العدد 4639 - الأربعاء 20 مايو 2015م الموافق 02 شعبان 1436هـ

لعلنا ننتفع بالذكرى

جعفر الشايب comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

جيلنا المعاصر عايش أحداثاً كبيرة وصراعات بينية مريرة، وحروباً أهلية وإقليمية دامية، مرت بها المنطقة العربية خلال العقود الماضية، ولكن مجتمعاتنا والأنظمة السياسية لم تلتفت إليها وإلى آثارها، ولم تأخذ من كل هذه الأحداث درساً أو تجربة.

أتناول في هذا المقال تذكيراً مختصراً لحربين إحداهما أهلية، والأخرى إقليمية، كأمثلة لحروب المنطقة المتكررة التي تقدم فيها الضحايا والخسائر دون أي هدف واضح أو مردود أو نتيجة.

قبل أربعين عاماً – في العام 1975 تحديداً – اشتعلت حرب أهلية في لبنان، شاركت فيها جميع الطوائف كالشيعة والسنة والدروز والمسيحيين، إضافةً إلى الفلسطينيين والسوريين والإسرائيليين، وتدخلت فيها مختلف الدول الإقليمية.

استمرت هذه الحرب الأهلية-الإقليمية بين مد وجزر حتى العام 1991، وخلال هذه الفترة قدّم اللبنانيون ما يزيد عن 150 ألف قتيل، 40 ألف مهجر، 17 ألف مفقود ومخفي قسراً.

لم تستثن هذه الحرب طوال الخمسة عشر عاماً أي طرف، وتعدّدت التحالفات والخصومات والاقتتال الطائفي بينها بصورة مدهشة، وشهدت مجازر مرعبة كمجزرة صبرا وشاتيلا، وحرب المئة يوم، وحرب الجبل، وحرب المخيمات، والغزو الإسرائيلي.

انتهت هذه الحرب بعد كل هذه الخسائر البشرية والمادية من خلال اتفاق الطائف، الذي جمع مختلف الأطراف في أغسطس/ آب من العام 1989، حيث توصل النواب اللبنانيون إلى اتفاق اعتبر محل إجماع بينهم لإعادة صياغة النظام السياسي في لبنان. لا نجد حتى الآن سبباً محدداً واضحاً حول أسباب هذه الحرب، ولا يوجد تبرير منطقي لكل تلك المجازر والخسائر والأضرار والتضحيات التي قدمت فيها.

في العام 1980، اندلعت حرب ضروس بين العراق وإيران، واستمرت 8 سنوات متواصلة لتكون أطول نزاع عسكري في القرن العشرين، وواحدة من أكثر الصراعات العسكرية دموية، مخلّفةً وراءها حوالي مليون قتيل، وخسائر مالية قُدّرت بـ 400 مليار دولار أميركي.

احتلت القوات العراقية مناطق حدودية ومدناً إيرانية عديدة، واستخدمت أسلحة بيولوجية وكيماوية ضد الإيرانيين والأكراد، وتتابعت حرب قصف المدن بالصواريخ البعيدة المدى بين الدولتين، وامتدت لتشمل حرب الناقلات في مياه الخليج. وتدخلت الدول الإقليمية والغربية بصور مختلفة في دعم وتأجيج أوار هذه الحرب بين الطرفين عبر الدعم المالي واللوجستي وصفقات الأسلحة.

إضافةً إلى المليون قتيل، تركت الحرب – التي سماها العراقيون قادسية صدام – وراءها مئات الآلاف من الجرحى والمعاقين والمصابين بالسلاح الكيماوي، الذين استقبلت بعضهم المستشفيات الأوروبية، إضافةً إلى المهجّرين ومئات القرى والبلدات التي أبيدت عن بكرة أبيها.

انتهت الحرب في العام 1988، بعد مفاوضات بين الطرفين شملت وقف إطلاق النار، الانسحاب إلى الحدود الدولية، تبادل الأسرى، عقد مفاوضات السلام، وإعمار البلدين بمساعدة دولية.

وهكذا تتكرر الصورة في قيام حرب دموية مأساوية دون أن توجد لها مبررات مشروعة، أو أهداف محددة، ودون أن تدرس بصورة تمكن من عدم تكرار قيامها في المنطقة.

تلا ذلك أيضاً حرب الخليج الثانية (غزو الكويت) العام 1990، وغزو العراق العام 2003، وجميعها لم تقدّم للمنطقة العربية إلا الخسائر والويلات، ولم ينتج عنها أي مردود حضاري أو اقتصادي يساهم في تطوير وتنمية المنطقة. بل إنها أعادت عجلة التطور إلى الوراء كثيراً، وفقد أبناء المنطقة أموالاً هائلةً من ثرواتهم الوطنية دون أي نتيجة أو جدوى.

إقرأ أيضا لـ "جعفر الشايب"

العدد 4639 - الأربعاء 20 مايو 2015م الموافق 02 شعبان 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً