العدد 4568 - الثلثاء 10 مارس 2015م الموافق 19 جمادى الأولى 1436هـ

المرأة البحرينية... إصرار على النجاح

منصور محمد سرحان comments [at] alwasatnews.com

مرت المرأة البحرينية بظروف قاسيـة عبر التاريـخ، شأنهــا في ذلك شأن المرأة العربيــة وبقية الدول الناميـة. وقــد كانت المــرأة البحرينية في نهايـة القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين مغيبة عن الحياة العامـة والشأن الاجتماعي بل هي في معزل عنه، حيث كان المنزل يمثل عالمها الوحيد.

وقد حرمت المرأة البحرينية حتى العقود الأولى من القرن العشرين من مشاركة الرجل في الحياة العامة، وكانت العادات والتقاليد آنذاك تفرض عليها ملازمة المنزل وعدم الخروج منه إلا في حالات معينة لجلب الماء من الينابيع والغدران. وفي القرى كان متنفسها الوحيد الذهاب إلى ساحات النخيل لمساعدة أزواجهن في جني الثمار وجمع سعف النخيل ونقله إلى المنزل لاستخدامه كوقود.

عاشت المرأة البحرينية في نهاية القرن التاسع عشر حتى أواخر الثلاثينيات من القرن العشرين حياةً قاسية، وكانت تفرض عليها القيود كي لا ترى من قبل الرجال وفقاً للعادات والتقاليد المتبعة حينذاك. وكان موسم الغوص الذي يستمر من ثلاثة إلى أربعة أشهر، يمثل أصعب الفترات في حياتها، حيث تتكفل بتربية الأبناء والمحافظة عليهم أثناء غياب أزواجهن. ومما زاد من قساوة تلك الظروف انتشار الأمية بين الذكور والإناث على حد سواء، وكان تعلم القرآن وحفظه في الكتاتيب الوسيلة الوحيدة لمحو أمية الفرد آنذاك. وقد صاحب انتشار الأمية في المجتمع انتشار الخرافات بشكل أثّر على حياة المرأة أكثر من الرجل.

وعلى الرغم من مظاهر تلك الحياة الصعبة في تلك الفترة، إلا أن المرأة البحرينية بصبرها وتحملها لقساوة العادات والتقاليد، أخذت تشق طريقها لبناء مستقبل أفضل، مصرّةً إصراراً قوياً على النجاح. ومن المدهش حقاً أن تشهد البحرين تأسيس أول مدرسة في العام 1899 للبنات، وهي المدرسة الإرسالية حيث خصص العام الأول لتعليم البنات فقط.

في العام 1919 بدأ التعليم النظامي الحكومي بتأسيس وافتتاح مدرسة الهداية الخليفية للبنين. وبعد مضي تسع سنوات، أي في العام 1928، تم افتتاح أول مدرسة حكومية للبنات في مدينة المحرق. وفي العام 1929 افتتحت مدرسة البنات في العاصمة المنامة. وبعد ذلك بدأت مدارس البنات تنتشر في مدن البحرين وقراها اعتباراً من عقد الثلاثينيات، ولاقت تلك المدارس إقبالاً شديداً عليها ما أدى إلى افتتاح أول مدرسة ثانوية العام 1950 بمدينة المنامة. وقد تخرجت أول دفعة من البنات اللواتي أتممن دراستهن الثانوية وكان عددهن خمساً فقط في العام 1956، سافرت ثلاث منهن إلى لبنان لإتمام تعليمهن العالي في كلية بيروت للبنات.

مثّل عقد الخمسينيات من القرن العشرين البداية الحقيقية لنهضة المرأة البحرينية في مجالات التعليم والعمل والثقافة. ففي العام 1953 تم تأسيس أول ناد للمرأة البحرينية، بل هو أول نادٍ للسيدات في منطقة الخليج العربي. وقد بذلت المرأة البحرينية جهوداً مضنية من أجل تأسيس أول نادٍ للسيدات في البلاد. ومن أسف شديد أن هذه التجربة الرائدة لم تستمر طويلاً لمحاربتها من قبل بعض رجال الدين، ما أدّى إلى غلق النادي بعد أشهر قليلة من افتتاحه.

لم تيأس المرأة البحرينية ولم تشعر بالانكسار أو الانحناء جراء غلق النادي، فاتجهت إلى تأسيس الجمعيات النسائية كي تعوّض خسارتها وتوجد البديل عن غلق نادي السيدات. فقد أسست في العام 1955 أول جمعية نسائية في مدينة المنامة أطلق عليها «جمعية نهضة فتاة البحرين»، التي حصلت على الإشهار في ذلك العام. وكانت «جمعية الطفل والأمومة» بدأت نشاطها قبل الإشهار بعدة سنوات، حيث واصلت دور نادي السيدات بعد غلقه العام 1953، واستمرت في ذلك حتى حصولها على الإشهار في العام 1960. ثم أخذت الجمعيات النسائية في الانتشار في مدن وقرى البحرين، الأمر الذي يؤكد على إصرار المرأة البحرينية على النجاح مهما كان الدرب طويلاً.

تعزز دور المرأة البحرينية ومكانتها في المجتمع بشكل جلي من خلال بادرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد، المتمثلة في تأسيس مجلس أعلى للمرأة في أغسطس/ آب 2001. وزادت أهمية هذا المجلس وبروز دوره بشكل فاعل بإناطة مسئولية رئاسته بصاحبة السمو الشيخة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة قرينة جلالة الملك، التي عرف عنها اهتمامها بالمرأة البحرينية ورعايتها وتشجيعها لتأخذ دورها في أوساط المجتمع.

لعب المجلس الأعلى للمرأة دوراً بارزاً أهمه نشاطه المميز المتمثل في تأهيل المرأة البحرينية الراغبة في الترشح للمجالس البلدية والمجلس النيابي، وتوعية الناخبة البحرينية بممارسة حقوقها التي كفلها الميثاق والدستور.

ساهمت المرأة البحرينية في جميع مجالات الحياة العلمية والاقتصادية والسياسية والتعليمية والثقافية. كما ساهمت في ازدهار النتاج الفكري المحلي، فقد بلغ عدد عناوين الكتب التي ألفتها المرأة البحرينية منذ صدور أول كتاب لها في العام 1973 وحتى نهاية العام 2014، زهاء 650 عنوان كتاب، كما بلغ عدد المؤلفات البحرينيات قرابة الثلاثمئة مؤلفة غطت بقلمها الكثير من الحقول المعرفية كالتاريخ، والتراجم، والفلسفة، والإدارة، والعلوم، والطب، والدين، والفنون. كما بلغ عدد الرسائل الجامعية التي نالت بموجبها المرأة البحرينية درجات الماجستير والدكتوراه زهاء 800 رسالة جامعية حصلت عليها من جامعات داخلية وعربية وأجنبية.

ولربط صدر الكلام بعجزه لتبيان الفرق بين المرأة البحرينية في أوائل القرن العشرين ويومنا هذا الذي أصبحت فيه المرأة البحرينية بفضل صبرها، وجدها واجتهادها وطموحها ودراستها وثقافتها المتنوعة، وزيرة، وعضوة بمجلس الشورى ومجلس النواب، وهي طبيبة، ومهندسة، وأستاذة جامعية، ومحامية، وصحافية، وموظفة، وعاملة، وسيدة أعمال... الأمر الذي يؤكد نجاح مسيرتها بخروجها من محيط المنزل إلى الحياة الرحبة، ممارسةً جميع حقوقها كاملة أسوة بالرجل.

إقرأ أيضا لـ "منصور محمد سرحان"

العدد 4568 - الثلثاء 10 مارس 2015م الموافق 19 جمادى الأولى 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً