العدد 4568 - الثلثاء 10 مارس 2015م الموافق 19 جمادى الأولى 1436هـ

إخضاع الحاكم العربي لشعبه

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

لو بعث ميكافيلي مؤلف كتاب «الأمير» حياً، لوجد أنه تلميذ مبتدئ في مدرسة الدهاء العربي، ولوجد نفسه ساذجاً أمام قادة السياسة العربية، وفي مقدمتهم الرئيس اليمني المخلوع على عبدالله صالح، الذي حكم اليمن على امتداد 33 عاماً وتركه إثر ثورة عارمة، ولكن بعد أن دمّر بنية الدولة والمجتمع، وها هو اليمن يعيش حالة من الفوضى تنذر بكارثة حرب أهلية.

كثيراً ما يرد مثل «سيف المعز وذهبه»، الذي يشير إلى الخليفة الفاطمي المعز لدين الله، في تجسيد للحاكم الذي يعمد إلى تقديم الذهب لضمان إخضاع الطامحين في الحكم، ولكنه لا يتردد في استخدام السيف لقطع الرؤوس حيثما لا يفيد الذهب. فمع انتهاء مرحلة الخلافة الراشدة، أضحى حكم العرب ملوكياً عضوضاً، وتتالت السلالات على حكم بلاد العرب والمسلمين، ثم جاء تشكل الدول الإسلامية المتناحرة، وانتهاء بمرحلة الاستعمار، حيث خضعت بلاد العرب بطريقة أو بأخرى للاستعمار أو الحماية، مع ضياع فلسطين، لتسقط بيد الصهيونية ربيبة الاستعمار.

كانت الآمال من خلال النضال ضد الاستعمار والسيطرة الغربية بمختلف الأشكال، واعدةً بالتحرر والوحدة وتحرير فلسطين. وبالفعل وفي أكثر من بلد عربي، انخرط المواطنون في الكفاح ضد الاستعمار وتجاوزوا مؤقتاً المتناقضات، كما في الثورة الجزائرية والثورة اليمنية والسورية والمصرية، وكذلك النضال الوطني وإن لم يرقََ لمستوى ثورة كما هو حال تونس والمغرب، والعراق والخليج. وحتى في البلدان التي كانت تحكم محلياً بتوافق مع الغرب كما في منطقتنا ولبنان والأردن وليبيا والسودان، فقد كان هناك توافق وطني في النضال.

لكن ذلك لم يستمر طويلاً، فقد أسهمت الانقلابات العسكرية، وحكم العسكر في تدمير أنوية الدولة، والنسيج الاجتماعي، وبدايات الديمقراطية الليبرالية. لكن المأساة تكمن في تحوّل قادة الثورات العربية إلى حكام مستبدين أكثر شراسةً من الحكام الذين ثاروا عليهم. ودخول هذه البلدان مرحلة كالحة من الاقتتال أو الصراع الداخلي، حتى ينتهي الأمر بسيطرة زمرة صغيرة على السلطة، وعادةً ما تكون مترابطةً عائلياً ومصلحياً. أما الأنظمة التقليدية ذات الطابع الأبوي، بمعنى مزيج من التسلط والرأفة، فقد تدهورت لتصبح أنظمة تحتكر الأسر فيها السلطة وتحوز على الثروة.

هناك نموذج للحكم أشار له الباحثون الاجتماعيون، وهو الحكم الرعوي، الذي تختص به الدول النفطية والذي طالما روّج له كونه استثناءً عربياً، محصّناً عن التغيير، ويستند إلى كون الصدفة التاريخية قد حبتها بثروة نفطية هائلة في بلدان قليلة السكان، وذات بنية قبلية، حيث تستأثر فئة بالجزء الأكبر من عائدات النفط وتوزيع الفائض على المواطنين كهبات، بحيث يجرى شراء سكوتهم ورضاهم، كما يتم توظيفهم في وظائف الدولة المريحة والمتضخمة. ومثل هذا النموذج السائد في دنيا العرب يستند ليس فقط على ذهب المعز، بل أيضاً على تشتيت الشعب وتمزيق صفوفه، وبعث التناقضات التي طمسها النضال الوطني، بل وإثارة نزاعات موغلة في التاريخ، وإثارة مكونات الشعب ضد بعضها البعض وهي التي عاشت لقرون متعايشة متسالمة.

وإذا نظرنا اليوم لبلاد العرب، نرى أنها تمر في حروب تدمير ذاتي، معلنة أو مضمرة، قائمة أو في طور النشوب، ولا فائدة من وضع اللوم على أميركا والغرب و»إسرائيل»، فهؤلاء أعداء، ولكن العرب أعداء أنفسهم بالأساس.

الحاكم العربي لا يأنس للحكم الديمقراطي أو التناوب على السلطة. والتشبث بالسلطة واحتكارها مرض عربي عضال. وهذا ينطبق على الهيئات الشكلية للحكم مثل الحزب الحاكم أو الجبهة الحاكمة في الأنظمة الجمهورية، والبرلمان أو مجلس الشورى، وفي مجالس الوزراء والوزارات والمؤسسات حيث سياسة التوازنات القلقة، بحيث لا يشعر أيٌّ منها بالاستقرار والأمان.

لكن أخطر ما عمد الحكام العرب إلى استخدامه لتأمين سيطرتهم وحكمهم هو تمزيق الشعب، ففي المغرب العربي مواجهة العرب بالأمازيغ، وفي السودان مواجهة العرب بالأفارقة، وفي مصر مواجهة المسلمين بالمسيحيين، وفي اليمن مواجهة الشمال بالجنوب، وفي العراق مواجهة الشيعة بالسنة، والعرب بالأكراد، وفي بلدان الفسيفساء بالشام الكبرى مواجهة مكونات المجتمع الدينية والمذهبية والقومية. ولا ننسى بالطبع مواجهة الاتجاهات السياسية مثل القومية والوطنية والشيوعية واليسارية ببعضها البعض. هذا إضافةً إلى تسعير النزاعات الشوفينية والاسلاموية والوطنية المتطرفة، بدفع مواطني بلد عربي لكره مواطني بلد عربي آخر خصوصاً في ضوء نزاعات الأنظمة، والنفخ في الهوية القِطرية لذي ليس غريباً أن تتحول مباراة لكرة القدم بين مصر والجزائر إلى أزمة كبيرة ويسقط عليها صراع تاريخي، وتتحوّل إلى قطيعة بين البلدين اليوم.

وعندما نتفكر في أوضاعنا المزرية، والتي تسودها الكراهية والفرقة والصراعات بدءاً من منزل أي عائلة عربية، إلى ساحة الوطن العربي الكبير، تداهمنا الكوابيس، إلى أين نحن سائرون؟ ما الذي دهانا؟ وهل تستكين النخب المثقفة المخلصة إلى ما يحاك ضد أمتنا وشعوبنا؟ الأنكى أن بعض النخب المثقفة، الداعية سابقاً للتحرير والحرية والوحدة والتقدم... أضحت مروّجاً لما تقوم به الأنظمة.

ليس دهاء الحكام فقط، ولكن سذاجة الشعوب ونخبها السبب فيما وصلنا إليه من انحطاط.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 4568 - الثلثاء 10 مارس 2015م الموافق 19 جمادى الأولى 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 9 | 8:49 ص

      نحن العرب

      عجبا لهذه الامه بدل ان تحمل مشروعها الحضاري والديني و وتتفاخر به الأمم أصبحت تحمل مشروع موتها ونهايتها والاذكي أنها تتفاخر به

    • زائر 8 | 8:10 ص

      أحد معاني السذاجة, هو عدم الخبرة أو قليل التجربة...

      في البدء نشكر الأخ عبدالنبي العكري على هذا المقال الذي يهدف لتحريك العقول إلى الإنتقال من السذاجة إلى النضج الثوري.
      ولو تأملنا في قصة آدم عليه السلام لوجدنا هذا المعنى حاضرا ً (الساذج) ولكنه عندما تلقى الكلمات التي بسببها حصل على التوبة, لم نسمع عن أبينا آدم عليه السلام إنه كرر الخطأ مرة أخرى, ولكن الخطأ حدث من أحد أبنائه, نختم عند الأخ عبدالنبي العكري لنقول, قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها. ( وقد قدم إلينا القول معذرةً).

    • زائر 7 | 7:48 ص

      مقال جيد والحل ؟ ...

      الحل أن نوجد قائد موافق عليه ليمسك زمام الشعب ويتم توجيهها من جديد نحو المسار الصحيح , اللهم صل على محمد وآل محمد .

    • زائر 6 | 7:11 ص

      من أجمل المقالات

      فعلاً لدينا حالات صراع غريبة و عجيبة ينبغي دراستها بعمق و محاولة التغلب عليها في حال أردنا الخروج من الوضع العربي المتخلف

    • زائر 5 | 5:31 ص

      احسنت

      الشعوب تقاتل بعضها بعض بسبب انها لا تملك عقلها وكلما اتى من يرشدها وضعوه السكين في نحره وقالوا خائن وفتنة واماالحاكم العربي فكانه لا يعنيه الامر ومايحصل الا مسلسل طويل من حلقات ت فان نام ناس جاعوا وان طالبوا اتتهم الفزعة

    • زائر 1 | 1:14 ص

      دهاء الحكام وسذاجة الشعوب

      أعجبتني هذه العبارة كثيرا تسلم أستاذي

اقرأ ايضاً