العدد 4557 - الجمعة 27 فبراير 2015م الموافق 08 جمادى الأولى 1436هـ

القطان يُحذر من الاغترار بالمنصب والمال والعلم... ويؤكد: الدنيا مع الظلم لا تدوم

الشيخ عدنان القطان
الشيخ عدنان القطان

حذر إمام وخطيب جامع مركز أحمد الفاتح الإسلامي، الشيخ عدنان القطان، من الاغترار بالسلطة والمنصب والمال والعلم، داعياً إلى الاستفادة من العبر والحوادث التاريخية.

وفي خطبته يوم أمس الجمعة (27 فبراير/ شباط 2015)، تحدث القطان عن «دروس وعبر من التاريخ»، واستعرض شخصيات تاريخية اغترت بالملك والجاه، إلا أنهم ينسون ذلك مع «أول علقم ذاقوه».

وأوضح القطان أن «أول صفحة نقترب منها في تاريخنا المنسي، هي في غرب إفريقيا وفي بلاد الأندلس تحديداً، مع رجل اغتر بملكه وزهى بسلطانه، مع ملك إشبيليا، المعتمد بن عباد أحد ملوك الطوائف ببلاد الأندلس يوم أن كانت أرضاً إسلامية».

وأشار إلى أن «المعتمد ولد في باجة (إقليم في البرتغال حالياً) سنة 431 هـ، و توفي في أغمات قرب مراكش بالمغرب سنة 488 هـ، اسمه محمد بن عباد بن محمد بن إسماعيل اللخمي أبو القاسم المعتمد على الله، كان شاباً، فارساً، شاعراً مجيداً، يحب الأدب؛ فاجتمع في بلاطه نجوم ساطعة من أرباب ونوابغ القصيد من أمثال أبي بكر بن عمار، وابن زيدون، وابن اللبانة، وابن حمديس الصقلي، وكما كان المعتمد شاعراً مجيداً، كانت زوجته اعتماد الرميكية شاعرة كذلك، وكانت إشبيلية حاضرة دولته آية في الروعة والجمال».

وذكر أن «ابن عباد ملك أرض إشبيليا، فملك معها الأموال الطائلة، والقصور الفارهة، وعاش عيشة باذخة، يتقاصر كل قلم عن وصفها، وحادثة واحدة تختصر لنا حجم البذخ والترف واللهو والعبث الذي عاشه المعتمد بن عباد وعائلته، في قصره المنيف، وعند نافذة من نوافذه، تقف زوجته وبناته فينظرن إلى نساء يحملن قرب السمن على ظهورهن يبعنه في السوق، وفي طريقهن يطأن طيناً معترضاً، فكن يرفعن ثيابهن بيد واليد الأخرى تحمل القرب، فاشتهت زوجته وبناته أن يتضمخن بالطين، كما تتضمخ هؤلاء النسوة، فأمر ابن عباد بالعنبر والعود، فمد في ساحة قصره، ثم رش بماء الورد عليه، وخلط حتى أصبح مثل ماء الطين، فجعلت زوجته وبناته يمشين على العنبر والكافور، وهكذا أشبعت رغبتهن التافهة، بأموال طائلة، وانتهت سكرة الشهوة، ولكن ما انتهت تبعاتها».

وتابع «دار الزمان دورته، وما بين لحظة وانتباهتها بدل الله الأمر من حال إلى حال، فدب خلاف بين ملوك الطوائف، سقط على إثره المعتمد بن عباد عن ملكه وأخذ أسيراً هو وعائلته، فإذا هم يعيشون لاجئين صاغرين، بعد أن كانوا ملوكاً عالين، أما ابن عباد فأودع في سجن أغمات (قرية في المغرب)، وأما عائلته فكانوا خارج السجن، ولكن عاشوا خداماً، يتلقفون العطايا، بعد أن كان أمرهم مسموعاً، وقولهم مطاعاً، أضحت زوجته وبناته اللائي كن بالأمس يتخوضن في الكافور والعنبر، لا يجدن ما يأكلن إلا من قوت قليل، يحصلنه من غزل الصوف، لا يسد إلا بعض حاجتهن».

واسترسل القطان «بقي المعتمد ابن عباد في ظلمات السجن مأسوراً، ذاق فيه خشونة الحصير، بعد أن كان يتقلب على بساط الحرير، تحول من حاكم يأمر وينهي إلى مأسور يرحمه الناس، ويعتبر به الغير، بقي المعتمد في أسره أشهراً، لم تزره بناته ولا زوجه، حتى كان أول لقاء في يوم عيد، دخلن عليه في هذا اليوم، الذي يتجمل فيه الناس، فرأى ثيابهن رثة، وهيئتهن كسيرة، فصدَعن قلبه واحرَقن فؤاده».

وقال: «من الاغترار بالملك والسلطان إلى الاغترار بالمنصب والجاه، وللمناصب بريقها وفتنتها، هذا يحيى بن خالد البرمكي، تقلد منصب وزير الخليفة، في دولة بني العباس. هذه الدولة التي كانت تحكم من المغرب إلى الهند، قلده الرشيد هارون منصب الوزارة، وفوض إليه جميع أعماله، فأصبح يحيى بن خالد هو الخليفة بثوب الوزير. ذكرت كتب التاريخ أن هارون الرشيد قال له: (قد قلدتك أمر الرعية، فاحكم بما ترى، واعزل من رأيت، واستعمل من رأيت، ودفع إليه خاتمه). ولم يقتصر يحيى البرمكي على هذا المنصب فقط، بل عين أولاده الثلاثة في مناصب عليا في الدولة، فأصبح البرامكة هم المسيطرون على زمام القرار السياسي».

وأكد أن «الدنيا مع الظلم لا تدوم، فقد كان يحيى ظالماً غشوماً، أكالًاً لأموال الناس بالباطل تنام عينه لكن أعين المظلومين لم تنم»، مشيراً إلى أن «الزمان انقلب على هذه الأسرة، فأذلهم الله بعد عز، ووضعهم بعد رفعة، فحدث ما يعرف في التاريخ بـ (نكبة البرامكة)».

وبيّن أن «الخليفة الرشيد غضب عليهم، فنكل بهم، وسجنهم، وقتل أحد أولادهم، وصادر كل أموالهم، وفي غياهب السجن يسأل خالد بن يحيى البرمكي والده: يا أبت بعد العز صرنا في القيد والحبس، فقال والده: يا بني دعوة مظلوم سرت بليل، غفلنا عنها، ولم يغفل الله عنها».

وتحدث القطان عن الاغترار بالمال والثروة، قائلاً: «حين نتذاكر الاغترار بالمال، فإننا لا نجد مثالاً أبلغ وأوعظ من مثال ضربه القرآن لذلك الرجل الذي أعطاه ربه من المال شيئاً مهولًا، حتى إن مفاتيح خزائنه يعجز عن حملها الرجال الأقوياء. بغى هذا الغني وبطر، وشمخ وفخر، ونسب هذا الثراء لنفسه وعبقريته، نسى أن ربه قد أهلك من قبله من القرون، من هم أشد منه قوة وأكثر جمعاً، نسى أن هذا المال غاد ورائح، وأن الذي أعطى قادر على أن يمنع، لم يشعر أن زيادة المال مع المعاصي والأعراض، إنما هو إمهال واستدراج لمن وهب المال، وفي لحظة خاطفة، ولمحة سريعة عابرة أتاه أمر ربه، فخسف الله به الأرض، فما أغنى عنه ماله وما كسب، تجندل مع غروره في أسفل سافلين، وخسف معه أيضاً داره التي طالما زينها ونمقها وفاخر بها.

ونبه إلى أن «هذا نموذج سطره القرآن لمن اغتر بماله، وعقوبة الله لكل مغتر بماله ليس شرطاً أن تكون خسفاً، فقد يعاقبه الله بذهاب ماله وزواله، وكم سجل التاريخ والواقع لأناس عاشوا ثراءً ورفعة ثم عادوا فقراء يمدون أيديهم سائلين متمسكنين.

ورأى أن «أشنع أنواع الاغترار وأفظعها: أن يغتر الإنسان بدينه، فيتعالى بعلمه، ويتباهى بفهمه، ويتفاخر بصلاحه، فهذا الغرور يُخلِق الدين ويُذهِب الإيمان، وصاحبه على خطر عظيم، إن لم يتدارك حاله».

ولفت إلى أن «في ما سبق من قصص، عظة وعبرة ورسالة، أن لا يغتر إنسان بسلطانه، ولا منصبه، ولا ماله ولا علمه. وليعلم أن هذه العطايا منح من ربه فإن شكرها وأدى حقها فله الجزاء الأوفى، وإن كفرها وبطر بعدها فعاقبته إلى خسار، جزاءً وفاقاً».

وقال: «ليعلم كل إنسان عاقل له قلب، أن دنياه غدارة دوارة، الركون إليها جهل، والاغترار بها ضعف في البصيرة»، مضيفاً أن «هذه الدنيا غرت أناساً، فأضحكتهم بزخارفها قليلًا، وأبكتهم بأكدارها كثيراً، نعيمها زائل، وفرحها راحل، لذاتها منغصة بكدر، وسرورها مشوب بحزن، وبريقها مؤذن بزوال».

وأفاد إمام وخطيب جامع مركز أحمد الفاتح الإسلامي أن «الله سبحانه نهى رسوله، وأحب الخلق إليه، أن يمد عينيه إلى ما متع الله به أهل الكفر، من زهرة الدنيا. وكان نبينا وقدوتنا (ص) كثيراً ما يحذر صحابته من الافتتان بالدنيا والاغترار بها، مع أن الدنيا لم تفتح عليهم مثل ما نراه اليوم من انفتاح مذهل».

العدد 4557 - الجمعة 27 فبراير 2015م الموافق 08 جمادى الأولى 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 2:04 ص

      بنت عليوي

      بارك الله فيك، ونعم القول فهل من متعض؟!؟! فوضنا امرنا في كل ظالم الى المنتقم الجبار

    • زائر 7 | 1:42 ص

      لم تقولون مالا تفعلون

      لم تقولون مالا تفعلون
       الإنسان يعد وعدا، أو يقول قولا ولا يفى به أو يقول من نفسه من الخير ما لا يفعله، أما فى الماضى فيكون كذبا، وأما فى المستقبل فيكون خلفا وكلاهما مذموم، والقائلون ما لا يفعلون: هم الذين يتعلمون العلم ويعلمونه الناس و"آية المنافق ثلاث: اذا حدث كذب، واذا وعد أخلف، واذا أؤتمن خان"
       "أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم"

    • زائر 5 | 12:32 ص

      احسنت يا شيخ واحسن الله اليك

      كما قال الامام الحسين عليه السلام في اهل الدنيا
      "إِنَّ النَّاسَ عَبِيدُ الدُّنْيَا، وَالدِّينُ لَعْقٌ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ‏ يَحُوطُونَهُ مَا دَرَّتْ مَعَايِشُهُمْ فَإِذَا مُحِّصُوا بِالْبَلَاءِ قَلَّ الدَّيَّانُونَ".
      ماذا سوف نجني من الدنيا غير العمل الصالح. اللهم عفوك عفوك عفوك

    • زائر 4 | 12:29 ص

      يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ

      قوله تعالى:
      ï´؟حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100)ï´¾
      ï´؟يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍï´¾
      كان من دعاء نبينا محمد صلى الله عليه واله وسلم ((اللهم لا تخزني يوم القيامة، ولا تخزني يوم البأس، فإن من تخزه يوم البأس فقد أخزيته))

    • زائر 3 | 11:15 م

      الدنيا مع الظلم لا تدوم

      يا بني دعوة مظلوم سرت بليل، غفلنا عنها، ولم يغفل الله عنها». رحم الله والديك يا شيخ ... هل من معتبر ؟؟؟ سترك يا رب

    • زائر 2 | 9:53 م

      هل يتعض غيره؟ لأن دعوة مظلوم تسري بالليل، يغفل عنها، ولا يغفل الله عنها..

      الشيخ القطان: «الدنيا مع الظلم لا تدوم، فقد كان يحيى - تقلد منصب وزير......، في دولة بني العباس - ظالماً غشوماً، أكالاً لأموال الناس بالباطل تنام عينه لكن أعين المظلومين لم تنم»..

    • زائر 1 | 9:42 م

      ...........

      حذر إمام وخطيب جامع مركز أحمد الفاتح الإسلامي، الشيخ عدنان القطان، من الاغترار بالسلطة والمنصب والمال والعلم، داعياً إلى الاستفادة من العبر والحوادث التاريخية.. ويؤكد: الدنيا مع الظلم لا تدوم..

اقرأ ايضاً