العدد 4615 - الأحد 26 أبريل 2015م الموافق 07 رجب 1436هـ

الفقر في معادلة السلوك البشري والتنمية المستدامة

شبر إبراهيم الوداعي

باحث بحريني

الفقر معضلة تسترعي اهتمام الباحثين في العلوم المختلفة، كونها تشكل عنصراً خطيراً على مشاريع الدول التنموية والاجتماعية والأمنية، وهي معضلة تعيق خطط التنمية الاجتماعية وتعرقل خطط العمل التنفيذي لإنجاز أهداف التنمية المستدامة.

ويؤثر الفقر على الوعي الاجتماعي البيئي، حيث من غير الممكن إلزام من لا يملك قوت يومه بعدم قطع الأشجار أو عدم صيد الحيوانات البرية. وللدلالة على ذلك يمكن الإشارة إلى تحقيق أجرته «بي بي سي» في الصعيد بمصر، حيث سئل أحد المارة عن مفهوم الحفاظ على البيئة، فصرخ وهو يجري لجمع الحط البري للطبخ ويقول «أنا جوعان».

ويمكن الجزم بأن الفقر يمثل خطراً فعلياً على الأمن الاجتماعي والوطني، لذلك صار محط اهتمام المفكرين والباحثين في قضايا الأمن الإنساني. وفي كتابه «جوهر الأمن: تأملات في المكتب» (1968)، يسجّل وزير الدفاع الأميركي الأسبق روبرت مكنمارا أن «الأمن هو التنمية، ومن دون التنمية لا يمكن أن يوجد أمن. والدولة النامية التي لا تنمو في الواقع لا يمكنها ببساطة أن تظل آمنة بسبب عنيد، هو أن مواطنيها لا يمكنهم أن يتخلوا عن طبيعتهم الإنسانية». وتلك حقيقة مؤكدة، حيث يتسبب فقدان الموارد في شيوع حالة الفقر والجوع وبالتالي اختلال الأمن، وهي معضلةٌ يعالجها القرآن الكريم في قوله تعالى: «فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف».

وضمن معالجاته لمشكلة الفقر، يشير تقرير التنمية البشرية للعام 2013 في محور «الأمن البشري»، إلى أنه «وفقاً لتقرير التنمية البشرية للعام 1994، يجب أن يحول مفهوم الأمن من التركيز على الحماية العسكرية لحدود الدولة، إلى الحد من عدم الأمان في الحياة اليومية للناس، أو تعزيز الأمن البشري. وفي كل مجتمع، تؤدي مجموعة من الأخطار إلى تقويض الأمن البشري، وتشمل الجوع والمرض والجريمة والبطالة وانتهاك حقوق الإنسان والتحديات البيئية. وتختلف حدة هذه الأخطار من بلد إلى آخر في العالم، ولكن الأمن البشري مازال مطلباً عالمياً للتحرر من من العوز والخوف».

وفي التشخيص الوارد في «تقرير اقتصاديّات النُّظم البيئية والتنوع الحيوي» (TEEB) لصناع السياسات المحليّين والإقليميين للعام 2010، «لا يتعلق الفقر بالدخل المنخفض ببساطة، بل هو حرمانٌ متّعددُ الأبعاد يشمل الجوع، ونقص التغذية، ومياه الشَفة القذرة، والأُمية، وعدم وجود منفذ إلى الخدمات الصحية، والعزل الاجتماعي والاستغلال». كما أن الفقر وفق ما تؤكده الوثائق الدولية، هو نتيجة طبيعية لفقدان العدالة الاجتماعية والمساواة. وفي سياق معالجته لهذه المعضلة الإنسانية، يؤكد تقرير التنمية البشرية للعام 2013، إلى أنه «يمكن أن يؤدي ارتفاع عدم المساواة، خاصة بين فئات المجتمع، إلى تقويض الاستقرار الاجتماعي وعرقلة التنمية البشرية على المدى الطويل. ويتسبب استمرار عدم المساواة في أغلب الأحيان بإعاقة الحراك الاجتماعي بين الأجيال، فيولد اضطرابات اجتماعية».

الخطر المتصاعد لظاهرة الفقر على الأمن الإنساني، جعله محط اهتمام المؤتمرات العالمية للبيئة والتنمية، حيث يؤكد المبدأ (5) من وثيقة إعلان ريو بشأن البيئة والتنمية (1996) على أن «تتعاون جميع الدول والشعوب في المهمة الأساسية المتمثلة في استئصال شأفة الفقر، كشرط لا غنى عنه للتنمية المستدامة، بفرض الحد من أوج التفاوتات في مستويات المعيشة وتلبية احتياجات غالبية شعوب العالم على وجه أفضل». ويشدد المبدأ (15) في وثيقة مؤتمر القمة العالمي للتنمية المستدامة بجوهانسبرغ (2002) على «أن أشد تحديات عصرنا إلحاحاً لاتزال تتمثل في الفقر والتخلف وتدهور البيئة والتفاوتات الاجتماعية والاقتصادية ضمن البلدان وفيما بينها».

ويشير المبدأ (38) إلى موقف الدول بقوله... «متفقون على أن تحقيق الأمن الغذائي لجميع البشر يشكل جزءًا حيوياً من الكفاح من أجل القضاء على شأفة الفقر وصون كرامة الإنسان».

وتعالج وثيقة مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية المستدامة (ريو+20) مشكلة الفقر في مفاصله المختلفة، ويمكن الإشارة حصراً إلى المبدأ (2) الذي يؤكد على «أن القضاء على الفقر هو أعظم التحديات التي يواجهها العالم في الوقت الراهن وأحد الشروط اللازمة للتنمية المستدامة»؛ وأن الدول «تلتزم بالعمل عاجلاً على تخليص البشرية من ربقة الفقر والجوع». كما أن المبدأ (106) يشدّد على أن الدول تسلم بأن «تحقيق النمو الاقتصادي المطرد والشامل والمنصف في البلدان النامية شرط رئيسي من شروط القضاء على الفقر والجوع وتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية». كما تشدّد الدول «على أن الجهود الوطنية التي تبذلها البلدان النامية ينبغي أن تكمِّلها بيئة تمكينية تهدف إلى توسيع فرص تنمية البلدان النامية». وأيضاً على ضرورة إيلاء الأولوية القصوى للقضاء على الفقر «في إطار خطة الأمم المتحدة للتنمية، ومعالجة الأسباب الجذرية للفقر وتحدياته باتباع استراتيجيات متكاملة ومنسقة ومتسقة على جميع الأصعدة».

إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"

العدد 4615 - الأحد 26 أبريل 2015م الموافق 07 رجب 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 3:12 ص

      اللهم ابعد شبح الخوف والجوع عن بلادنا

      البنيه التحتيه للبلدان مهم والماء والكهرباء مهم ايضا ونوفير السلع وتوفير العمل كلها من ضروريات الحياة للبشر يجب على الدول والحكومات عدم الاستهانه بها ونحمد الله على النعم المتوافره عندنا ونسال الله ان يعطي المحرومين

    • زائر 1 | 12:58 ص

      يا سبحان الله .

      كل ميسور وغني لو ساعد محتاجين لما وجدنا فقراء , انها معادلة , المشكلة ف البخلاء الي مايندون للمحرومين , ولجهلهم أن المساعدات تنقص مالهم بل عكس ذالك تربي المال ولكن من يتدبر ويفكر , وكثيرا من الاغنياء تصيبهم الكآبه والحزن وعدم توفر السعادة المرجوة وذالك بسبب عدم العطاء والبذل للمحتاجين , ان مساعدة المعوزين وأولي القربى فيها لذة وسعادة لا تضاهي وفوق هذا الاجر الذي لا يقدر بثمن من رب الارزاق سبحانه , صباح العطاء والحب ف الله . خاتون

اقرأ ايضاً