العدد 4615 - الأحد 26 أبريل 2015م الموافق 07 رجب 1436هـ

تأملات في لوحة الوطن

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في الأمسية التي احتضنتها قاعة فلسطين بجمعية «وعد»، مساء الأربعاء الماضي، للتضامن مع سجناء جو، تجد نفسَك أمام لوحةٍ بانوراميةٍ عميقة تدعو للتأمل وتنطق بالكثير.

كانت الملاحظة الأولى حضور أعدادٍ كبيرةٍ من عوائل السجناء، جاءوا من مناطق مختلفة من شرق البحرين وغربها، وشمالها ووسطها. وفي تقديري أن أغلب هذه العوائل لم تكن على كبير صلةٍ بالسياسة قبل ثلاثة عقود. فقد كانت المعارضة يومها نخبوية، تنتظم في تيارات وحركات قومية ويسارية وإسلامية (شيعية)، ويشكّل الطلاب الجسد الأكبر للمعارضة، إلى جانب الكوادر النقابية. ولهذا السبب كانت الحركات تتركّز في مناطق معينة بعينها، أما اليوم، وخصوصاً بعد فبراير/ شباط 2011، فقد اتسعت رقعتها وتمدّدت جغرافياً.

منذ مطلع الثمانينيات، بدأت الحركة الحقوقية تخطو خطواتها الأولى وهي تتلمس طريقها في الظلام، في ظل هيمنة «قانون أمن الدولة». كان الطريق أمامها طويلاً، وكانت تنتظرها محطات كثيرة خلال الثلاثين عاماً التالية: من أحداث التسعينيات حتى مطلع الألفية، انتهاءً بأحداث 2011، التي فرضت الكثير من التغيرات والمستجدات، وأبرزت الكثير من الوجوه الجديدة. كانت الكوادر التي عملت منذ 2000 في المجال الحقوقي بعد انتقال الحراك السياسي من السرية إلى العلنية، أعمارها فوق الخمسين والستين، أما بعد 2011 فتنحّت أو اعتزلت أو غيرت اتجاهاتها، لتحل محلها الكوادر الشبابية التي جاء بها الربيع العربي.

في هذه الأمسية، سمعنا إحدى هذه الكوادر تتكلم عن السجن «الذي يسمونه (إعادة تأهيل)، لكن السجناء حين يغادرونه، يكونون بأمس الحاجة إلى إعادة تأهيل بسبب ما تعرضوا له من سوء معاملة وتعذيب». وأكدت وجود أعداد كبيرة من السجناء، إلى درجةٍ أنه بات من الصعوبة الحصول على محامٍ للدفاع عن القضايا الجديدة. وطالبت بإيقاف التعذيب في السجن وتحسين معاملة السجناء، ومحاسبة من يمارس الانتهاكات ويتجاوز القانون ويعمل على تحطيم الإنسان.

الناشطة الشابة روت أنها قبل دخولها القاعة، تلقّت رسالةً من إحدى الأمهات التي أُفرِج عن ابنها قبل أسبوع، وكان أول ما أراد عمله العودة إلى مقاعد الدراسة لإكمال تعليمه، فقدّم الأهل رسالةً للمدرسة فقيل لهم: انتظروا رد وزارة التعليم. وتساءلت: «إذا خرجوا من السجن ولم تحتضنهم المدارس ماذا سيحدث لهم وماذا سيفعلون؟» وهو سؤال وجيه: لماذا يُتركون نهباً للفراغ ويفرض عليهم خيار وحيد هو ضياع المستقبل؟

في هذه الأمسية، كان المتحدثون من الآباء والأمهات، أغلبهم بين الأربعين والخمسين. هؤلاء كانوا شباباً في مطلع عشرينياتهم، فترة «أحداث التسعينيات»، وعايشوا ما رافقها من أحداث. ربما دخل بعضهم السجن أو تعرّض لتجربة اعتقال يومها، أما اليوم فيقف بعضهم ليحكي قصص المعاناة المستمرة، دوراناً في الحلقة المفرغة ذاتها.

قبل شهر، في هذه القاعة نفسها، وفي أمسية تضامنية مشابهة مع إبراهيم شريف، قال النائب السابق عبدالجليل خليل: «هل يستحق رجلٌ طالب بدولة مدنية خالية من الفساد، والمساواة بين المواطنين، لأن يكون خلف القضبان بلا ذنب آخر؟». وتساءل: «اتهاماتٌ، وآلاف السجناء، مؤامرةٌ تتلوها مؤامرة، وجيلٌ يتلوه جيلٌ في السجون... أما آن لهذا الوطن أن يستريح؟».

ألا تشعرون أنه وطنٌ يدور في الفراغ، فمازلنا نسمع ونقرأ شكاوى السجناء وأهاليهم من استمرار التعذيب داخل السجون، واستمرار سوء المعاملة، والإجراءات التي تسيء إلى سمعة البلد قبل أن تسيء إلى السجناء. بل إن إحدى المتحدثات الحقوقيات أشارت إلى تسجيل حالات من الكسور والإعاقات نتيجة التعذيب، بشهادة أهالي السجناء، فضلاً عن إفادات من أفرج عنهم من السجناء. بل إن بعض الأهالي شاهدوا أحدهم محمولاً على أيدي زملائه لعدم قدرته على المشي، بسبب تعليقه لفترة طويلة ونسيانه على هذه الحالة حتى تعرض حوضه للكسر. ومثل هذه الحالة المؤسفة يُفترض أن تتبنى وزارة الداخلية التحقيق فيها، وما يستتبع ذلك من محاسبةٍ إذا ما ثبت وقوع مثل هذا التجاوزات.

ما نعرفه ويعرفه كل العالم، هو أن السجين يجب ألا يتعرّض للتعذيب أو الإجراءات التعسفية أو أشكال الانتقام، كما تنص شرعة حقوق الإنسان. هذه هي النظرية، أما التطبيق فمختلفٌ جداً.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 4615 - الأحد 26 أبريل 2015م الموافق 07 رجب 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 5:01 ص

      ظلم من قبل

      وظلم من بعد

    • زائر 5 | 3:32 ص

      هو الغباء

      من الغباء ان تخلق لك اعداء في غنى عنهم
      وهذا مايفعله النظام بالتحديد
      دائما ماتكون التهمة كراهية النظام , وهل بعد الذي تفعلونه باي شخص يطالب بحقه سيعشق النظام
      اذا تتم اهانة في الطريق من قبل اجنبي لماذا سيحب النظام ؟
      اذا تم سجنه وتعذيبة بوحشية لماذا سيحب النظام ؟
      حين تمنعه من استكمال تحصيله العلمي وتوفر له حياة كريمه اعلم انك تصنع لك خصما عنيدا وبالتأكيد يكره النظام
      العناد والمكابرة انهى ممالك عملاقة كانت تهاب منها الدول

    • زائر 4 | 1:10 ص

      عجبني عنوانك ... بأن الوطن لوحة ..

      وكل شيء مدون فيها كل صغيرة وكبيرة , الحرية للمعتقلين .

    • زائر 3 | 1:06 ص

      ما أقبح الظلم .

      ... الحرية لجميع معتقلي الرأي والمطالبين بالمطالب المشروعة .

    • زائر 2 | 10:55 م

      سجون التعذيب لا التأهيل

      أما يكفي سجنهم بعد التعذيب في السجن ليش.

    • زائر 1 | 10:19 م

      الكاسر

      سيدنا حساب في الدنيا وفي هدة البلد ما في الحساب يوم الحساب

اقرأ ايضاً