العدد 4584 - الخميس 26 مارس 2015م الموافق 05 جمادى الآخرة 1436هـ

الذكاء العاطفي ومهارات التواصل في ريادة الفريق الصحي

محمد حسين أمان

طبيب ومدرس إكلينكي، باحث في طب الطوارئ

تمثل أدوات ومهارات التواصل بين أفراد الفريق الطبي المعالج والمريض وذويه ومرافقيه حجر الزاوية في فاعلية ومهنية أداء الكوادر الصحية من أطباء وممرضين و مهن صحية مساندة وهي العامل الفارق في تحديد مخرجات ما تقدمه من رعاية صحية عند قياس مؤشرات الأداء الريادى ومعايير التميز. لقد بقت ولفترات طويلة، ومازالت نسبيا، المناهج والمقررات الدراسية في الكليات والمعاهد الطبية والصحية مفتقرة الي ما يمكن الطبيب أو الممرض أو المسعف وما سواهم من أفراد الطاقم العلاجي من ممارسة واجباتهم المهنية في بيئة إكلينيكية تتسم بقدر كافي من المهنية في التعاطي والتواصل مع المريض وذويه، وهو ما ينظر اليه بتمعن وتقدير متي ما تلمسه متلقي الرعاية الصحية في معايشتهم المستمرة مع المستشفيات والمراكز الصحية بصفة عامة.

ان أهم ما تتسم به وتعكسه الممارسات المهنية الصحية سواء أكانت طبية أو تمريضية أو غيرهما، هي تفردها وتعمقها في الجانب الإنساني البحت حيث أننا من الممكن أن نطلق عليها أنها من العلوم الانسانية التطبيقية التي تستوجب علي كوادرها ليس الفهم والادارك فقط لمباديء التعامل والتواصل، بل التميز والتفرد فيها، ولا أخفيكم سرا أن أشير الا أنها، أي مهارات التواصل، ستكون من محددات اتخاذ القرار المهمة في تعيين كوادر الرعاية ممن لها علاقة مباشرة وغير مباشرة مع المريض بل هي كذلك في مؤسسات صحية كثيرة.

هناك من مهارات التواصل الكثير مما لا يتسع المجال هنا لذكره، فهناك من التقنيات ما ينمي لدي الكوادر الصحية ملكات التواصل الفعّال في إطار من الاحترام والخصوصية والرعاية للمريض وذويه، منها الإنصات المتأني والمتفهم والمتعاطي مع المريض وهواجسه المرضية وغيرها الكثير من الوسائل التقليدية التي تزخر بها الدورات والمراجع العلمية فى التواصل المهني الفعّال.

لقد برزت في السنوات الأولي من القرن الماضي مفاهيم جديدة تحكم وترسم بعدا آخر مهما في عملية التواصل الإنساني وقد ذهب بعض المفكرين ورواد علم الاجتماع الي مبادرات فريدة ونوعية في تسخير تلك المفاهيم والمعرفة المستحدثة في قياس معدلات الذكاء المميزات والشخصية عند الأفراد بل والي ما هو أبعد من ذلك عبر احلال أداة القياس التقليدية أو ما نعرفه بـ «معدل الذكاء أو آي كيو» واستبداله أو تكميله بأداة ومقياس علمي اجتماعي وعاطفي جديد يعرف ب» معدل الذكاء العاطفي» أو « إموشنال كوتنت».

فما هو الذكاء العاطفي؟

انه القابلية علي التمييز الصحيح وفهم العواطف الذاتية وعواطف الآخرين وتأطيرها والاستدلال بها في التفكير والسلوك، بمعني أنها تلك المقدرة عند الفرد التي تجعله يقرأ ويستوعب ما لم ينطق به شفهيا عند التواصل مع شخص آخر وتكييف الاستجابة بناءا علي ذلك الفهم، انها في جانب منها لغة الجسد والمشاعر والأحاسيس. ذلك النوع من الذكاء اما أن تحدده الملكات والخصائص الفردية لشخص ما في مقدرته علي معالجة المعطيات العاطفية من فرح وغضب وحزن وغيرها والتعامل المناسب معها عند التواصل مع المرضى ومرافقيهم وهذا النوع من الذكاء العاطفي يعرف بـ «نموذج المقدرة» الذي وضعه بيتر سالوفي وجون ماير، أو أن يكون الذكاء العاطفي من نوع يعرف بـ «نموذج الشخصية» وقد قام بوضعه قسطنطين فاسلي بترايدس وهو التقدير الذاتي للفرد عن مدي مقدرته في انتهاج وفهم الشعور والعواطف والتواصل علي أساسها، وهناك نوعا أخيرا من الذكاء العاطفي وهو النوع الثالث الذي يجمع بين المقدرة ونموذج الشخصية ويعرف بـ «النموذج المختلط» ويمثل مجموعة من المهارات والخصائص التي تشكل وتقود الأداء الريادي للفرق المهنية ومجموعات العمل وهو ما اقترحه دانيال جولمان.

ان للذكاء العاطفي أهمية كبيرة في بناء الفريق الطبي المعالج اذا ما أريد للخدمات الصحية النجاح والتميز في الاستجابة لحاجات المريض من جهة والي الريادة المنتجة في أداء كافة الكوادر التشخيصية والعلاجية حيث الاستجابة الي نوعين من التواصل، الشفهي وذلك الخليط من الشعور والأحاسيس التي يحملها المريض وذووه، ما يوفر الضمانة الكبيرة في تقديم رعاية صحية عالية تستجيب الي حاجات المريض علي أحسن وجه وفي الوقت ذاته تضع الإطار العام والدافع عندما تسير مهارات الذكاء العاطفي في صياغة ديناميكية التعامل والتواصل بين أفراد الفريق الطبي علي اختلاف خلفياتهم التخصصية من أطباء وممرضين ومهن مساعدة التي تجمعهم أرضية إنسانية صلبة وهي رسالة الرعاية والعلاج.

ذلك تطبيق واحد من إمكانات نهج التواصل في الرعاية الصحية المبني علي أسس المفهوم الأشمل للرعاية والريادة ويبقي بناء فريق صحي إكلينيكي لقيادة العملية العلاجية وبث مبادئ العمل الجماعي الفاعل والمتكامل أحد أهم مؤشرات الفاعلية والتميز التي تقوم علي قياسها واستمرارية مناظرتها وإعادة تقييمها دور الخبرة والاعتراف المعنية بمؤسسات ومرافق الرعاية الصحية كما ان المحرك الأساسي والعامل الفارق في وضع ذلك التطبيق وغيره من أدوات الإبداع الكامنة هو تفعيل مفهوم وممارسات الحاكمية والحوكمة وتضمين الاستراتيجيات الصحية أهمية وأهداف بناء الفرق الصحية الفاعلة ووضع مؤشرات الاستدامة المناسبة في قيادة التغيير للأفضل التي توفر له ممارسات الجودة ومبادرات التميز البنية التحتية الدافعة وهو ما يتماشي مع الرؤية الاقتصادية لمملكة البحرين بحلول عام ألفين وثلاثين ميلادية وأشارت إليه الاستراتيجية الصحية.

إقرأ أيضا لـ "محمد حسين أمان"

العدد 4584 - الخميس 26 مارس 2015م الموافق 05 جمادى الآخرة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً