب بشوق افتتاح الفضائية الجديدة، كان الهاجس على أي شاكلة إعلامية ستكون؟ وهل فعلاً ستضاهي الفضائيات العربية الأخرى الواسعة الانتشار والتي تغوص عميقاً في بحار غيرها وتتجنب مناقشة شئون بيتها الداخلي، أم ستكون أفضل؟

لم يرشح من القناة طوال هذه الفترة إلا الحديث عن الاستعداد للانطلاق ومواصلة القول عبر تصريحات مديرها جمال خاشقجي من أنها ستكون حرة ومستقلة وموضوعية وعلى مسافة واحدة من الجميع، معارضات وحكومات. وليس السؤال اليوم لماذا توقفت «العرب» فحسب فلقد أشبع هذا الموضوع نقاشاً طوال الأسبوعين الماضيين، إنما السؤال هو: هل سقط خيار إمكانية إنشاء مشاريع إعلامية مستقلة وحرة وموضوعية؟

قبل الإجابة على هذا السؤال، جديرٌ بنا أن نتعرف على حجمنا الحقيقي على خارطة المشهد الإعلامي الدولي، فالعالم العربي من أقصاه إلى أقصاه، مصنّفٌ في خانة الدول غير الحرة صحافياً وسياسياً واقتصادياً. وإن شئنا أن نكون أكثر تحديداً ودقةً، فإن هذا العالم لم يقل «بسم الله» بعد في الملف الإعلامي وملف الحريات، وهذه الملفات كما نعلم شديدة الالتصاق بالملفات السياسية المتعثرة أو المؤجلة في كثير من بلادنا العربية، وجاءت ثورات الربيع العربي ثم الثورات المضادة، فألفينا أنفسنا أمام حالٍ من الاستقطاب السياسي والديني والمذهبي، وضمن بيئات معادية للحريات الأرضية والفضائية والألكترونية، لذا جاء تصنيفنا أيضاً كأعداء للكلمة الحرة وللانترنت، وتراجع حتى ذلك الانفتاح النسبي والضئيل الذي شهدته المنطقة في بحر العقد الماضي بذريعة الحفاظ على الأمن والاستقرار، ولم تحقق أية دولة عربية تطوراً في قوانين وتشريعات الإعلام، ولم ترتفع أية دولة عربية إلى مصاف الدول الحرة صحافياً، وتصاعدت نسب المتهمين والمعتقلين على خلفية ممارسة حرية التعبير، وظلّت تقارير «منظمة العفو الدولية» و»مراسلون بلا حدود» و»بيت الحرية»، تمطر العالم العربي سنوياً بالتوصيات والمناشدات المطالبة بإطلاق سراح سجناء الرأي والصحافة، وبضرورة تعديل تشريعاتها الصحافية. ولا غرابة إذاً في أن يخفق مشروع إعلامي كبير أنفق عليه الملايين في تجهيز المعدات والعناصر البشرية.

لقد جاءت الفضائية تتويجاً لمبادرة انطلقت من العام 2011، ولم يفهم الناس سر هذا التمهل الطويل إلا بعد أن انطلقت القناة وأغلقت بعد عدة ساعات. وكنت في جلسة مع أحد المدراء في فضائية «العرب» قبل انطلاقها بأشهر، ورويت له خبراً ورد في وسائل التواصل الاجتماعي في ذلك الوقت عن سقوط شاحنة محملة بالخمور على الطريق في إحدى الدول العربية وهروب سائقها، قال المدير إن قصة مثيرة كهذه لا ندري إن كان مسموحاً نشرها أم لا؟ إن ذلك يكشف عن الحيرة في السياسة الإعلامية التي تنوي انتهاجها، فأبسط قصة خبرية قد تفتح الباب واسعاً للاستفاضة في مواضيع شتى ذات صلة، والسقف المحدود يضيّق الخناق ويحاصر المحطة في كل مادة، سياسية كانت أو غير سياسية.

أربع سنوات قضاها إعلاميو المحطة في حالة انتظار حول ما الذي ينشر وما الذي يمنع، ولن نتحدث عن الخسائر المادية فهذه قد يتحملها المالك، لكن عن خسارة وضياع وقت وجهود الكفاءات الإعلامية والفنية والتقنية التي تفرغت للعمل، أو تركت وظائفها القديمة وتجد نفسها اليوم على قارعة التبطل بعد أن استبشرت خيراً بأحلام التغيير الإعلامي.

قبل أن ينجز العالم العربي الاستحقاقات المتوجبة عليه في مجال الحريات المدنية والحقوق السياسية وفي استقلالية الإعلام، ويعمل على مواكبة قوانينه كلها بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان وبالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، فلا أمل في حدوث نقلة إعلامية فارقة. وأحسن ما في فضائية «القصة التي تهمك»، أنها فتحت الأعين على وضع الحريات الإعلامية في العالم العربي كله، وبيّنت أننا لانزال بعيدين عن الإعلام الموضوعي المهني التعدّدي المسئول والمنفتح على الآخر، والذي يقبل الاختلاف، ويوظّف كل ذلك في السعي للتقارب والتحاور لبلوغ التسويات السياسية المرضية.

إقرأ أيضا لـ "عصمت الموسوي"

العدد 4546 - الإثنين 16 فبراير 2015م الموافق 26 ربيع الثاني 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 11 | 7:56 ص

      صقر الخليج

      والله ولك وحشة يا الطيبة .. إشتقنا لكتاباتك .. عدت والعود أحمد .. مقال جيد

    • maka222 | 3:05 ص

      تعميم في غير موضعه

      صراحة أنا لأول مرة أقرأ صحيفة بحرينية و تفاجأت جدا بالحرية (نسبيا) الموجودة فيها و لو أنها أيضا ينطبق عليها ما اتهمت به الكاتبة بقية وسائل الاعلام... و لكن أرغب في تعليق بسيط بـ عدم التعميم لأن بعض الدول و خاصة من وصلها "الربيع" سواء تلك المجبرة أو المختارة كتونس أو المغرب

    • زائر 10 maka222 | 7:09 ص

      حياش الله

      ياهلا بالسيدة نورت الجريدة

    • زائر 7 | 1:07 ص

      القلم الذي لن تذبل

      أهلا بالاخت العزيزة عصمت الموسوي لا تتركي القلم قلمك كلمة طيبة يتقبلها ناس واجد أستمري جزاك الله خيرا

    • زائر 6 | 11:57 م

      المختار الثقفي

      اولا احب ان ابارك للصحفية عصمت الموسوي عودتها للكتابة في هذه الصحيفة الغراء...
      ثانيا وتعليقا على انطلاق قناة (العرب) الفضائية في دولة عربية اقول لصاحب القناة بأنه اصبح كمن يشتري العصافير في الشجرة فما ان جاء ليعدها طارت حتى قبل ان ترى وجهه...
      هذا هو حال الحرية في بلاد العرب كل العرب اوطاني..
      واخيرا عودا حميدا للكاتبة

    • زائر 5 | 11:52 م

      أحلام التغيير الاعلامي

      موضوع مهم وشيق واهلا بك استاذه عصمت

    • زائر 4 | 11:33 م

      مقال رائع

      مقال رائع

      \nتحياتي
      \nمقشاعي

    • زائر 3 | 10:55 م

      عقلية المزرعة10

      طالما ابلاد العرب تدار بعقلية المزرعة فلا نتوقع الا بطيخ وطروح وبعض الخرفان تربي وتذبح لتكبير الكروش المنتفخه اصلا .

    • زائر 2 | 10:42 م

      نحن مثل الشعراء يقولون ما لا يفعلون

      هل سمعتي ذلك المسئول البحريني وهو يقول إن فضاء حرية الكلمة متاح للجميع وأن حرية الكلمة مكفولة بدون رقيب وإن الإعلام المسموع والمرئي كله بدون حجاب ويتسع للجميع ؟ هل سمعتي في أيام الانتخابات أنه بصوتك تقدر ؟ هل سمعتي الصحفية والصحفي في بعض الجرئد المحلية أن أبواب المسئولين مفتوحة وأن المواطن له مطلق الحرية في انتقاد أي مسئول حتى لو كان كبيرا ؟ وأن الصحافة لها مطلق الحرية في النقد ؟ هناك أمور كثيرة قالوها ولم ينفذ منها أي شيئ سوى البهرجة الإعلامية وقد فشلت كما فشلت حملة العلاقات العامة للبحرين.

اقرأ ايضاً