العدد 4585 - الجمعة 27 مارس 2015م الموافق 06 جمادى الآخرة 1436هـ

القطان: تباشير الخير تلوح بوادرها... والتمزق الحالي للمسلمين محنة عارضة

الشيخ عدنان القطان
الشيخ عدنان القطان

رأى إمام وخطيب جامع مركز أحمد الفاتح الإسلامي، الشيخ عدنان القطان، أن تباشير الخير تلوح بوادرها، رغم الخطوب المدلهمة والأخطار الجسيمة التي تحيط بالمسلمين، ورغم ضراوة الهجمة عليهم، وفي الأمة خير كثير، وهي الشهيدة على الناس، القائمة بالحق والعدل، معتبراً أن التمزق الحالي للمسلمين محنة عارضة.

وفي خطبته يوم أمس الجمعة (27 مارس/ آذار 2015)، والتي حملت عنوان «أمراض الأمة وسبيل العلاج»، قال القطان: «إن العالم يصطرع اليوم على رغبات سياسية وقومية، ودينية وطائفية واقتصادية، ويعيش أزمات حادة، نتيجة الأهواء الفردية، والمطامع الإقليمية، واستبداداً يستمد بقاءه بالبطش والاعتداء. أنتج ذلك البغي والظلم، واشتعال الحروب، وسقوط الضحايا وخراب الديار، مما يهدد العالم كله بالاضطراب وسوء الحال».

وذكر أن «المسلمين نالوا قسطاً وافراً من هذا البلاء، وأصابهم ضعف ما أصاب غيرهم، وتكالبت عليهم الأمم، فاحتلت بعض أوطانهم، ولاتزال تحتل، واستنزفت خيراتهم، وسرقت أقواتهم، وضاع صوتهم، فرقة وشتاتاً، وتنازعاً واختلافاً، وفي الوقت نفسه، تنتظم كثير من الدول في تكتلات عالمية، ضيقت هوة الخلافات بينها، وتقارب بعضها مع بعض من أجل مصالحها، مع أن ما بيننا من عرى الوحدة وأسباب التضامن والتكافل، والتعاون والترابط، أكثر مما بين أمم الأرض جميعاً».

ولم يزل جرح فلسطين، كلما شغل المسلمون عنه بقضايا حادثة، كلما حرك المحتل ما يهيجه ويدميه، مستفزين بذلك شعور مئات الملايين من المسلمين، مستعجلين به ثورات وصدامات سرعان ما تشتعل، وما أبطأ ما تنطفئ، والشعوب المسلمة اليوم، تغلي غليان المرجل، وقد أدرك الأعداء ذلك فانطلقوا جميعاً للوقوف أمام أمانيها، وأجهضوا أحلامها، مستعينين بالنفوس المريضة، والذين يريدون جر شعوبهم إلى هاوية التردي والذل والشتات».

وأضاف «المليار مسلم يتعرضون اليوم، لامتحانات عالمية قاسية، تقتضيها سنة الابتلاء؛ ليقضي الله أمراً كان مفعولاً».

وأكد أن «أمتنا المسلمة العظيمة الممتدة في التاريخ عمقاً، وفي الريادة علواً، المتسيدة على الدنيا حيناً من الدهر، قدرها وقدرها أن تبقى في الصدارة دوماً؛ إذ هي خاتمة الأمم، وتمام الشرائع، والشاهدة على الناس كافة، ووارثة الشرائع السماوية والدين الحق، استقرت الدنيا حين سادت، ونعم الناس بالعدل حين حكمت، وهدي الناس لخالقهم حين دعت وأرشدت، واتصلت الأرض بأسباب السعادة إلى السماء، وكان المسلمون حينها بريادة حكامهم وعلمائهم وذوي الرأي فيهم على وعي بحقيقة أمتهم وقدرها، ضحوا وصبروا وصابروا، فنعموا ونعمت أمتهم والناس كافةً، بثمرة هيمنة الدين الخاتم، حتى وصل الأثر للبهائم والطير والنبات».

وأردف قائلاً: «اليوم وقد اختلفت واختلت الموازين، وطغت حضارة الآلة على حضارة الإنسان، وتسيدت المصالح وتوارت الأخلاق، ووهن كثير من حملة هذا الدين، وأدركهم داء الأمم قبلهم، وقصر كثير من الرعاة والرعية نحو دينهم وأوطانهم، أصبحت هذه الأمة مزعاً، وأمرهم فرطاً، ذهبت ريحهم، وخبت نارهم، وتضعضعت بين الأمم كلمتهم... فأصبح الناس ينشدون الهدى عند غيرهم، ويبتغون الرشاد عند سواهم، وعولوا كثيراً على ما أنتجته حضارة المادة، وعصارة الفكر الحديث، فما زادهم ذلك إلا تيهاً فوق تيه. والعزاء في تلك الكبوة والزلل هو أن الداء ليس في الدين نفسه، وإنما في كثير من حملته... فلم تنطفئ الشعلة وإنما كَلّ حاملها، ولم تغب الشمس، وإنما عمي البصير؛ فهذا الدين عصي على الفناء، لا يقبل الذوبان، وإن ذاب بعض أتباعه. وإذا قصّر في حقه جيل أتى الله من بعدهم بأجيال».

وشدد على أن «كل هذا وغيره يقتضي منا وقفة تأمل نتدبر فيها طريق الخلاص، وخطةً مثلى للنهضة بأمتنا وأوطاننا، وتجنيبها الفتن والحروب، والفقر والحاجة، والمرض والجهل».

وأشار إلى أن «الصراع بين الأمم اليوم، ليس صراع مغالبة فحسب؛ بل هو صراع بقاء أو فناء، أن تكون أو لا تكون! في زمن عولمة الفكر والثقافة، قبل عولمة الاقتصاد والسياسة، في زمن هيمنة القوى وفرض الرأي بالقوة»، مؤكداً أن «التضامن والتعاون بين المسلمين في هذا العصر ضرورة للبقاء، والعالم حولنا يتكتل، ولا يحترم إلا الأقوياء المتحدين».

وقال القطان: «إن الشعوب الإسلامية، لا تريد غير الإسلام عقيدةً تؤمن بها، ونظاماً يحكمها، وديناً يجمع شتاتها، وأخوةً توحد صفوفها، وعملاً صادقاً يحقق أهدافها، وعدالةً تسود مجتمعاتها، ومساواةً تنتظم طبقاتها؛ لتعيش في سلام ووئام، وتعبد الله في أمان».

ونوه إلى أن «التكاتف والتعاون فطرة في الخلق، ومبدأ إسلامي أصيل، وأمر إلهي جليل».

وبين أن «هذه الأمة المسلمة تملك إرثاً تاريخياً وحضارياً في الاتحاد والاجتماع، وتملك من مقومات الوحدة أكثر من غيرها، ولقد جربت طرقاً تائهة، وأنفاقاً مسدودة، وسبلاً مظلمة، فلم تنجح في ذهابها، ولم ترشد في إيابها، إن على الأمة الإسلامية اليوم أن تسعى بكل صدق وإخلاص إلى التمسك بأسباب بقائها كأمة، وأن تعود إلى سبب ريادتها وإلى ذات رسالتها».

وتطلع القطان إلى أن «يبادر المعنيون من رجال الحكم والدعوة والسياسة والاقتصاد، والتربية والاجتماع في عالمنا العربي والإسلامي إلى تبني ذلك، والدعوة إليه بصدق وإخلاص، وعزيمة وإرادة، حتى تتبوأ أمتنا مكانها اللائق بين الأمم».

وتابع «العالم يشهد إفلاس القيم الغربية، وتهاوي الأنظمة الوضعية، وكثرة المآسي الإنسانية، وإهدار الكرامة الآدمية، إضافةً إلى دعم لدعوات عنصرية، ومواقف طائفية، تسفك دماء المسلمين، وتشق صفوفهم، وتبدل دينهم، وتجتر عداوات الماضي وأحزان السالفين، وتجذر للعداوات والانتقام. ويزيد شتات المسلمين ثوران حمى التصنيف، وكثرة الانتسابات، حتى كاد الاسم الشريف لأفراد الأمة والذي هو (المسلمون) يذوب في بحر الانتساب للطوائف والأحزاب والجماعات، ما بين منتسب بإرادته، أو منسوب رغماً عنه، في تفتيت للمفتت، وتفريق للمفرق، حتى صار المنشغلون بتصنيف المسلمين، يصنفونهم على كلمة محتملة، أو خطأ في فهم المصنف نفسه، مضيفين طعنات للجسد الجريح».

واعتبر أن «التمزق الحالي للمسلمين هو محنة عارضة، سبق أن تعرض الكيان الإسلامي لها، ثم تغلب عليها ونجا منها، وإن الاستسلام للهزيمة خطأ، وفقدان الثقة في المستقبل إثم. وإن الهزيمة تجيء من داخل النفس قبل أن تجيء من ضغوط الأعداء، ولسنا أول أمة ابتليت وفرض عليها أن تناضل لتحيا كما تريد. إن حتمية التضامن أمر يفرضه الواقع، وتنصح به التجربة، وتدعو إليه المرحلة الحرجة التي تمر بها الأمة والأوطان، في عالم يتضامن المتفرقون فيه والمتباينون ثقافةً وديناً وعرقاً من أجل المصالح المشتركة، ونحن أولى بذلك التضامن».

هذا، وأكد إمام وخطيب جامع مركز أحمد الفاتح الإسلامي أنه «ليس أشد ضراوةً على الناس، وعلى استقرار الديار من اختلاف الكلمة، وتنافر القلوب، وتنازع الآراء. وحدة الكلمة سبب كل خير، والفرقة والخلاف سبب كل شر».

ولفت إلى أن «كمال الدين وكياسة العقل وسلامة الفهم: ألا ينساق المرء مع من يريد تصديع وحدة بلاد المسلمين، لما قد يرى من ظلم قد وقع، أو حق قد انتقص؛ لأن من فقد بعض حقه في حالة الوحدة، سيفقد كل حقه إذا وقعت الفرقة - معاذ الله -، ولن يأمن - والله - على نفسه، ولا على أهله، ولا على عرضه ولا على ماله»

وخلص إلى أن «في أجواء الفوضى تولد التكتلات، وتنبت المخالفات، وتلكم هي معاول الهدم، وقوة الهدم أقوى من قوة البناء وأبلغ وأسرع. في الفوضى وعدم الاستقرار تذوب المعايير الضابطة، وتغيب السياسات العاقلة، وتذهل الآراء الواعية، ويكون التناقض هو المسيطر، والاضطراب هو السائد، والضياع هو المهيمن».

وقال: «إن غوغائية الجماهير هي الطريق السريع إلى الفوضى، ونعوذ بالله من فتن تدع الحليم حيراناً، فالإنسان في أجواء الفتن قد يظن أن لديه إيماناً يعصمه، أو عقلاً إلى رشد يهديه، ولكن مع الفتن وبخاصة في تقنيات العصر الجارفة، ووسائله الطاغية، وتغريداته المضطربة لا يشعر إلا وقلبه قد تشرب ما تشرب، فإذا هو قد زج في نارها، وغرق في لجتها، وأحرقه لهيبها».

العدد 4585 - الجمعة 27 مارس 2015م الموافق 06 جمادى الآخرة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 1:33 ص

      ناظر

      كثر الله من امثالك

    • زائر 1 | 1:26 ص

      عبد علي البصري

      اشكر الشيخ عدنان القطان شكرا جزيلا لحرصه على مصلحه المسلمين , وفلسطين .... بارك الله في خطاك وثبتنا وإياك على الصراط المستقيم .

اقرأ ايضاً